خولة غازي
بعدما أغدقت معلمة التربية الدينية شرحاً واسعاً وأمثلة كثيرة عن الحجاب، سألتها احدى الطالبات لماذا لا تلبس السيدات من غير الدين الاسلامي الحجاب؟
فكان جواب المعلمة: “الحجاب علامة تدل على أن المرأة مسلمة، إنه هويتها!”
إحدى الطالبات لم يرق لها ما قالته المعلمة، اعتادت أن تخلع حجابها بعد خروجها من البيت وتضعه في حقيبتها المدرسية، وأخريات تحجبن ولبسن حتى” الملايه” الشفافة التي تخفي الوجه.
قالت إحداهن إن لبسها نقاباً على الوجه لم يمنع عنها معاكسة الشباب في الحي، فهي كانت تتعمد أن تغسل تلك القماشة يومياً وتقوم بكيّها وهي مبللة بطريقة تجعلها مثيرة تبرز ملامح الوجه.
تردد مدرسة التربية الدينية تحذيراتها على الطالبات في كل درس: “إن الله يراقبكن حتى ولو كنتن في بئر يوسف، لا تفعلن كذا وكذا وكذا”، وكانت الطالبات “تتكذكذ” خوفاً.
وهكذا تتم تنمية مخيلة الفتيات بالخوف والعقاب من الشيّ بالنار وبتعليقهن من أثدائهن في حال خالفت التعاليم .
بالذهاب إلى النصف الآخر من المجتمع؛ لم يكن من بين حصص الطلاب الذكور درس عن الحجاب، بل كانت تتم تنمية مخيلتهم في اقتناء أربعين حورية وبحور من العسل والخمر إن التزموا بتعاليم الدين، وأن عليهم ستر عورة أخواتهم وزوجاتهم المثنى والثلاث والرباع وما ملكت أيمانهم.
وكلما كبر الصبي اغتنت مخيلته أكثر حول عورة المرأة، لتغدو محور مخيلته، منها منبع الشرور ومنها الخير أيضاً .
لذا تعد جرائم الشرف من اختصاص الرجل، بها يغسل عاره تحت غطاء القانون الوضعي، الذي يبيح له إزهاق روح تمردت على وصايته الأخلاقية والمجتمعية، دون أية مساءلة عادلة كما هو الحال في بلدان مثل سوريا والاردن.
ففي قانون العقوبات السوري مادتان تحميان القتلة بهذا العذر”جرائم الشرف”: المادة 584 ، والمادة 192.
تبرز مشاكل المحجبات في بلاد الغرب بعد كل اعتداء إرهابي يطال تلك الدول بدءاَ من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث تكون المرأة المسلمة المحجبة هي الضحية المستهدفة من قبل عنصريي تلك الدول، وتتحمل مسؤولية ماحدث من إهانات وتحقير وقد تصل للضرب في كثير من الأحيان، والقتل كما في حادثة السيدة المصرية مروة الشربيني في عام ٢٠٠٩ التي قتلها عنصري ألماني بعد أن نعتها بالارهابية لارتدائها الحجاب.
وعلى عكس المرأة، لا تستطيع تمييز الرجل المسلم في المجتمعات الغربية، فهو لا يمتلك “علامة” كما المرأة في حجابها، إلا في حال أطلق لحيته وحف شاربه، وجاهد في رسم “الزبيبة” في جبينه، وقد يستغني عن هذه العلامات الفارقة في حال وجد فيها خطورة على حياته.
أما المرأة فلا تستطيع التخفى في مثل هذه الحالات، وعليها أن تتلقى جحافل العيون المستغربة والخائفة والمستهجنة وهي صامتة متوجسة ردات الفعل.
في ظروف الفوضى وغياب الدولة الرسمية، يُفرض الحجاب على المرأة بشكل واسع ليطمس هويتها، كما حدث في أفغانستان بعد سيطرة طالبان، وكما هي الحال في سوريا بمدن الرقة وادلب وغيرهما من المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية، بحيث فرضت الكتائب الاسلامية المسيطرة العباءة وخمار الوجه على المرأة، مع لوحات اعلانية للحض على الحجاب والترغيب فيه وفرضه قسراً، في إدلب خرجت مظاهرات تطلب من السيدات التزام الحجاب الشرعي. كما قامت العديد من الناشطات والعاملات في حقوق الانسان بإرتداء الحجاب خوفاً من مساءلة الكتائب الإسلامية المسيطرة على المناطق، ففي منطقة بريف حلب تم جر الناشطة سمر صالح من شعرها وإلى الآن لا يُعرف مصيرها.
كما ارتفعت في العراق أيضاً نسبة المحجبات من كافة الطوائف بشكل كبير بعد سقوط صدام حسين، رغم ماكانت تعيشه المرأة العراقية سابقاً من انفتاح وتحضر ومشاركة للرجل، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن المرأة هي الطرف الأضعف في معادلة المجتمعات العربية والاسلامية، ويرتبط شرف هذه المجتمعات بها وتقع عليها المظلومية الأكبر.
لم تخل مصر من تجاذبات حول الحجاب، فبعد رحيل مرسي وحكم الأخوان عن سدة الرئاسة، ظهرت دعوات لخلع الحجاب، ولاقت تلك الدعوات استحساناً واستهجاناً واسعين، وأُقيمت دعوات معاكسة تحت عنوان لا تخلعي حجابك .
ولا يخفى على أحد أن وراء كل امرأة في المملكة العربية السعودية جيش من “المطاوعة”، تراقبهن إن زاح حجابهن ولو قليلاً، كذلك الحال في الجمهورية الاسلامية الايرانية التي فرضت الحجاب على جميع النساء.
من كل ما استعرضته من أمثلة يبقى الأهم هو أداء المرأة في الحياة العملية ودورها الفاعل في بناء مجتمعها، فالحجاب على العقل هو الأخطر وهو معيار تقدم المجتمع، وحجاب العقل منتشر بين الرجال أكثر منه بين النساء في المجتمعات المغلقة، وخاصة عندما يتصرف الرجل بطريقة مغايرة خارج منزله وبيئته. كما أن النظر لتقدم وتحرر المرأة بحجابها أو عدمه، فيه ظلم لها ولعقلها، وتملص من تقييم سياسات الدول الداخلية في التنمية وتقصير مؤسساتها المدنية.
إن المرأة الحرة والقوية والمدركة لدورها الايجابي وأهميته في مجتمعها تخيف البيئة الذكورية المنغلقة، لأنها مشروع تحرري يُقصي دورهم، ويجعله هامشياً، فسلطة الدين (السلفية والوهابية) المنغلقة تعيد المرأة إلى منطق الحرائر ودورها كأنثى أكثر من دورها كفرد منتج ومفيد مثلها مثل الرجل. ويأتي تغييب المحامية رزان زيتونة وسميرة خليل في هذا السياق، فمشروع رزان كان ضمن أهداف ماقامت عليه الثورة السورية من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية، وتأثيرها كان قوياً على النساء المحيطات بها هي وسميرة، لذلك شكلن خطورة على ذكورية مجموعة استمدت قوتها من السلاح.
فعندما تنظر المجتمعات العربية و المسلمة للمرأة ككائن مستقل غير تابع لسياسات الرجل، إنما شريك حقيقي، قادر وفاعل، له الحق كما للرجل في اتخاذ القرار المساواة في الواجبات والاداء، سينعكس ذلك إيجاباً عليها وعلى مجتمعها و ستتغير نظرة الدول الغربية للمرأة المسلمة المحجبة وستكون محمية من ردات فعلهم تجاهها خلال ظاهرة الكوراث الارهابية التي تجتاح العالم.
اللوحة للفنان السوري “عدي أتاسي”
خاص “شبكة المرأة السورية”