ترجمة وإعداد: رهف موسى
تزايدت أعداد الأمهات العاملات في العقود الأخيرة حول العالم بشكل واضح، لكن ذلك لا يعني أنه بات من السهل على الأم ترك ابنها في الحضانة أو عدم حضور نشاطاته المدرسية. ومع أن معاناة الأمهات العاملات تبدو قضية قديمة، إلا أن الإحصائيات أظهرت أن 41% من البالغين يعتقدون بأن الأمهات العاملات يسببن ضرراً للمجتمع، بينما 22% فقط يقولون بأن عمل الأم أمر جيد.
تؤكد الأدلة أن عمل الأم له فوائد اقتصادية وتعليمية واجتماعية للطفل. ولا يعني ذلك بأن الأطفال لا يستفيدون من قضاء وقت أكثر مع آبائهم، لكن بالإمكان القيام بمقايضات بالنسبة لكيفية قضاء الوقت، وتظهر الأبحاث أن أطفال الوالدين العاملين يجنون فوائد معينة من عمل ذويهم.
حيثيات الدراسة
في دراسة جديدة أجرتها جامعة هارفرد شملت 25 ألف بالغ في 25 بلداً، ظهر أن بنات الأمهات العاملات أتممن مراحل دراسية أكثر، وغالباً ما أصبحن عاملات كذلك ويشغلن مناصب إدارية ويحصلن على أجور أعلى. وجود الأم العاملة لم يؤثر في الحياة العملية للأولاد، الأمر الذي وصفته الأبحاث بأنه غير مفاجئ لأنه المتوقع من الرجال العمل بشكل عام. لكن أولاد الأمهات العاملات قضوا وقتاً أطول في العناية بالأطفال والأعمال المنزلية.
بعض هذه الآثار ظهرت بوضوح في الولايات المتحدة، حيث أظهرت الإحصائيات أن 23% من بنات الأمهات العاملات دخلهن أعلى من بنات ربات المنازل، وقضى الذكور من أبناء النسوة العاملات مع أطفالهم أسبوعياً سبع ساعات ونصفاً و25 دقيقة يومياً على الأعمال المنزلية أكثر من أبناء ربات المنازل.
تقول كاتلين ماكغين (أستاذة في جامعة هارفرد لإدارة الأعمال والقائمة على هذا البحث): “جزء من شعور الأم بالذنب كان لإحساسها أن حال ابنها سيكون أفضل بكثير بوجودها في المنزل إلى جانبه، لكننا نجد أن حال الابن يكون أفضل بوجود مدخول إضافي مصدره قضاء الأم بعض الوقت في العمل”. وأضافت: “إن عمل الأم هو أقرب ما يكون لحل جذري للتفرقة على أساس الجنس في كل من العمل والمنزل”.
لدى بعض الباحثين الآخرين ثقة أقل بأن البيانات قد أثبتت أثراً واضحاً، لأنه من الصعب معرفة ما إذا كانت الأم العاملة أدت إلى عمل الابنة، أم أن عوامل أخرى كانت أكثر تأثيراً. يقول ريكويل فيرنانديز (أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك): “المشكلة أننا لا نعرف مدى الاختلاف بين هؤلاء الأمهات، هل كان السبب هو عمل أم كل واحدة منهن، أم تعليم أمها؟”
الأثر الاجتماعي والدراسي
إن هذه الدراسة هي جزء من التحول عن التركيز على فكرة أن عمل الأم يؤذي الطفل، نحو التركيز على فهم أعمق للعلاقة بين العمل والعائلة. في تحليل تجميعي أجري عام 2010 لتسع وستين دراسة أنجزت على مدى خمسين عاماً، وجد أن أبناء الأمهات العاملات لم يعانوا من مشاكل تعليمية أو سلوكية أو اجتماعية كبيرة، وكانوا غالباً أكثر نجاحاً في المدرسة، وعانوا من الاكتئاب والقلق بشكل أقل. الآثار الإيجابية كانت واضحة بشكل خاص بالنسبة للأبناء من عائلات منخفضة الدخل أو لأم أو أب عازبين، كذلك أظهرت بعض الدراسات آثاراً سلبية في العائلات متوسطة الدخل والعائلات التي لديها دخلان. وفي دراسة أخرى تبين أن أولاد الأمهات العاملات غالباً ما تزوجوا من نساء عاملات، هؤلاء الرجال في الغالب إما فضلوا الزواج من امرأة عاملة أو كانوا أفضل مع زوجاتهم ربات المنازل. واختتمت هذه الدراسة بالقول: “إن كنت تريدين العمل، فأفضل طريقة ممكنة هي إيجاد بيئة داعمة، ألا وهي الزواج من رجل هو ابن لأم عاملة”. أما بالنسبة للأعمال المنزلية فإن الرجال الذين نشأوا مع أمهات عاملات غالباً ما يساهمون في الأعمال المنزلية ويقضون وقتاً أطول في العناية بأحد أفراد العائلة، فالنموذج الذي كان متمثلاً أمامهم في صغرهم هو مشاركة العمل في المنزل. بينما النساء لم يتأثرن من هذه الناحية بكون أمهاتهن عاملات أم لا، مع ذلك عند دراسة حالات النساء اللواتي لديهن أطفال في المنزل، أظهرت الدراسة أن النساء اللواتي نشأن مع أم عاملة قضين في الواقع وقتاً أطول مع أطفالهن، وهذا يتضمن الأمهات العاملات كذلك.
كذلك وجدت العديد من الدراسات الأخرى أن مواقف الوالدين تجاه التمييز على أساس الجنس والعمل تؤثر على مواقف الأبناء بشكل كبير. دراسة جامعة هارفرد تدعم هذه النتائج، لكنها تتقدم خطوة أكثر عبر إظهار أن تأثير الأمهات العاملات يمتد إلى سلوك الأبناء وليس فقط إلى مرجعياتهم.
تضيف الدكتورة ماكغين: “إن الآباء يلعبون دور المثل الأعلى، هذا أهم دليل لدينا على أن ما يحدث في الواقع هو تمثيل نموذج المهارات التي تم تمريرها لك بشكل ما”.
الأثر العالمي للأمهات العاملات
لقياس الأثر العالمي للأمهات العاملات نظر الباحثون في بيانات برنامج الاستبيانات الاجتماعية الدولي (تجمع عالمي للمنظمات التي تقوم بأبحاث اجتماعية علمية)، ودرسوا الإجابات على استبيان أجري في العامين 2002 و2012 يدعى “العائلة وتغيير قواعد الجنس”. قاموا بتدعيم هذه البيانات ببينات أخرى عن الفرص الوظيفية والتفرقة على أساس الجنس حول العالم. شملت الدراسة عدة صفحات من الأسئلة عن المواقف المتعلقة بالتفرقة على أساس الجنس والحياة المنزلية والمسلك الوظيفي. كان الباحثون مهتمين بشكل أساسي بالإجابة على سؤال مفتاحي وهو: “هل عملت والدتك لقاء أجر في أي وقت خلال المدة ما بين ولادتك وبلوغك سن الرابعة عشرة؟”
تقول ماكغين: “لم يكن عملها لأشهر في عام ما أو لمدة 60 ساعة في الأسبوع طوال مدة طفولتك أمراً ذا أهمية، فلم نكن مهتمين بمدى نجاح أو تخصص والدتك، بل إن كان لديك مثل أعلى أظهر لك أن المرأة تعمل خارج وداخل المنزل. نريد أن نعرف ما هو دور هذه النقطة”. هدف فريق الباحثين إلى معرفة ما إذا كان النشوء مع أم عاملة يؤثر على عدة عوامل، منها التوظيف والمسؤوليات الإدارية والكسب المادي وتخصيص العمل المنزلي والعناية بأفراد العائلة.
قام الباحثون بتعديل عدة عوامل منها العمر والحالة الاجتماعية والدين وسنين التعليم ومكان السكن (إن كان في الريف أو المدينة) ومتوسط القوى العاملة النسائية في موطن المجيب على الاستبيان في فترة ما بين ولادته وبلوغه الرابعة عشرة، وبتجاهل هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل أخرى ركزوا على أثر النشوء مع أم عاملة خارج المنزل وكانت الآثار المباشرة كبيرة بشكل عام.
الآثار على الدخل
أظهرت البيانات أنه بينما لم يكن للنشوء مع أم عاملة أي أثر واضح على دخل الرجال، إلا أن النساء اللواتي نشأن مع أمهات عاملات جنين دخلاً أعلى من النساء بنات ربات المنازل. وكذلك أظهرت أن الرجال غالباً ما يشغلون وظائف إدارية بغض النظر عما إذا كانت أمهاتهم عاملات أم لا، لكن النساء اللواتي نشأن مع أم عاملة غالباً ما يشغلن وظائف إدارية في عملهن. تقول ماكغين: “إن وجود قدوة غير تقليدية في المنزل كان له أثر مباشر على النتائج. وهناك القليل من الأشياء التي نعرف عنها ولها أثر واضح كهذا على التفرقة على أساس الجنس كحالة الأمهات العاملات”. وفي دراسات سابقة قامت بها ماكغين بالاشتراك مع باحثين آخرين في جامعة هارفرد لإدارة الأعمال، وُجد أن المحاميات اللواتي غالباً ما كانت قدوتهن ومثلهن الأعلى هي امرأة ما، كن يرتقين السلم الوظيفي وقليلاً ما يغادرن وظائفهن، وتساءل الباحثون حينها عن أثر القدوة على التفرقة على أساس الجنس في المنزل، بما يخص الفرص العملية والواجبات المنزلية. وأضافت: “إن الرابط بين المنزل ومكان العمل أصبح أكثر حساسية في وجود العائلات التي تكسب مرتَّبين، ونحن غالباً ما نتحدث عن التفرقة في مكان العمل، لكن التفرقة في المنزل ما زالت موجودة”.
إحصائيات
على امتداد 25 دولة وجد أن 69% من النساء بنات الأمهات العاملات هن عاملات، و22% منهن يشغلن مناصب إدارية، مقارنة بنسبة 66% و18% للنساء بنات الأمهات ربات المنازل. إذاً بنات الأمهات العاملات كسبن بنسبة 6%.
أولاد النساء العاملات في هذه الدول قضوا ساعة إضافية من الأسبوع في العناية بأحد أفراد العائلة و17 دقيقة إضافية أسبوعياً في الأعمال المنزلية، الأمر الذي أثبتت الدراسات أنه يزيد من القوى العاملة النسائية، وقد يؤدي إلى علاقة زوجية أكثر استقراراً.
ومع أن عمل كلا الوالدين يسبب لهما الشعور بالذنب تجاه أطفالهم، إلا أن هذه الدراسة تقول لنا أنك بعملك لا تساعدين أسرتك مادياً فقط، بل تساعدين نفسك مهنياً ونفسياً عندما تقومين بعمل تحبينه، وتساعدين أطفالك أيضاً. لذا يبدو أن العمل خارج وداخل المنزل بالنسبة لكل من الأم والأب يعطي الأطفال فكرة بأن المساهمة في البيت والعمل مهمة بشكل متساو بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء. وباختصار: عملك مفيد لأطفالك.
مصادر المادة:
http://money.cnn.com/2015/06/15/news/economy/working-moms-kids-better-off-harvard-study/
http://www.theguardian.com/commentisfree/2015/jun/25/working-mothers-good-children-guilt-trips
بالتزامن مع مجلة “سيدة سوريا”