خولة دنيا
اعتادت السوريات في كل لقاء سياسي، أو تجمع سياسي جديد، على تداول وضع المرأة السورية: تواجدها- نسبة تمثيلها – ومدى تمثيلها للسوريات على أرض الواقع.
تبدو هذه القضية ثانوية في طريقة تداولها، لكنها تعكس الشرخ الكبير بين حضور المرأة السورية في الثورة وفي الواقع المؤلم بكل تجلياته، وبين إدراك مدى أهمية تواجدها ومساهمتها في تقرير مصير بلدها، إن كان في الواقع الحالي أم في المستقبل.
من المفيد في هكذا موضوع التطرق إلى نقطتين في غاية الأهمية عند التحدث عن مشاركة النساء،
تتعلق الأولى منهما بنوع المشاركة النسائية، إذ يتم قصر دور النساء على المواضيع المتعلقة بهن وبالأطفال على وجه التحديد، وكأن النساء لا يمكن أن يكنّ سياسيات بجدارة، وإنما يتم الاستعانة بهن في جوانب يعتبرن أكثر قدرة على تمثيلها والتعبير عنها.
لقد برزت هذه المشكلة قبل الثورة السورية، وتمَّ تكريسها في كثير من التشكيلات السياسية المعارضة التي ظهرت خلال الثورة، فكان عدد النساء المشاركات وكذلك نوعية مشاركتهن لافتاً للنظر حد الفجاجة، وهو ما أظهر مقدار الدونية والتخلف التي ترافق النظرة الاجتماعية للمرأة في مجتمعاتنا، ومقدار قصور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني السوري، التي تراجعت بشكل لافت خلال الخمسين سنة الماضية من الحياة السياسية السورية.
من المضحك المبكي في آن معاً، أن تأتي مشاركة النساء بضغوط غربية على التشكيلات السياسية، أو بهدف إظهار طابع حضاري تفتقده معظم هذه التشكيلات، فيتم تدارك مشاركة النساء في اللحظات الأخيرة عند التشكيلات التي يهمها المظهر الذي ستبدو عليه أمام الآخر (الغربي)، بينما يتم التغاضي عن نسبة حضور النساء ومدى قدرتهن على تمثيل السوريات تمثيلاً حقيقياً وفعلياً. كما يتم الالتفاف على نوع التمثيل، فيقصر على القضايا التي تتعلق بالمرأة والطفل، دون إشراك حقيقي لها في القضايا السياسية البحتة التي يعتقدون أن الرجال أكثر قدرة على الخوض فيها.
وفي حين أن بعض التشكيلات النسائية التي ظهرت خلال الثورة، وضعت على عاتقها مهمة زيادة المشاركة السياسية للمرأة، لكنها لم تعمل بما يكفي لتكون هذه المشاركة حقيقية وفي صلب السياسة وليس في قضايا نسوية خالصة. وهو ما يجب أن تلتفت إليه هذه التشكيلات وتعمل على تحقيقه والدفع باتجاهه، إن من خلال إظهار الأصوات السياسية النسائية، أو من خلال حملات الضغط والعلاقات الدبلوماسية التي قد تسهم في نوعية التمثيل وحجمه.
أما النقطة الثانية فتتعلق بحجم المشاركة النسائية ومقدار تمثيلها لتطلعات السوريات، فقد وضعت بعض التشكيلات النسائية على عاتقها هدف زيادة نسبة التمثيل للنساء في التشكيلات السياسية التي ظهرت بعد الثورة، حيث تمَّ تداول نسبة 30% لتمثيل نسائي في كل من الائتلاف السوري المعارض، أو في مفاوضات الحل المنعقدة في جنيف. والمؤسف أن الواقع لا يقارب هذه النسبة حتى من بعيد.
وإن كنا هنا نتحدث عن مستويات عليا في التمثيل السياسي للمرأة، غير أنه يتم إهمال القاعدة الأهم، المسؤولة أولاً وأخيراً عن تمثيل النساء في المستويات العليا. والمقصود بالقاعدة هنا كل ما يتعلق بالمنظمات والمجالس والتشكيلات المحلية التي تعنى بالحياة اليومية للسوريين. فقد أظهرت النساء أدواراً مهمة ومتميزة على كافة الصعد، إن في الداخل السوري أو في مخيمات اللجوء. غير أن هذه الأدوار لم تنعكس على مراكز صنع القرار المحلية، بالتالي لم نر نتائجها على صعد التمثيل الأعلى في الأحزاب أو التشكيلات السياسية المعبّرة عن تطلعات السوريين، التي ستضطلع بدور التفاوض والمرحلة الانتقالية، وبالتالي سياسات البلد وشكل حكمه المستقبلي. فهل يمكن اعتبار هذه الحفنة الصغيرة من الأسماء لسوريات نجحن في الوصول إلى مراكز صنع القرار كافية لإيصال صوت وموقف ورأي السوريات على الأرض؟ وهل تمثيلهن كافٍ بالنسبة للسوريات، أم أنه تمثيل وهمي لا يعكس الموقف منهن أو من القضايا التي يطرحنها باعتبارها قضايا السوريات التي تحتاج لمعالجة للوصول إلى إنصافهن في محنتهن.
في هذه المسألة على وجه الخصوص يظهر الفشل الكبير في عمل المنظمات النسوية والتشكيلات السياسية كذلك. فمن المجدي التوجه إلى المستويات الأقل للوصول إلى تمثيل أكبر على المستويات الأعلى، وهو ما لا يمكن أن يتم دون التوجه إلى التدريب والتأهيل للنساء على الأرض من جهة، وكذلك إشراك المجتمع بكافة فئاته في مثل هكذا تدريب يمكن أن يجعل من مشاركة النساء واقعاً ملموساً ومقبولاً اجتماعياً وسياسياً. فكيف لنا أن نرى نساء مفاوضات إن لم نرهن قبل ذلك على مستوى المجالس والمنظمات المحلية؟
وكيف للنساء اللواتي وصلن إلى مراكز صنع القرار أن يكن ممثلات حقيقيات لنساء سوريا، إن لم يكن بالأصل بلغن هذه المواقع من خلال أدوار قمن بها بالتدريج من الأرض باتجاه تواجد أكثر تمثيلاً للنساء الأخريات وأكثر تقبلاً منهن؟
وفي جزئية التمثيل الحقيقي وعلاقته بالأرض، سوف نجد الاعتراضات تطال الجميع، رجالاً ونساءً، وقد يكون من السهل تفهّم الاعتراضات على تمثيل الرجال، باعتبار أن الواقع مليء بالتناقضات والاختلافات، وعدم وجود جهة مركزية واحدة يمكن أن ترشح من ينوب عنها، وكذلك استمرار الحرب والصراعات المحلية والتوزع العسكري والمدني والتشرذم على صعيد القوى الفاعلة، أو رفض البعض منها للعمل السياسي المباشر بكل أشكاله.
أما على صعيد مشاركة النساء، فالأمور أكثر تعقيداً وصعوبة، إذ لا يكفي هنا الحديث عن التهميش والإقصاء في أدنى المستويات الفاعلة على الأرض، كما لا يكفي الحديث عن ضغوط متزايدة تساهم في انكفاء المرأة ودفعها باتجاه التخلي حتى عن أدوارها النمطية، الحديث يتشعب هنا ليصل إلى إقصاء منظم من جهات لا تستخدم خطاب الإقصاء إلا بشكل مبطن، وهي الجهات التي يمكن الضغط عليها لمزيد من المكاسب لصالح النساء.
نحن اليوم أمام خسارات مضاعفة على صعيد حقوق المرأة، وهو ما يلقي على عاتقنا مهام مضاعفة يجب العمل عليها بكل مستوياتها من الأدنى إلى الأعلى، مع مرور أفقي على الأدوار التي تقوم بها النساء، والعمل على تكريس حضورهن كسياسيات ومفاوضات ومؤثرات على نصف المجتمع السوري، وهو ما لا يمكن أن يقوم به الرجال الآن ولا في المستقبل.
One Response
احترم ما كتبتيه عزيزتي خولة . اتسمت مقالتك بدقة العرض لواقع النساء السوريات في المواقع السياسية لتمثلهن ادوراهن الحقيقية . ولعلي اعتقد انه يمكن اضافة ان جزءا من الوضع نتحمله نحن كنساء بتخلينا عن مواقعنا السياسية ونضالنا لنكون ضمن التحالفات والتمثيلات السياسية بفرض انفسنا كسياسيات وليس كممثلات لنشاط نسوي لتمكين سياسي للنساء او لقرار جندري ملزم بنسبة 30% تمثيل نسوي في المواقع السياسية.
مودتي