عبد الغفار العوضي*
(1)
حين خرج طفلٌ مذهولاً من الحرب، بساق واحدة .
لا تستطيع حمل ما بقى من بيته المتهدم ،
مرفوعاً على كتفه … وكان ينظر إلى الفراغ …
كان فى الحقيقة ينتظر بزوغ شئء ما من رحم الغابة الممتلئة باللامعنى …
أن تنشق صخرة الحياد عن ماء يغسل دماً طازجاً قبل أن تجرفه الذاكرة ، مع بقايا جثث الأشجار والرصاص المجعد والنهار الذى يمضغه دخان أزرق … والسماء التى تغور فى اللاوعي كفكرة عتيقة عن النجاة المجانية …
قبل أن تتحول الأرضُ كلها لفخاخٍ
ولا ينجو طفلٌ ؛
خرج من الغبار على هيئةِ وردةٍ من الاحتمالات …
……/
كان ينتظر أن يخرج اللهُ على هيئة طيرٍ أو غيمةٍ … أو شجرةٍ … أو أى هيئةٍ أخرى، تفهم تلك العلاقةَ الحميمة بين اللحم واللحم …
حتى يستطيع البكاءَ.
وحده اللهُ ما يمنح للبكاء جدوى
البكاء آلية لتدمير كراهية العالم لنفسه
البكاء فعل مضاد للوحشية
ولكنه سيكون فارغاً وخاوياً من الدلالة
لم لو توجد قوةٌ خارج سياق الحرب نفسها
لتكون سلطةً مضادة …
دائما يكون البكاء،
فأساً تنغرس فى بطن الفراغ
دون أن يسيل حبرٌ
أو لبنٌ متخثر لأم جائعة للعودة إلى البيت،
أو قافلةٌ تتهجى أسماءَ الريح …
….
البكاء ..مجرد كلمة فقط
ليس لها إحالة معرفية خارج نسق القصيدة؛
كعضوٍ مبتور!
(2)
تحتاج الحربُ لإله …
(الحربُ هى الكلمة المجازية للفقدان الأعمى … للخسارة دون مبرر عقلانىٍ … للإيمان بقدرة النرد على خلق مسارات متعددة لموت واحد … تكون الحرب مقدمة لتشيئ البشر، لمسخهم … لإعادة إنتاجهم كذوات فاشلة فى الهوية … الحرب هى أن تبقى جثة الإنسان معلقة على خيط التسامح الواهن … دون أدنى فرصة لدفنه …)
فى لاوعى اللغة نفرق بين الله وبين الآلهة،
أن تكون مرجعية الخير المطلق لله، والشر االمطلق للشيطان،
كيف تنجو اللغة من فخ ذاتها
كانت فكرة اختراع الشيطان كآلية توراتية ( غالباً موروثة من حضارات أخرى اتخذت فيها الحربُ عقلانية ما … تسعى لإعادة توزيع الثروة … واحتكار المعرفة الكلية والمقدسة للحياة … هنا بدأ التجذير لفكرة التناقض بين الخير والشر … بعيداً عن أن تكون انعكاساً مباشراً للسلطة وتحكمها فى حفريات الوعى)
تحتاج التوراةُ لله منزهاً عن الخطيئة
إلهاً بريئاً من الجرائم ومن الفوضى ومن العبث
إلهاً مذكراً ليوارى هشاشةَ الأنثى، وحضورها فقط كانعكاس مرآوى لشهوة عابرة … تطفئ غريزة الحضارة الذكورية لتكرار نفسها عبر سلالات لانهائية …
هل كان الشيطان إلهاً ولكن ضمن لغة أخرى تمنحه سلطةً فوقية
كيف يمكن التخلصُ من تناقضات الحرب والصراع الطبقى والشعور بالانسحاق
دون اختراع آلهة تتحمل عبءَ الوجود!
*شاعر مصري
اللوحة للفنانة: نوار حيدر