ناصر حدة
يتقاطر المجاهدون إلى دولة الخلافة الاسلامية في ظل إغراءات مالية وجنسية وفَّرها تنظيم الدولة لمقاتليه وعديده، من مختطفاته وسبايا حربه على الجميع والخبر الصادم بالأمس، أضحى خبرًا عاديا على شاشات التلفزة والصفحات الأولى، وموضع مجاهرة صريحة للتنظيم العدواني لا تجعل مجالاً للشك أو المواربة فالتنظيم لا يخفي نواياه ولا أفعاله بثياب الايديولوجيا التي تفترض حجبا للدوافعً والوقائع حيناً أو لحقائق المجتمع والسياسة والتاريخ، في أحايين كثر، ولا بتسمية الأشياء بغير مسمياتها كما اعتادت ألوان أخرى من الاستبداد الحاكم سياسياً أو اجتماعياً على الظهور بها.
زينب بانغورا مبعوثة الأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي أعلنت الشهر الماضي من حزيران أن المراهقات اللواتي يختطفهن عناصر تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ” داعش ” في سورية والعراق يُبَعن بأسعار بخسة قد توازي سعر علبة سجائر أحياناُ. بانغورا التي زارت سورية والعراق في شهر نيسان كما أوردت الصحف آنذاك، تعمل منذ زيارتها على صياغة خطة لمواجهة تماديات التنظيم الوحشي والعنف الجنسي الفظيع الذي يمارسه مقاتلو التنظيم الارهابي واصفة ما يجري بأنه “حرب تجري على أجساد النساء “.
بانغورا التي تحدثت إلى نساء وفتيات فررن من الاحتجاز في مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم ولقائها بمسؤولين سياسيين ودينيين، حيث مازال التنظيم يقيم أسواق نخاسة لبيع الفتيات اللواتي يختطفوهن في هجمات جديدة ولا أرقام موثقة حول أعدادهن وأماكنهن التي تفتقد لكل أشكال الأمان وسط تهديدات التنظيم من جهة، وضربات طيران التحالف التي لن توفر بطبيعة الحال هذه الاهداف البريئة لاختلاطها في مواقع وجود التنظيم وسجونه. وما روته الكثيرات من اللواتي ذقن عذابات التنظيم وأجواءه الكارثية، حيث تم احتجاز أعداد منهن في غرفة وكنَّ أكثر من مئة في منزل صغير وتمت تعريتهن وغسلهن ثم أجبرن على الوقوف عاريات أمام مجموعة من الرجال ليحددوا ما تساويه كل واحدة، وأوضحت بانغورا أنه بهذه الطريقة يجذبون الشباب، لدينا نساء في انتظاركم، عذارى لتقترنوا بهن، فالمقاتلون الأجانب هم عماد القتال.
الأزمان الغابرة لم تزل في عصرنا والأذهان
بعيداً عن الصور الزاهية في تاريخنا العربي والاسلامي التي غالباً ما يقدمها خطاب ديني وقومي سائد، فاجأتنا تلك الصورة المكثفة الدلالة في إعلان “رمضاني” جديد لتنظيم الدولة في الرقة ، هذا الإعلان الذي يتحدث عن نفسه بلا مواربة أو قناع لمتسابقين في مسابقة حفظ القرآن حيث توزعت الجوائز المالية في المراكز المتأخرة بعد المركز الثالث واقتصرت مكافأة الفائزين في المراكز الأولى على تقديم” سبية” لكل منهم في فجور ووقاحة قل نظيرهما في التاريخ. ولا يندرج هذا الإعلان الوقح إلا في إطار الإعلانات الجاذبة وسط ماكينات الدعاية الخاصة للتنظيم الارهابي وما يشكله الجنس من مادة رخيصة للإغواء والجذب. أطياف العبودية المعاصرة
لا تشكل ” داعش ” وحدها صورة وأنموذجاً عن العبودية المعاصرة في هذا العالم المضطرم بتناقضاته فكيفما اتجهت رؤوسنا ستقع عيوننا ومداركنا على أطياف هائلة من العبودية في المزارع كما المدن الكبيرة التي يحتشد البشر فيها لممارسة أحط النزعات الغرائزية ومكانا بهيميا لممارسة الاعتداءات الجنسية والوحشية وخصوصاً على (ما ألتزمت به الايديولوجيا السائدة) بتوصيفه بـ”نصف المجتمع”، ما يعني في المقام الأول أن هذا المجتمع يمارس الانتحار والقمع الذاتي والتآكل بفعل ماكينة ايديولوجية تاريخية لم تستطع الثورات الاجتماعية والسياسية التخفيف من قوة حضورها وغلوائها وسلاسة أكاذيبها وبراهين عبوديتها خلف غلالات السوق والتكنولوجيا وهو ما يعكس ملحاحية نهوض ثورة معرفية وفكرية في مواجهة عبودية السوق وسوق النخاسات المعاصرة على حد سواء وأشكال العبودية اللامرئية في تفاصيل حياتنا اليومية .
إعلان داعش في الرقة لا يقل وحشية عن صور القتل الاستعراضي والتفنن في الغي والوحشية وهو ما يستدعي أكثر من صرخات الاستنكار والتنديد، في إطار استراتيجية تحمي الضعفاء في الحروب الذين هم ضحاياها وحطبها ومادة حريقها الأولى.
خاص “شبكة المرأة السورية”