خولة غازي
قد يكون من المبكر الحديث عن التغيرات التي طرأت على حياة المرأة السورية خلال السنوات الخمس الماضية، وخاصة ممن استقرت بهن الأحوال في أوروبا. فهناك الكثير من الإحباطات والتحولات التي تطرأ على الأسرة القادمة من الشرق في المراحل الأولى، سواء في العادات والتقاليد أو في المناخ، والصعوبة في تعلم اللغات لدى البعض.
وغالباً ما تنعكس تلك المشكلات على المزاج العام، وتختلف قدرة التحمل من شخص لآخر، لذا كان صعباً سبر مناحي حالات الاندماج لدى شريحة واسعة من النساء.
الانفصال أولاً:
السيدة “فاتن الفارس” تقوم بتعليم اللغة الهولندية بشكل تطوعي للاجئين في مخيم بمدينتها، تحدثت حول واقع السيدات السوريات اللواتي التقت بهن فقالت:
“ما يميز المرأة السورية أنها قابلة للتعلم، حريصة على معرفة حقوقها منذ قدومها للأراضي الهولندية، وحالات الطلاق هي الأكثر شيوعاً بين النساء، لأن المرأة هنا ليست مجبرة على العيش مع رجل يقوم بضربها، أو لا تحبه من الأساس واضطرتها الظروف للزواج منه في ظروف معينة”.
وتطرقت إلى حادثة واجهتها بالقول: “منذ مدة اتصل بي أحد الرجال ممن قمت بتدريسهم سابقاً، ليقول لي: هل بإمكانك التوسط بيني وبين زوجتي؟ وعندما ذهبت لاستيضاح الأمر، وجدت أن زوجته تختلق أبسط الأعذار لكي تخلق مشكلة بينها وبينه، فهي رافضة تماماً لفكرة وجوده معها في المنزل وترغب بالانفصال عنه”.
تضيف فارس أنه “قد يكون تغير المناخ وطبيعة الحياة هنا، قد أثر على مزاجية تلك السيدة وعلى تقبلها لزوجها، أو أنها بالأساس لا تحبه، فمن خلال سؤالي لها عن سلبياته، كانت تجيب أنه جيد بكل شيء، لكنني لا أطيق العيش معه”.
موضحة أن “إمكانية الاستقلال المادي في أوروبا ساعدت الكثيرات على اتخاذ قرار الانفصال عن الرجل، فما عجزت المرأة عن فعله في بلادها، فعلته الكثيرات هنا دون أن تلتفت لمقولات الشرق (الرجل سترة)، أو (ظل رجل ولا ظل حيطة)”.
لذا نجد حالات الانفصال كثيرة ولافتة بين السوريات، وقد حدثت بين بعض السيدات اللواتي بعثهن أزواجهن لوحدهن ليتحملن عناء الوصول إلى أوروبا، فهذه المشقة والتعب، قد أثرت على شكل تلك العلاقات.
تقول السيدة “رضوى سليمان” اللاجئة في ألمانيا: “أتيت إلى ألمانيا لوحدي مع أطفالي الثلاثة، عبرنا البحر ومشينا طويلاً وتعذبنا حتى وصلنا، فيما بقي زوجي في سوريا، لأننا لم نملك النقود الكافية لقدومنا جميعاً. لكنني لم أتحمل المشقة لوحدي، كان صعباً وجود ثلاثة أطفال معي وهو بعيد، رغم محاولاتي أن أداريه وأن أكون لطيفة معه، إلا أن ذلك انعكس على شكل علاقتنا، فكنت دائماً ألومه على إرساله لنا لوحدنا. كنت بحاجته بجانبي، شعرت بالخيبة في مرات كثيرة، كانت تجربة قاسية علي، أعرف أن لا ذنب له، ولكني لم أعد أتحمل وجوده في حياتي. وأعرف أن الأطفال بحاجته، لكني لم أعد متيقنة من مشاعري تجاهه، ولا أرغب بقدومه إلينا، وفي حال أتى بعد اكتمال إجراءات لم الشمل، أعتقد أن الانفصال سيكون أمامنا، وقد يكون الأمر مختلفاً ونعود كالسابق لا أدري حقيقة مشاعري عندما أراه وجهاً لوجه”.
الحجاب بعيداً:
بعد الأحداث الأخيرة في باريس وموجة الخوف بين الوافدين إلى أوروبا من انعكاس ذلك على المسلمين القادمين حديثاً من دول المشرق، قامت بعض الفتيات والسيدات بنزع الحجاب، أو استبداله بالقبعات، بما يتلائم من الجو العام، مخافة ردات فعل بعض العنصريين. وحول هذا الموضوع تقول السيدة “مروة قاسم”: “بعد مشقة طويلة في (الكامب) الذي سكنت فيه مع ابني الشاب حتى الحصول على الإقامة، توجهنا إلى إحدى المدن الألمانية التي تحوي، لسوء حظنا، العديد من العنصريين ممن لا يحبذون الغريب. فعندما كنت أقوم بالمرور من أمامهم كانوا ينهالون علي بكلام، لا أعرف ترجمته، لكن واضح أن فيه إهانات، فحجابي سهّل عليهم تمييزي عن غيري على أني غريبة ومسلمة. نصحني ابني أن ألبس القبعة على رأسي حتى لا ألفت انتباههم، وهذا ما حصل، وقد ارتحت من الكثير من المواقف المحرجة التي كانت تحصل معي”.
أما الشابة “سوزان محمد” فتقول: “قدمت إلى ألمانيا منذ سنتين، واستطعت أن اجتاز مراحل مهمة في تعلم اللغة الألمانية، والآن أدرس في الجامعة. الحياة هنا لم تكن سهلة بالمطلق، لكنها كانت أفضل من أجواء الحرب. في بلدي كنت محجبة، وأنا الآن بلا حجاب، قمت بنزعه، لأني لم أكن مقتنعة به، أصبحت أكثر إدراكاً ومعرفة بما يجب علي أن أفعله بقناعاتي أنا، لا بقناعات الآخرين، وعندما أجد أنني يجب أن أعاود ارتداءه سوف أرتديه دون أن يضغط علي أحد ذلك أو يفرضه فرضاً، كما يحدث في بلادنا، فهنا تعلمت أن أكون أنا، بدون أن يؤثر علي أحد، قد يلومني العديد، لكنني لا أعيش لأجل الآخرين ولا هم يعيشون لأجلي، ولا أتدخل في قراراتهم وعليهم فعل الشيء نفسه، ألمانيا منحتني الكثير، الثقة بالنفس والاعتماد على قدراتي الذاتية، دون أن أتكل على أحد”.
الأشغال والوظائف:
القادم إلى أوروبا عليه أن يبدأ من الصفر في التعلم وفي إيجاد وظائف قد لا يراها مناسبة في بلاده، ولكنه مضطر للعمل بها، وخاصة أنه محكوم بقوانين تلك البلاد، ولا يستطيع أن يتجاوزها. والعمل في المقاهي أو المطاعم قد يكون أسهلها.
تقول السيدة “سماح عراوي”: “منذ حوالي ثلاث سنوات قدمت إلى السويد مع عائلتي، واجتزت فترة (الترسيخ) التي يجب أن يمر بها اللاجئ.، وحين ذهبت من أجل العمل، عرضوا علي أن أعمل بتجميع أوراق الأشجار من الحدائق والشواراع. استصعبت تلك الوظيفة، فهي غير مناسبة لي، وليست ضمن مجال دراستي في سوريا، ولا تتناسب مع وظيفتي أيضاً فقد كنت مديرة مدرسة ابتدائية. ولكن لم يكن لدي حل آخر، إذ عليٌ أن أندمج في هذه المجتمع، وأنسى كل تاريخي المهني في بلادي، وأبدأ من الصفر”.
تضيف: “بدأت في عملي الذي غالباً ما يكون في ظروف مناخية صعبة، أحبه الآن، واستطعت أن أُكون صداقات كثيرة وبدأت في نطق اللغة السويدية بطلاقة أكثر”.
وتختم قائلة: “في البداية كل شيء صعب، لكن مع الوقت تزول كل المعوقات.
وهناك العديد من السيدات اللواتي يعملن الآن إما في المطاعم أو في المعامل، وتلك أمور جديدة عليهن، ولكنها على حد قول من دخلن تلك التجربة أنها مفيدة لأنها تُسٌهل عليهن الاندماج سريعاً في المجتمعات الجديدة.
نتيجة وخلاصة:
بعد هذا الاستعراض السريع لتلك التجارب، والتي لا يمكن استنتاج مستخلصات نهائية أو أحكام على ما فعلته المجتمعات الجديدة بالسيدات السوريات. لكن المهم والمؤكد هو قدرتهن على الاندماج والعمل، والأهم هو معرفتهن لحقوقهن بعيداً عن رهاب المجتمعات الذكورية القائمة على أن الرجل هو الممسك بمفاتيح الحياة. قد يكون ثمن الغربة قاسياً، لكنه بالمطلق بداية جديدة وهي كأي امتحان يكرم فيه المرء أو يهان.
وتختلف التأثيرات الإيجابية أو السلبية على النساء في حال تم تقسيمهن حسب العمر، بين شابات ومتوسطات العمر أو اللواتي في مرحلة الشيخوخة، ونجد أن الغالبية الآن بين الشابات والمتوسطات عمرياً، تمثل نماذج ناجحة إلى حد كبير، قياساً بالمدة الزمنية أيضاً، فالمدة التي قضتها اللاجئات ليست كافية لحصد نتائج التغيير بشكل كبير.
One Response
إن مجتمعاً لا تسيره الذكوريه و إنما القوانين العادله من شأنه قلب موازين القوى بشكل كامل على الصعبد الفردي او الصعيد العائلي و يبدل الولاءات بشكل لا مرجوع عنه!