هند مجلي
مفهوم الجندر
يعتبر مفهوم النوع الاجتماعي “GENDER” من المفاهيم الجديدة في ساحة العلوم الاجتماعية، خاصة التي تهتم وتركز على تنمية المرأة مثل علم الاجتماع التنموي، المرأة والتنمية، وعلم الدراسات النسوية. إن المعنى اللغوي لكلمة “النوع الاجتماعي” مرتبط بالتحديد بالجنس من ذكر أو أنثى، وما يحتويه من مفاهيم وممارسات التفرقة وعدم المساواة بين الجنسين، لذلك يهدف الاهتمام بموضوع “النوع الاجتماعي” أساساً لإزالة هذه الفجوة وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وينصب الاهتمام الآن على توضيح مفهوم النوع الاجتماعي ومحاولة إدماجه ضمن الأنشطة والبرامج التعليمية والتدريبية على جمع المستويات.
دلت الدراسات والبحوث على أن إقصاء المرأة عن الإسهام بدور اجتماعي مماثل للرجل في تنمية المجتمع وتقدمه يؤثر سلباً على المرأة كنصف المجتمع الإنساني وكذلك على مستوى نجاح خطط التنمية. فالأخذ بمرجعية الجندر في التعامل مع حقوق الجنسين يسهم في تجاوز إشكالية التنمية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية المتمثلة في إقصاء المرأة بشكل غالب وفي هذا الإطار يؤكد تقرير التنمية الإنسانية العربية أن التنمية التي لا تسهم فيها النساء أو تستفيد منها هي تنمية خطرة وغير مجدية. ومن خلال دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي، كمحاولة لتحليل الأدوار والمسؤوليات والمعوقات لكل من الرجل والمرأة برز مفهوم الجندر.
الأدوار الجندرية
في الإنجاب:
إن الأدوار الجندرية هي الأدوار التي يقوم بها الرجال والنساء حسب ما حدده المجتمع مسبقاً للأنثى والذكر. وغالباً ما ترتبط هذه الأدوار بمجموعة من السلوكيات التي تعبر عن القيم السائدة في هذا المجتمع، وتحدد مدى إجادة كل من الجنسين القيام بالدور المنوط به ودرجة قبول المجتمع له، وهي أدوار مرتبطة بتوقعات المجتمع من الفرد وترتبط بكل دور من هذه الأدوار مجموعة من السلوكيات تعبر عن القيم السائدة في مجتمعاتنا. ويؤكد أصحاب اتجاه الجندر أن الفروق القائمة اليوم بين النساء والرجال، نفسياً وفيزيولوجياً، مرهونة كلياً بالمجتمع باستثناء وحيد هو تلك الفروق البيولوجية المرتبطة بوظيفة الحمل والإنجاب، أي الفرق التشريحي في الأعضاء الجنسية، والفروق الهرمونية والجينية. وكل شيء مشتق من ذلك هو نتيجة لتقسيم اجتماعي للعمل تم وفق أساس الجندر نتيجة سيادة الرجال على النساء في مجتمعاتنا. هذه العلاقات الاجتماعية الجندرية (الجنسانية) يعاد إنتاجها في عملية الاجتماع الإنساني باستمرار. ويرى غالبية علماء الاجتماع “أن الفصل بين البعد البيولوجي والأبعاد الثقافية الاجتماعية قريب من المستحيل عدا ما يخص الإنجاب، نتيجة ما يوجد من تفاعل وترابط بين الأبعاد البيولوجية والاجتماعية والثقافية، وإن مجمل الفروق بين (الرجل) و(المرأة) يعود معظمها لواقعٍ اجتماعي معقد، يفرض بقراءاته المسبقة على الكائن البيولوجي الذي يتحول ثقافياً إلى (رجلٍ) أو (امرأة)”.
في الإنتاج والسياسة
إن ما يسمى طبيعة (أنثوية) و(ذكورية) كانت وما تزال تخدم لإضفاء الشرعية على استمرار سيادة الرجال على النساء وتتخذ ذريعة لتوزيع العمل تبعاً للجنس، وهذا يعني مسؤولية النساء وحدهن فيما يخص العمل في حقل إعادة الإنتاج وحصرهن في أعمال نسوية الطابع في حقل الإنتاج الاجتماعي، تأخذ أشكالاً أنثوية الطابع وسيئة الأجر وفي النهاية الدنيا من التراتب، وتتخذ من ناحية أخرى ذريعةً لتحرر الرجال من العمل في مجال إعادة الإنتاج ولدمجهم تماماً في عملية الإنتاج بأجرٍ أفضل وفي مرتبةٍ أعلى من مرتبة النساء، فمناطق العمل عامة هي مساحة لامتيازات الرجال وعدم المساواة مع النساء، ولذلك فإنها تمثل منطقة كبيرة للرجال للمشاركة في دعم مساواة الجندر. وعلى الرغم من ذلك فإن كثيراً من الرجال يستفيدون من عدم المساواة في الجندر في أماكن العمل، مما يدفعهم للدفاع عنها، فأماكن العمل هي المناطق التي تبنى فيها الذكورة وتعزز، وإن تشكيل الرجل في العالم كله له علاقة بالعمل، ففي مجتمعات تكاد تخضع على الإطلاق لهيمنة الرجال وتسود فيها الموروثات الثقافية والدينية التي لا تسمح للمرأة بالخروج إلى الحياة العامة إلا في حدود ضيقة، تبقى مشاركة المرأة في الحياة العامة، بصورة فعالة، مشاركة محدودة، حيث يتم تحجيم دور المرأة استناداً إلى منظومات العادات والتقاليد السائدة. ويؤثر الوضع السياسي والسلطة الاقتصادية والطبقة الاجتماعية على الجندر، ويتطور دور الجندر على مر الزمن ويختلف بين بيئة اجتماعية اقتصادية وأخرى. وفي ظل متغيرات كهذه، تشهد المجتمعات العربية تمييزاً وعدم تكافؤ ومساواة في أداء الأدوار الاجتماعية بين الرجل والمرأة، مما يقصي المرأة ويحصرها في مجال محدود من الأدوار الاجتماعية مقارنة بالكثير المتاح للرجل. وتكمن المهمة في التحليل وفي التعامل بشكل فعال مع التراتبية المخفية وغير الصريحة لأدوار السلطة، والتي غالباً ما تحكم على النساء بأن يكن مواطنات من الدرجة الثانية، وتوكل للرجال أدواراً تميل إلى الاستبداد. فالمرأة في الثقافة الاجتماعية للمجتمعات العربية القامعة لحقوق المرأة هي إنسان من الدرجة الثانية، سواء كان ذلك في العائلة أو في الحياة عموماً، ويكون التحدي في بناء مجتمعات تسمح للنساء والرجال أن يحققوا طاقاتهم البشرية كاملة ويشاركوا بالتساوي في تنمية مجتمعاتهم وتشاطر ثروتها ومنافعها على أساس التكافؤ. ولا يركز استخدام الجندر على النساء كمجموعة مغلقة، وإنما يركز على علاقات وأدوار واحتياجات كل من المرأة والرجل، ومشاركة الطرفين لتحقيق التغييرات المطلوبة، وعلى رأسها تحقيق التنمية. ويُعنى الدور المجتمعي بتوفير الموارد النادرة، وتنظيم استخدامها من قبل المجتمع، بالإضافة إلى تقديم الخدمات التي تساعد المجتمع البشري على البقاء والتطور، ويقوم بهذا الدور الرجال والنساء، ويعتمد توزيعه ما بين الجنسين على المفاهيم المجتمعية والثقافة المجتمعية السائدة في مجتمع ما. أما سياسياً، فتبدأ عملية اتخاذ القرار داخل الأسرة، وتمتد لتصل إلي النقابة أو المجلس البلدي وحتى المجالس التشريعية. وعادة ما ينظر إاى هذا الدور، والذي له ارتباط وثيق بالمركز والسلطة، على أنه دور خاص بالرجال بالرغم من اقتحام النساء لهذا الفضاء.
المساواة حسب النوع الاجتماعي
دفعت أهمية دور المرأة في التنمية إلى ضرورة النهوض بمفهوم النوع الاجتماعي وإدماجه في الساحات العلمية، فبدأت الحركات النسوية الاهتمام بمعالجة مشكلة تهميش دور ومشاركة المرأة في التنمية مع الرجل، وبدأت تطالب بحقوق المرأة ومساواتها بصورة مختلفة هذه المرة، وذلك عبر طرح مفهوم الجندر، والذي يؤكد أصحابه أن الفروق القائمة اليوم بين النساء والرجال، نفسياً وفيزيولوجياً، مرهونة كلياً بالمجتمع (باستثناء وحيد هو الفروق البيولوجية المرتبطة بوظيفة الحمل والإنجاب)! ومن هنا تناولت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مسألة الأدوار الجندرية في المجتمع، فأكدت ديباجتها بأن التنمية التامة والكاملة لأي بلد ورفاهية العالم، وقضية السلم، تتطلب مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل، أقصى مشاركة ممكنة في جميع الميادين، وأكدت أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة، إلى جانب إتاحة فرص أكثر عدلاً للمرأة، وتمكينها من الحصول على حقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، والمناصب الإدارية والاقتصادية، ليكون لذلك أبلغ الأثر في تنميتها البشرية. “فالاستثمار في قدرات المرأة وتمكينها من ممارسة خياراتها هو أضمن طريق للإسهام في النمو الاقتصادي والتنمية عامة”. واعتبرت أن دور المرأة في الإنجاب لا يجوز أن يكون أساساً للتمييز، بل إن تنشئة الأطفال تتطلب بدلاً من ذلك تقاسم المسؤولية بين الرجل والمرأة والمجتمع ككل.
لا يزال هناك الكثير لمواصلة الجهود بما يجعل المرأة شريكاً كاملاً وفاعلاً أساسياً في التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، واعتبارها عاملاً أساسياً في التنمية البشرية المستدامة كمنتجة ومستفيدة. فقد أثبتت شواهد تعيشها مجتمعات يقل فيها التمييز في الأدوار الاجتماعية بين الرجل والمرأة، أنه بإمكان المرأة لو هيئت مجتمعياً، ذهنياً، ثقافياً وتدريبياً أن تتصدى لأدوار عديدة بالمهارة والحنكة اللازمين. ويقع على عاتق المجتمع المدني كمنظمات غير حكومية والمنطمات الحكومية والأممية دور أساسي في معالجة قضايا المرأة، سواء كان عن طريق استصدار القوانين أو عن طريق عقد المؤتمرات والمنابر المتخصصة، التي تدعو إلى ضرورة تشارك المرأة مشاركة متساوية وعادلة مع الرجل لزيادة النمو الاقتصادي وإحداث التنمية المستدامة ودفع عملية التغيير الاجتماعي والثقافي.