إعداد: مريم أ. ترور
ترجمة: د. إنعام شرف
في قلب الصراع وعلى الرغم من عدم إدراكها لذلك، في كثير من الأحيان، يمكن للمرأة أن تلعب دوراً نشطاً وفعالاً في عملية المصالحة الوطنية من خلال مشاركتها بشكل كامل في مفاوضات السلام. والسؤال الذي يطرح نفسه على هذا الصعيد: من أفضل من الزوجة أو الأم أو الأخت ليتم تكليفه بنشر رسالة السلام ورفع الوعي من أجل المصالحة الوطنية في بلد يعيش معاناة الخروج من أزمة الصراع أو الحرب؟
بشكل عام، ومما لا شك فيه، تلعب المرأة دوراً حاسماً في زرع بذور التسامح وتعزيز اللاعنف في مجتمعها، علماً أنها، في غالبية الأحيان، تكون هي أول ضحايا الأزمة التي قد تعصف بالبلاد. في مالي، مثلاً، لا تزال النساء بانتظار إشراكهنّ ومنحهنّ صوتاً في المفاوضات الهادفة لإحلال السلام بصورة نهائية هناك.
في حزيران/ يونيو من العام 2014، انطلقت في الجزائر وبوساطة جزائرية، المرحلة الأولى من المفاوضات الساعية لنشر السلام في مالي، وقد أفضت هذه المرحلة من المحادثات بين الماليين إلى وضع خارطة طريق توافقية تؤسس لمرحلة مفاوضات فعلية اتفقت جميع الأطراف على خوضها حتى النهاية. وبرئاسة “عبد الله ديوب”، وزير الشؤون الخارجية والتكامل الأفريقي والتعاون الدولي، التقى الوفد المالي المكون من خمسين شخصاً في العاصمة الجزائرية للبدء في هذه المحادثات، إلاّ أن المشكلة الوحيدة في هذا الوفد، كانت أنه لم يضم سوى سيدتين: رئيسة بلدية غوندام، السيدة “سيك أومو سال” ومنسقة العلاقات، حينها، في منظمة GREFFA غير الحكومية، السيدة “فطومة توري غاو”، التي تم انتخابها لاحقاً لشغل منصب الرئاسة في هذه المنظمة. وقد حضرت السيدتان بصفتهما خبيرتين وعضوتين في لجنة التمثيل السامي لرئيس الدولة في حوار السلام.
وفي مواجهة هذا التمثيل المتدني للنساء في مفاوضات السلام، قامت مجموعة من الناشطات في مالي بتشكيل تجمع نسوي لخوض حرب يطالبن من خلالها بوصول النساء إلى منصة المفاوضات وحصولهن على الحق المطلق بالمشاركة في الحوارات الدائرة بهذا الخصوص في الجزائر. ومن المعروف، أن النساء في مالي، ومنذ بداية الأزمة هناك، كنّ ناشطات بشكل فعال في مجال إدارة الأزمة والتنديد بالعنف الذي لحق بهنّ في جميع أنحاء البلاد. والجهد الذي بذلته المرأة المالية، سواء في الداخل أو في الخارج، لا يقل أبداً عن الجهد الذي بذله الرجال من أجل إحلال السلام والمصالحة وإعادة البناء في مالي.
الجندر والحد من نشوب الصراعات
بصفتها نائب رئيس شبكة النساء الأفريقيات، الوزراء والأعضاء في البرلمان، شاركت السيدة “مايغا سينا دامبا”، في تجمع النساء القادة الذي تم تشكيله للمطالبة بالمشاركة النسوية الفعالة والمطلقة في مفاوضات السلام التي انطلقت في مالي. تشرح “سينا دامبا” في إحدى المقابلات الصحفية، ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أهمية وخصوصية الدور الذي يمكن للمرأة أن تلعبه في وضع استراتيجيات الخروج من الأزمة، على الصعد المحلية والوطنية. وتؤكد أن المرأة، بصفتها زوجة وأماً وأختاً، تمتلك قدرة خاصة على تقديم النصح والمشورة، وكذلك إقناع الرجال والأطفال للذهاب في طريق المصالحة الوطنية وخوض مفاوضات السلام المحلية. ولهذا، لابد من مشاركة النساء، بجميع فئاتهنّ، في العملية السلمية، وذلك لتعزيز السلام الدائم والاستقرار، والنهوض الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
لا يوجد أي مبرر لإقصاء المرأة عن عمليات السلام، لا سيما أنها تتمتع بقدرة عالية على المشاركة الفعالة والكاملة في العملية. وتقول “سينا دامبا”: “من الصعب جداً إدارة الوضع في مرحلة ما بعد الأزمة، لكن المرأة وبشكل عفوي وطبيعي، تعطي لنفسها الحق في ممارسة هذا الدور”. ويجب أن لا ننسى أن علاقة المرأة بموضوع الحد من النزاعات وحلها وإدارتها، يشكل مركز الاهتمام اليوم، خاصةً بعد إنشاء برنامج الأمم المتحدة بشأن المرأة والسلام والأمن واعتماد القرار 1325 من مجلس الأمن، الذي يعد واحداً من الأدوات المهمة للمساواة بين الجنسين في حالات الصراع و ما بعد النزاع. ومنذ ذلك الحين، أكدت العديد من القرارات التي أصدرتها المحكمة العليا في الأمم المتحدة، على ضرورة تعزيز مشاركة المرأة في عملية السلام، وشددت على أهمية وضع حد للعنف الجنسي الذي يتم توظيفه كسلاح في الحرب. وعلى الرغم من هذه القرارات المبنية على الخطاب، إلاّ أنه علينا أن ندرك أنه بعد مرور قرابة خمسة عشر عاماً على اعتماد القرار 1325، فإن إدماج المنظور الجنساني في منع وإدارة وحل النزاعات، لا يزال يشكل تحدياً كبيراً في الدول التي تعاني من صراعات أو نزاعات.
والاعتراف بقدرة المرأة على لعب دور كبير في التحول الاجتماعي، يمكنها من المشاركة في وضع ديناميات جديدة تفيد في مكافحة الأسباب العميقة لنشوب الصراعات والحد منها. وبإمكان المرأة أن تدعم بشكل فعال الممارسات الهادفة لإحلال السلام على المدى البعيد والدائم. وأكدت “سيك أومو سال”، إحدى السيدتين المشاركتين في مفاوضات السلام المالية في الجزائر، أنها تمكنت مع زميلتها، من تمثيل النساء الماليات بشكل لامع في هذه المفاوضات. وقالت إنها تمكنت حتى من طرح البيان الصحفي الذي أعدته مجموعة من النسوة القادة في مالي أمام المجموعات المسلحة المختلفة المشاركة في مفاوضات الجزائر، والذي يحث على وضع حد للعنف الدائر في البلاد ووقف العمليات العسكرية بمختلف أشكالها. أما رئيسة بلدية غوندام، فقد قدرت بدورها أن النساء والأطفال كان لهم وزن كبير خلال الصراع، خاصةً في كيدال، ولا سيما بعدما قامت هذه الفئات بعدة مظاهرات للتنديد بزيارة السلطات لهذا الجزء من دولة مالي.
بالنتيجة، يجب على الحكومات إعطاء مكانة بارزة للمرأة ومهمات واضحة المعالم في مفاوضات السلام، الأمر يتعلق هنا وبصورة أساسية، بلعب دور الوسيط الذي يمثل محور عملية السلام. وترى رئيسة بلدية غوندام بأنه لا يوجد من هو أفضل من المرأة ليلعب دور الوسيط، لا سيما أنها وبطبيعتها وتركيبتها الفيزيولوجية تلعب هذا الدور طوال فترة حياتها، سواء كانت أماً، أختاً أو زوجة. من أفضل من المرأة في استرضاء الأرواح والتشجيع على لمّ الشمل والانتظار؟ وبحسب السيدة “سيك أومو سال”، لم يعد لدى المرأة أي شيء لتبرهن عليه أو تخسره، خاصةً أنها فقدت أحد أفراد عائلتها، زوجها أو طفلها أو أخاها في الصراع. لقد اجتمعت هذه النسوة من أجل المصالحة وتعزيز الوفاق الوطني والسلام. وتشرح “أومو سال”، بعد الانتهاء من المحادثات الحكومية التي شاركت فيها، أن على النساء اتخاذ المبادرات، والمضي قدماً، خصوصاً لمنع نشوب الصراعات، والحد من تفاقمها. تحقيقاً لهذه الغاية، توصي اللجنة بأن تعمل النساء جنباً إلى جنب مع الرجال، وهذا لم يضع فقط قيمة النتائج التي تم التوصل إليها وإنما أيضاً ساهم بتسليط الضوء على أهمية وضرورة مشاركة المرأة في محادثات السلام في أي دولة تعاني أو خارجة من أزمة الصراع.
وتضيف “سيك أومو سال”، “من الضروري جداً ترجمة هذا الخطاب وهذه النتائج على أرض الواقع ومنح المرأة دوراً ومسؤوليات حقيقية وذات طابع خاص يتناسب مع قدراتها في العمل من أجل السلام والمتابعة الدورية لهذا العمل”.
وخلال لقائهنّ، سواء مع الممثل الأعلى لرئيس الدولة في الحوار، السيد “موديبو كيتا”، أو مع رئيس الوزراء “موسى مارا”، تم إيصال رسالة واضحة للنساء، مفادها أنه إذا كان المقصود من المرحلة الأولى في التفاوض الاحتفال بالخطوط العريضة للتفاوض، فإن المرحلة الثانية التي تلوح في الأفق سوف تقود إلى مناقشة القضايا الموضوعية الملحّة، وأن المرحلة الثالثة سيتم تكريسها لاستكمال العمل لتوفير السلام والاستقرار في البلاد.
وقد أوضح رئيس الحكومة في مالي، أنه خلال المرحلتين الأخيرتين، ستكون جميع فئات الشعب ممثلةً، وسوف تشارك بشكل فعال في المفاوضات. لكنه يتابع قائلاً، “إن مشاركة النساء في المحادثات، لا تعني وجودهنّ بالضرورة على طاولة المفاوضات”. وبحسب “موسى مارا”، فإن المهمة الحقيقية والضخمة لا تزال على الطريق، فإبرام الاتفاقيات شيء، أما تنفيذها فهو شيء آخر. وهنا تحديداً يأتي دور النساء لا سيما في المساهمة في رفع مستوى الوعي لدى جميع الأطراف بأهمية وضع حد لهذا العنف، والعمل على الإبقاء على السلام والاستقرار في البلاد. ويؤكد رئيس الحكومة، أن المفاوضات ستسفر عن مالي جديدة تنعم بالسلام والأمن، وسيكون هناك الكثير من التغيرات والتحولات التي ستتطلب بالتأكيد مشاركة النساء بصورة نشطة وفعالة من أجل دعم وتعزيز الأمن والاستقرار والمحافظة عليه في المرحلة القادمة.
تجدون المقالة الأصلية على الرابط التالي: