هالة الحسن
تعتبر حقوق المرأة منذ زمن طويل وإلى مستقبل غير معلوم، من المحظورات أو المنسيّات في أفضل الأحوال اجتماعياً وقانونياً، ويعود ذلك إلى سيطرة القيم السائدة التي تستمد قوتها من ذهنية ذكورية قامت على صياغتها مع غالبية التشريعات والقوانين.
من تلك الحقوق المهدورة، قضية البطاقة العائلية، لا سيما في حالة الحرب التي تعيشها سوريا، والتي تتحمل المرأة العبء الأكبر فيها. فالبطاقة العائلية تعرض النساء لتجربة شديدة القسوة، سواء تلك التي طُلقت، أو تلك التي لم تتزوج أبداً لظروف خاصة، أو ربما تلك التي ارتضت أن تكون زوجة ثانية منقوصة الحقوق، والسبب في ذلك أن هذه البطاقة خاصّة بالذكور من العائلة فقط.
وحين يموت الأبوان تموت البطاقة العائلية معهما ويحرم من بقي من الأبناء (ذكوراً وإناثاً) ما فوق السن القانونية من امتيازاتها، وكذلك المرأة المطلّقة خصوصاً تلك التي تحتضن أطفالها. فتلك البطاقة ملكية خاصة بالرجل، الذي غالباً ما يستخدمها ضد زوجته وأم أطفاله، التي ستحتاجها حكماً، من أجل معاملات خاصة بالأبناء سواء في مجال التعليم أو الصحة أو غيرها. لذا، يستعملها غالبية الأزواج للضغط على الأم ومحاولة إذلالها حين حاجتها لها.
وتزداد حاجة المرأة إلى هذه البطاقة حين قررت الحكومة السورية، ومنذ ما قبل الحرب وحتى يومنا هذا، اعتمادها كمستند أساسي في توزيع مواد مدعومة كالمازوت والغاز المنزلي والسكر.
ومما رفع من حدّة هذه المشكلة أن المساعدات العينية والمالية المُقدّمة سواء من الهيئات الحكومية أو غير الحكومية تعتمد البطاقة العائلية أيضاً، ما حرم نساء كثيرات وأسرهن من حقهم في تلك المساعدات أو المواد المقننة من الحكومة.
والمعاناة الأكبر تخص النساء اللاتي يحملن منفردات مسؤولية أطفال في ظل حرب لم تبق على شيء، خصوصاً أن الأب غالباً ما يتخلّى عن مسؤولياته تجاه أبنائه مادياً ومعنوياً، وهو يعلم أنه لا أحد سيحاسبه، لأن القوانين تحميه ولا تفرض عليه نفقة إلاّ بمقدار ما يسمح به وضعه المادي. وهكذا تعيش المرأة وأولادها على الفتات التي يجود بها الزوج من نفقة الأولاد، لا يكفي سد رمقهم في أفضل الحالات، لتأتي الحكومة في هذه الظروف المريرة فتُضيف عليها أعباء جديدة لا يمكنها تحمّلها بحكم أنها لا تملك بطاقة عائلية.
ومن النساء التي تعاني من عدم امتلاكها بطاقة عائلية المدرسة أم عماد، وهي مطلقة ومعها ولدين، حيث تعيش في منزل يزداد إيجاره مع نهاية كل عقد. وفي حال وتمكّنت من الحصول على مادة المازوت في الشتاء فهو بسعر السوق السوداء، مثله مثل باقي الأشياء، فقط، وكل ذلك لأنها لا تملك البطاقة العائلية.
أمّا الأرملة سناء التي لم يتجاوز عمرها الـ25 سنة وأم لثلاثة أطفال، فقد نزحت من إحدى قرى ريف دمشق بعد أن قُتل زوجها، ولم تتمكن من العودة إلى هناك. وهي تعاني الكثير للحصول علــى مستحقاتها من المعونات، وإن حصـــلت عليها فسيكون ذلك بالواسطة أو مساعدة أهل الخير، ناهيك عن المازوت وسواه، وكل ذلك لأنها لا تحمل هذه البطاقة.
أما المرأة التي لم تتزوج ووصلت إلى سن الكهولة، فتحرم من البطاقة العائلية التي تذهب إلى الحكومة بعد وفاة والديها، مثل ليلى التي تجاوزت السبعين من عمرها، ولا يكاد راتبها الضئيل يؤمّن لها الدواء والقليل من ضروريات البقاء على قيد الحياة. ولا يمكنها في أي حال الحصول على مازوت للتدفئة، ولا حتى من السوق السوداء، ما يكبّدها أدوية إضافية نتيجة البرد.
في النهاية نتساءل إلى متى ستبقى المرأة، سواء كانت معيلة لنفسها أم لأطفالها ناقصة الأهلية، حيث لا يتم الاعترف بحقوقها مثلها مثل باقي شرائح المجتمع؟ أم أنه محكوم على أولئك النسوة الحرمان من حقوقهن والبقاء خارج إطار المواطنة كما حكم عليهنَّ المجتمع بخروجهن من مظلة الحماية الاجتماعية بعد استقلالهنّ عن الرجل وكأنه يعاقبهن على ذلك.