خولة غازي*
في أواخر العام الفائت عُقد مؤتمر في السويد حول التحديات التي تواجه المرأة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكان لافتاً خلال المؤتمر التركيز على المقاتلات الكرديات في كوباني كنموذج يحتذى به من الشرق الأوسط، دون غيرهن من النساء، وهذا بحد ذاته فتح باباً للنقد الذاتي، حول وضع المرأة في المعارضة السورية ودورها، مقابل الظهور المدني والعسكري للفتيات الكرديات السوريات.
فعن أي تجربة للمرأة المعارضة سوف نتكلم للرأي العام؟
عن وضعها في المناطق المحررة، أم عن تعدي المتشددين على النساء السافرات واعتقالهن، أم عن رجم امرأة مسنة بحجة الزنا أمام جمع من ( الذكور )، أم عن فرض النقاب والعباءة السوداء وأشياء أخرى لا مجال لحصرها الآن .
وإذا ما انتقلنا إلى خارج الحدود هل نتكلم عن التمثيل الشكلي للمرأة في مؤسسات المعارضة الرسمية وعن طغيان الرجال على مفاصل العمل السياسي؟
هذا كله بسيط أمام الشتائم التي نالتها وماتزال المرأة بشخصها وبشرفها من قبل الجميع، باستخدام صور سيدات معارضات بشكل غير لائق عن طريق الفوتوشوب، أو تسريب فيديوهات خاصة، ناهيك عن رسائل الشتم بأقذع العبارات، التي لا يتورع الرجل عن توجيهها للمرأة التي يختلف معها بالرأي، بحيث لا يوجد سيدة معارضة لم تصلها رسالة تصفها بالـ ( العاهرة ) مع شتائم من العيار الثقيل.
وهذا مرده إلى أن غالبيتهم يتعامل مع المرأة كأنثى لا كفرد لها نفس الحقوق والواجبات مع الرجل، فهم لا ينظرون إلى إمكاناتها الفكرية بقدر ما ينظرون إلى الجوانب الأنثوية التي تمتلكها، وهذا نابع من ثقافة سائدة وشائعة في المجتمعات العربية الذكورية، والمفارقة أن الرجل الشرقي يتعامل مع المرأة الغربية كفردين متساويين في الحقوق والواجبات.
فهل الرجل في أزمة أو أن الأزمة رجل، وتحديداً في الثورة السورية؟
ولماذا لم تنتج السنوات الأربعة قاعدة نسائية فاعلة؟ ولماذا ظلت المرأة تابعة ولم تكن فرداً مؤثراً؟ لماذا انكفأت الكثير من النساء عن العمل المعارض الرسمي، وخاصة في الظهور الإعلامي وفي المؤسسات الرسمية للمعارضة، في وقت كانت إحدى أسس الثورة، وفي بدايتها، “حرية، عدالة ومساواة”؟
قبل ثلاث سنوات قامت مجموعة من السيدات السوريات بخطوة مؤثرة إعلامياُ من خلال إعتصامهن عن الطعام أمام الجامعة العربية في القاهرة بهدف إطلاق سراح المعتقلين. يومها لم تهدأ صفحات شبكة التواصل الإجتماعي، وعلى رأسها “الفيسبوك” في النيل من تلك السيدات، من قبل المعارضين وصفحات المؤيدين على حد سواء.
كما أنه وفي بداية الثورة، كانت صفحات مؤيدة تنشر أسماء سيدات مع توصيفات بالغة السوء، فالمرأة من كل الأطراف لم تأخذ ما يجب من تقدير واحترام، والنظر إليها كفاعل رئيسي بالمجتمع.
في الوقت ذاته تعاملت صفحات المعارضين مع صور سيدات مؤيدات بنفس السوء، وكأن المرأة هي فقط “الشيئ” الوحيد الذي يستطيع الرجل أن يفرغ فيه شحنات غضبه دون إحساس بالخجل من أمه وكافة قريباته من النساء.
والأمر الأخر البالغ السوء كان في استخدامها اعلامياً للنيل من الخصم كالتركيز على جرائم الاغتصاب لإستثارة الرأي العام.
ولا يخفى على أحد دور رجال سوريين في تزويج فتيات سوريات صغيرات لرجال كبار في السن من جنسيات عربية مختلفة.
لا يمكن فقط تحميل الحرب تبعات ما يحدث بحق المرأة في سوريا، فالأمر يحتاج الى ثورة في بنية تفكير الرجل بحق المرأة، وهذا يحتاج إلى كثير من العمل المدني والفكر المؤسساتي القائم على مبدأ المساواة.
فالأزمة فعلا هي في ذهنية الرجل الذي يسكن عقله الباطن عقدة الشرف المتمثلة في النيل من المرأة وفي النيل من رجل أخر بأمه وأخته، كما يروي الكثير من المعتقلين المفرج عنهم، عن تفنن رجال الأمن في تعذيب المعتقلين لفظياً بالنيل من أمهاتهم وأخواتهم بطريقة مهينة وبالغة القسوة.
إن العمل على فصل الدين عن الدولة بشكل جدي وحقيقي هو خطوة مهمة بدون حملات التكفير التي يبرع بها رجال الشرق مع التركيز على تكريس ثقافة الجندر في المجتمع.
*كاتبة وصحفية سورية
اللوحة للفنانة السورية: علا الأيوبي
خاص “شبكة المرأة السورية”