هديل عرجة
“الأحياء الأموات منسيون في خضم هذه الحرب الشرسة، هم يتمنون الموت قصفاً بالبراميل أمام العذاب خلف قضبان السجون” بهذه الجملة اختصرت نائلة العباسي حال المعتقلين في سجون الأسد خلال مشاركتها في أحد المؤتمرات التي أقامتها مؤخراً منظمة العفو الدولية في إيطاليا.
فالمنظمة اختارت لهذا العام قضية أختها رانيا العباسي وزوج أختها وأطفالهما الستة لطرحها دولياً والمطالبة بالإفراج عنهم بعد عامين من الاعتقال في سجون نظام الأسد، وخاصة أنه قد زجّ بالأطفال أيضاً داخل تلك السجون وهم ديما وانتصار ونجاح وآلاء وأحمد وليان، وتتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات و15 سنة.
نائلة المقيمة في السعودية كانت قد تواصلت مع مديرة الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية وقاموا بحملات مختلفة للتعريف بقضية رانيا العباسي الطبيبة السورية والبطلة السابقة في الشطرنج “أعرف أنه مجرد كلام ولم يكن هذا هدفي بعقد مؤتمرات في الخارج” تقول نائلة لـ “هافينغتون بوست عربي””.
الأب والرضيعة في عداد الموتى!
الأخبار التي وصلت عن رانيا لعائلتها “شحيحة” كما وصفتها نائلة موضحة “أملنا الوحيد أن نلتقي بأشخاص معتقلين أفرج عنهم، منهم طبيبة تواصلت معنا وأخبرتنا أن العناصر التي اعتقلتها قالوا لها أنها ليست الطبيبة الوحيدة هنا بل هناك طبيبة أخرى اسمها رانيا وأوضحت أنها كانت تسمع أصوات أطفال في الزنزانة القريبة منها”.
الخبر الثاني الذي تلقته نائلة كان صعباً جداً وهو بعد تسرّب صور من أحد سجون النظام لسجناء ماتوا تعذيباً وجوعاً تبين معهم أن زوج رانيا هو أحدهم، تقول نائلة” لدي يقين 70 % أن زوج رانيا من ضمنهم”.
وأضافت “الخبر السيء الأخير الذي وصلنا أن ابنة أختي الرضيعة أيضاً قد توفيت لكن يبقى لدينا أمل أن يكون الخبر خاطئا”.
خدمة إنسانية تحوّلت لكارثة
رانيا العباسي وهي طبيبة أسنان لم تكن تتوقع يوماً أنّ خدمة إنسانية يقوم بها زوجها عبد الرحمن “تتحوّل لكارثة” تقول الشقيقة: “زوج أختي قدّم مساعدة مادية لشاب نزح ووالدته من حمص إلى دمشق بعد أن خسر هذا الشاب دراسته ومنزله وكان بأمس الحاجة”.
الشاب القادم من حمص اختفى فترة قصيرة ليعود مضرجاً بالدماء رفقة عناصر من الأمن وهو يشير إلى منزل طبيبة الأسنان وينادي زوجها عبد الرحمن، تقول نائلة “اكتشفنا أن ضيق الحال بالشاب دفعه للانضمام إلى صفوف الجيش الحر وبعدها وقع أسيراً بيد النظام، وتحت التعذيب ذكر أسماء كثيرة من ضمنها اسم عبد الرحمن الذي مدّ له يد المساعدة المادية”.
لم يكن يوم اعتقال عبد الرحمن في آذار/ مارس 2013 سهلاً على رانيا التي عاشت رعباً كبيراً، فعناصر الأمن فتشوا المنزل وسلبوها أجهزة التلفونات فاختارت قضاء تلك الليلة عند إحدى صديقاتها.
اعتقال الأم وأطفالها
يومان فقط فصلا بين اعتقال الزوج واعتقال بقية أفراد أسرته حيث اقتحمت عناصر الأمن منزلهم مجدداً “كانوا بين 15 إلى 20 عنصراً، اعتقلوا رانيا وأطفالها الستة وسكرتيرة رانيا التي صادف وجودها في المنزل”.
“عشنا قلقاً كبيراً اختفت رانيا ولم نعرف أين هي” تضيف نائلة “طلبنا من أحد أقربائنا زيارة المنزل ولكن لا مجيب، وصلنا الخبر أخيراً بعد أسبوع من إحدى صديقاتها التي وضبت حقائبها فور اعتقال رانيا من هول ما شهدته وهربت إلى مصر واتصلت بنا وروت لنا تفاصيل الاعتقال موضحة أن عدداً من رجال الأمن كانوا ممن تعالجهم رانيا ومنهم من يقف على أحد الحواجز الأمنية القريبة من منزلها”.
وأوضحت أن عناصر الأمن “أجبروا رانيا على توقيع التنازل على كل ممتلكاتها، وسرقوا كل ما تملك من ذهب ووثائق رسمية وسيارات”.
أمي هي الألم الحقيقي
الطبيبة المعتقلة هي جزء من عائلة مكونة من 9 إخوة وأخوات، الوالد سبق له أن اعتقل لمدة 13 عاماً عندما كانت سوريا تحت حكم حافظ الأسد والتهمة “مثقف” كما توضح نائلة مضيفة “أمي بذلت كل جهدها لنكبر دون مساعدة أحد جعلتنا أطباء ومهندسين بالتأكيد خبر اعتقال أختي ليس بالأمر السهل، أمي هي الألم الحقيقي”.
تتابع نائلة “أسئلة أمي المستمرة هي كيف يمرّ عليهم فصل الشتاء أو الصيف، ماذا حلّ بأحفادي بعد عامين هل يتعرضون لتعذيب جسدي”.
وما يزيد عذاب عائلة الطبيبة المعتقلة أن لا ذنب اقترفته كي تستحق السجن فهي “لم تشارك بمظاهرة ضد النظام ولا انضمت في حياتها لحزب معارض”.
مبالغ هائلة تمّ دفعها حتى اليوم عائلة الطبيبة وتعرَضوا لابتزاز كبير دون الحصول على معلومات كافية ووافية عن وضع هذه الأم وأولادها الستة.
سوريا كما تراها نائلة “دمرّت لا حل قريب في بارقة أمل لو قليلة لكنها موجودة، سورية كعكة يتقاسمها الجميع اليوم”.
ولكن لم تعد الأوضاع فقط ما يهمها وعائلتها بل “مصير أختي الشخص الطيب الحنون، فالرعب الذي نعيشه هو أن تتعرض هي وأطفالها لاعتداءات”.
ملف المعتقلين مغيب تماماً
قضبان السجن لم تحرم نائلة فقط من رؤية أختها منذ أكثر من عامين فقط بل رسمت حدوداً جديدة لحياتها لا فرح فيها ولا راحة مليئة بالأرق والرعب من سماع أخبار سيئة بعد طول الانتظار.
تقول نائلة “حتى أولادي في كثير من الأوقات يبكون حزناً ويطلبون رؤية خالتهم وأبنائها ووصل الأمر بابني بأن يقول لي “لا أحب سوريا ولن أسافر إليها أبداً”.
وختمت نائلة حديثها “كلهم يعرفون ما يحصل ولكن المشكلة أنهم يتجاهلون لا يريدون أن تنجرح مشاعرهم بصور الموت والتعذيب”.
عن موقع “هافينغتون بوست عربي”