لمى راجح
بعدما ازداد عدد اللاجئين السوررين في الأردن، وتفاقمت الحاجة الإنسانية، وجدت مجموعة من السيدات أنفسهن في موقع تحمل المسؤولية تجاه اللاجئين، فقررن أن يصنعن شيئاً من لا شيء، ومن أجل ذلك قمن بافتتاح مركز “سوريات عبر الحدود” قبل ثلاث سنوات كمبادرة نسائية هدفها مساعدة اللاجئين، وتقديم يد العون لهم، والتخيفف من وطأة لجوئهم في الأردن.
وعلى الرغم من تباعد المسافات بين هؤلاء النساء، وإقامتهن في عدة دول عربية وأجنبية؛ غير أن اغترابهن لم يزدهن إلا إصراراً على خلق كيان نسوي يعمل على إزاحة بعض الهموم عن أكتاف اللاجئين السوريين؛ حيث اجتمعن وقمن بالتنسيق عبر “الفيسبوك”، كما أقدم بعضهن على ترك منازلهن وعائلاتهن، والإقامة في الأردن بهدف تسيير أعمال المركز. تقول السيدة سامرة زيتون طيان إحدى مؤسسات المركز: “التقيت منذ أربع سنوات مع مجموعة من السيدات عبر (الفيسبوك)، وقررنا حينها تقديم العون للاجئين في مخيم الزعتري، ولكن فيما بعد فوجئنا بعدد المصابين والجرحى الذين يقصدون مشافي الأردن بهدف تلقي العلاج، وهنا ولدت فكرة إنشاء مركز يعنى بهؤلاء الجرحى”.
بإمكانيات بسيطة وتمويل ذاتي، قامت تلك النساء في البداية بافتتاح مركز صغير، وكان عبارة عن شقة تم تجهيزها بالمعدات الطبية والأدوات المطلوبة لتوفير العلاج اللازم للمصابين. وبعد ثلاثة أشهر تمكّن من تطوير عمل المركز وافتتاح مشغل للخياطة هدفه استقطاب النساء وتدريبهن على المهن والحرف اليدوية. وخلال أربع سنوات أتى المركز أكله وأصبح عبارة عن بناء يتألف من ثلاثة طوابق؛ يقدم الرعاية الطبية للمصابين ويساهم في تعليم الأطفال، وتدريب النساء وتوفير مهن لهن.
مساحات للأمل
في كثير من الأحيان لا يتقبل المصابون والجرحى فكرة أنهم فقدوا أحد أطرافهم، وأصبحوا غير قادرين على السير أو الحركة، مما ولدَّ لديهم شعوراً بالعجز والإحباط نتيجة إعاقتهم الجسدية، وهذا ما دفع المركز لاحتضان هؤلاء الجرحى والعمل على تقديم الدعم النفسي والجسدي لهم، وذلك من خلال معالجة حالات الشلل، وتوفير العلاج الفيزيائي الذي قد يحتاجه المريض ليصبح قادراً على الحركة مجدداً. بالإضافة إلى عملهن في التواصل مع المنظمات المعنية من أجل تأمين أطراف صناعية لهم، ومساعدة من هم بحاجة لإجراء عمليات جراحية، وتوفير إخصائيين نفسيين يعملون على تخفيف آلام المصاب النفسية. وقد تمكن المركز حتى الآن من معالجة ما يقارب (260) مريضاً ما بين نساء ورجال وأطفال.
بالإضافة لما سبق، يقوم المركز برعاية الأطفال المصابين نتيجة الحرب في سوريا، حيث أصبح المركز بيتاً لهؤلاء الأطفال، لاسيما الأطفال اليتامى ممن فقدوا كلا الوالدين أو أحدهما، ولم يعد لهم معيل أو من يرعاهم، وهنا يأتي دور المركز ليحتضن هؤلاء الأطفال، ويعمل على تقديم الرعاية الخاصة بهم، وكل ما يحتاجونه لكي يشتد عودهم، من خدمات صحية وتعليمية، بالإضافة لإقامة الأنشطة الترفيهية. تقول السيدة سمارة الأتاسي إحدى مؤسسات المركز: “من حق كل طفل سوري أن يستكمل تعليمه، ولذلك نقوم بمساعدة الأطفال المصابين والعمل على الحاقهم بالمدارس، مع مراعاة وضعهم الصحي، فالطفل الذي يعاني من إصابة أو إعاقة جسدية نقوم بتسجيله بمدارس خاصة مراعاةً لوضعه، بينما نقوم بتسجيل الأطفال ممن استطاعوا التماثل للشفاء وأصحبوا قادرين على الحركة في المدارس العادية”.
للتعليم حصة الأسد
لم يتمكن عدد لا بأس به من الطلاب السوريين من إكمال تعليهم في سوريا، نتيجة ظروف الحرب، وهنا وجد مركز “سوريا عبر الحدود” الفرصة لتعبيد الطريق لهؤلاء الطلاب وإفساح المجال لهم. حيث يعمل المركز على تأهيل الطلاب وتدريبهم من أجل مساعدتهم على اجتياز امتحان الثانوية العامة، ويتراوح عدد الطلاب ما بين (160-170) طالباً كل عام.
كما نفذ المركز مشروعاً مماثلاً بمجمع “عبد الله بن مبارك” في مخيم الزعتري، وأيضاً في مدينة أربد، وتم تأسيس مركز يستقطب طلاب الثانوية العامة، وقدر عدد الطلاب بـ (300) طالباً. تصف السيدة سمارة عمل المركز بأنه تمكن من قطف ثمار جهده، حيث تقول: ” تمكن ثمانية طلاب، ممن تم تأهيلهم ضمن دورات تعليمية خاصة بالمركز؛ من الحصول على درجة التفوق في امتحان الثانوية العامة، وتم مساعدتهم للتسجيل في الجامعات الأردنية”.
كما يسعى المركز لتأهيل مدرسة العثمانية في ريف حلب، بالتعاون مع منظمة “سيريا ريليف” لتعليم (450) طالباً من كافة الأعمار. بالإضافة لذلك تصف السيدة سمارة مدى حرص المركز على إقامة دورات في اللغة انكليزية بكافة المستويات، وبإشراف مدرسين متطوعين من دول مختلفة مثل: بريطانيا وأمريكا؛ لمساعدة الطلاب على تعلم اللغة من منابعها الأصلية، ومحاولة مساعدتهم للتسجيل في الجامعات.
إعالة النساء المتضررات
كثير من النساء أصبحن بلا معيل، أو خسرن أعمالهن ومصدر دخلهن نتيجة الحرب ولجوئهن للأردن، لذلك قام مركز “سويات عبر الحدود” بافتتاح مشغل للخياطة والأعمال اليدوية ضمن المركز بهدف دعم النساء وتوفير عمل لهن يحميهن من السؤال والحاجة، وتم تجهيز المركز بماكينات خياطة وتطريز تساعد النساء اللواتي يعانين من وضع إنساني خاص كاللواتي فقدن معيلهن، بالإضافة إلى استهداف زوجات وأمهات وبنات الشهداء والمعتقلين وتوظيفهن ضمن طاقم المركز. تستكمل السيدة سمارة في هذا الصدد: “إن الهدف من إنشاء المشغل هو مساعدة النساء وإعالة أسرهن، لاسيما أن السوريين ممنوعين من العمل وفقاً لقانون العمالة الأردني، وبالتالي نحن لا نعطي رواتب لهؤلاء النساء، بل مكافات مالية تقديراً لجهودهن معنا في المركز”.
كما قام المركز بإجراء ورشات تدريبة للنساء، وتعليمهن الأعمال اليدوية كالتطريز والخياطة و التجميل، بالإضافة لإقامة ورشات لتعليمهن صنع الشمع والصابون، وقدر عدد السيدات والفتيات اللواتي خضعن لورشات تدريبية في المركز ما بين (40-50 ) سيدةً.
مساع أخرى
لاحظ مركز “سوريات عبر الحدود” أن هناك ما يقارب (80) عائلة لاجئة في مخيم الزعتري بلا سقف يحميهم من برد الشتاء وحر الصيف، ومن أجل هذا تم تأمين كرفانات لهذه العائلات.
كما عمل المركز على تنفيذ مشروع “إفطار صائم” خلال شهر رمضان المبارك، وتوزيع 600 وجبة طعام في غوطة دمشق، بالإضافة لتنفيذه مشروع “سقاية رحمة” بالتعاون مع فسحة أمل في حلب وريفها.