سحر حويجة
يطرقن الأبواب الموصدة، يتحملن مشقة الطرق الشائكة التي تزيد جراحهن عمقاً وألماً، كمن ينحت الصخر، مصاعب لا طاقة لهن بها لكن لا مناص في بحثهن عن الخلاص. من ظلام يأتي بعده ظلام، يحملن أعباء ثقالاً وقيوداً بسلاسل تمتد من الماضي السحيق إلى الحاضر، سخرتهنّ، بيد من شاء الله أو من يشاء من العباد، يسألن عن ضوء في آخر النفق، حتى جاء زمن اسمه زمن الفقد والهجرة، حقد من السماء يحمل الخراب والموت. فقدن أولاداً وأزواجاً، فلا قيمة لما فقدنه من أملاك، بصوت عال ومسموع، من أعماق ما تبقى من روح الحياة بداخلهن، حيث غلب الهذيان العقل، مرايا تعكس صور الواقع المجنون، من عميق أوجاعهن، حريق يأتي ويلتهم ما كان، في انتظار ما سوف يكون.
أسماء لا تعد في كل يوم تنضم أخريات، وجوه مختلفة، لكن ما يجمعهن من ظلم، وما يشعرن به من حيف وتمييز، تجد الواحدة نفسها بالمجموع في قصة لا تنتهي.
بين مطرقة الواقع وسندان و تعسف قانون الأحوال الشخصية حيث مصدر مواده ليست حاجات الواقع وحاجات المرأة بل جاءت في نسق تقليدي محافظ يعكس العقلية الذكورية التي تسعى للتفوق والسيطرة على المرأة، ولي عنق الواقع والعودة في كل مسالة لم ينص عليها القانون إلى كتاب الأحكام الشرعية في قضايا الأحوال الشخصية لقدري باشا منذ عام 1917 على مذهب أبي حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفي من القرن الثالث الهجري. قانون تنتهك فيه حقوق المواطنة وحقوق الإنسان ويقوم على تمييز جائر بحق المرأة يشمل حق الحياة والاحترام والعدالة والحرية وحقها في العمل وحق الخصوصية، والحق في حياة كريمة، وحق الهجرة وترك الوطن في ظروف جائرة. المرأة في هذا القانون موضوع للإنجاب والمتعة مقابل مهر ونفقة من قبل الزوج على زوجته أثناء قيام الزوجية وفي العدة وإجرة للحضانة والإرضاع، لا اعتبار لمشاعرها حتى اتجاه أطفالها، قانون يعكس تقسيماً معيناً للعمل يمتلك به الرجل المرأة مقابل طاعتها الكلية وخدماتها الجنسية والإنجابية، مواد تنزع المرأة من الحيز العام فعملها رهن بموافقة الزوج، وحتى لو اشترطت في عقد الزواج على هذا الحق يمكن للرجل منعها من عملها، ويبقى لها حق التفريق، هذا ما يتعارض مع تشريعات العمل والدستور، مواد قانونية، تضع المرأة تحت الرقابة و والوصاية وولاية الذكور من عائلتها ثم تنتقل هذه القيود إلى زوجها، ما يبرر كل وسائل العنف، تأديب وضرب حتى القتل. لكن الواقع المنفصم مع القانون الذي يفرض شروطه على المرأة في العمل والسفر والهجرة، وإعالة ابنائها، وحتى زوجها، تدخل المرأة من أي فئة اجتماعية كانت في صراع مع محيطها الاجتماعي، ومع القانون ومع ذاتها.
شواهد من الواقع :
في المحاكم كل يوم نصادف زوجات أعدادهن تتزايد ، يطلبن التفريق لعلة الغياب عن أزواجهن، وهذا حق للمرأة وفق القانون بعد غياب الزوج أكثر من سنة، وعدم معرفة مكان غيابه، قرار قاس لأغلبهن، ولكن لا خيار أمامهن، فهن على يقين على أنهن ينتظرن وهماً، نساء من استشهد أو فقد أو غُيب في المعتقل، حيث فقدت الزوجة الأمل وملت الانتظار بعد سنين. أغلبهن تشردن من بيوتهن ، ومخاوفهن تزداد يوماً بعد يوم، على لقمة العيش لهن ولأطفالهن، خوفهن على أنفسهن من تهمة تلاحق زوجة ثائر على أنه إرهابي.
أغلبهن أمهات، لا يستطعن اصطحاب أطفالهن معهن، في طريق سفر أو هجرة، يحتجن موافقة الولي الأب أو الجد، أو وصاية على أولادهن إذا وافق القاضي، بغياب الولي الأب. إلا أن من ليس لديها عمل تعتاش به وأولادها تعيش في حالة دائمة من القلق و الأرق ترهق العقل والروح، تحت صخرة ضغوط لا تحتمل، يبحثن عن حل ، يأملن بزواج آخر بعد التفريق ، ولسان حال بعضهن يقول: أن الحياة تحت سلطة رجل واحد أهون ألف مرة من الحياة في عائلة تتعدد فيها السلطات عليهن من الأب والأخوة والأم وحتى الأخوات، خاصة إذا كانت المرأة تصطحب أولادها القاصرين المحتاجين للدعم، وإن بقيت في بيت حماها تعدد السلطات نفسها ترى في الزواج مخرجاً.
تجدهن يسابقن الزمن ، لكن إجراءات المحكمة تحتاج وقتاً قد يطول، ويحتجن مصاريف وتكاليف، حيث إن الجهات القضائية لا تخاطب جهة أمنية لتتأكد من وضع المفقود بل انها تتبع إجراءات شكلية تتلخص بمخاطبة موطن الزوج المدعى عليه، وتبليغه قرار الزوجة المدعية، و يلحق التبليغ إخطار وبعده يتم الإعلان بالصحف إجرءات تحتاج سنة وربما أكثر لإتمامها وبعدها قد يوافق القاضي الشرعي على التفريق.
عشرات الأسماء منهن تزوجن عرفياً قبل إتمام الإجراءات، وفي ذلك خرق للقانون الذي يوجب العدة على الزوجة بعد قرار التفريق الصادر عن القاضي ويحق للزوج إرجاعها إذا عاد وظهر في فترة العدة. لكنهن متأكدات من استشهاد أزواجهن، والكثيرات منهن استلمن هوية الزوج، وهذا دليلاً على الاستشهاد في أقبية التعذيب، لكن لا تسلم الجثة حتى لا تفضح الأجهزة بتقديم دليل إدانتهم بآثار الموت تحت التعذيب. أغلبهن أيضاً لا ينتظرن إرثاً ولا نفقة لهن أو لأطفالهن من أملاك الزوج المفقود الغائب، فالأملاك ذهبت أدراج الرياح إما تدمرت ، أو تم استملاكها، وتم حرمان الأولاد من ورثة أبيهم.
خاص “شبكة المرأة السورية”