سلمى الدمشقي
هي صبية في أول عمرها لم تتجاوز ربيعها الثاني والعشرين، التقيتها في مكان عملي بأحد مؤسسات الدولة، تعمل بعقد موسمي لمدة ثلاث أشهر تعاملت معي بحذر كوني من المغضوب عليهم في المؤسسة وهي من المدعومين. حاولت دائماً أن تستفزني بالحديث عن انجازات السيد الرئيس لترى ردة فعلي وأنا حاولت جاهدة أن امتص غضبها مني بالحديث الهادىء عن الخلل الذي نراه في كل مؤسسات الدولة دون أن أتجاوز الخطوط الحمراء طبعا، ومع الايام أحسست أنها بدأت تثق بي كوني مختلفة عن الباقين ولا أمدح أحد .
في أحد المرات تصادف أن كنا وحدنا في المكتب وكانت حزينة، سألتها عن الحزن الواضح بعينيها والمبكر لمن هم في مثل سنها وظروفها … وحكت لي قصتها.
حكت لي عن حبها الاول والوحيد … ارتبطت ولمدة سنتين بضابط شاب من ضيعتها يشهد له الجميع بالأخلاق و”استشهد” منذ فترة في أحد معارك حصار الغوطة … وحكت لي والدموع تملأ عينيها عن محادثته الاخيرة معها قبل ساعة واحدة من استشهاده عن حلمه بالقضاء على “الارهابيين” ليستطيع أولادهم أن يكبروا في بلد خال من “الارهاب” … ولكن “الارهاب” كان أقوى وقتل حبيبها وقتل معه حلمها بالزواج ممن تحب … وأرتني صورة شاب جميل في لباسه العسكري.
لم أستطع أن أمنع نفسي، وأنا المعارضة والمغضوب عليها، من التعاطف معها، وأنا أعلم أن حبيبها كان يحاصر الغوطة ولديه أوامر هو ومن معه بقتل أهلنا هناك. ولكني تعاطفت مع حلمه، الذي كان صادقاً به، وهو القضاء على “الارهاب”، هو حلمي وحلم جميع السوريين. حادثتها بصوت هادئ أني لا أشك بصدق نوايا حبيبها ولكن أشك بمن وضعه في هذا المكان وشوه صورة السوري الاخر في الجهة المقابلة الذي يحلم أيضا بالقضاء على الارهاب. حدثتها عن المسؤولين الكبار في الدولة الذين يسرقون خيرات الوطن وأبنائهم جميعا خارج البلد أو في أمان داخل البلد.
وتفاجأت عندما أفشت لي بما تراه يومياً في مكان سكنها بأحد مناطق دمشق. حدثتني عن جارهم، أحد كبار الضباط الامنيين في البلد، وأن أولاده الثلاثه في سن التجنيد ولكنهم متخلفين عن الجيش ويقضون لياليهم في السكر والتحشيش والتحرش بالبنات، ولامانع في أخر الليل من القيام بمسيرة وترديد اسم القائد الخالد كي يتم التغاضي عن ممارساتهم .
حكت لي عن طائفتها التي تعتبرها طائفة ملعونة، لان القدر شاء أن تكون طائفة السيد الرئيس، وعن شباب هذه الطائفة الذين هم اما شهيد أو مشروع شهيد أو معاق. حكت لي عن أمهاتهم الذين يلبسون الاسود منذ أربع سنوات وعن الفرح الذي لم يزرهم. وعن أن ضيوفهم الوحيدين هم المعزون في مجالس الحداد المفتوحة كل يوم . حكت لي عن أراضيهم التي لم تزرع لأنه لا توجد ايد عاملة. حكت لي عن التشبيح والتعفيش الذي يطالهم قبل أن يطال غيرهم من المدن والقرى السورية. حكت لي عن الخوف الذي يزرعونه بكل لحظة في كل تفاصيل حياتهم … الخوف من القادم … الخوف من المستقبل … الخوف من الارهاب الاسلامي الذي سيعيدهم الى الجبال وعن المجازر التي سوف تطالهم ان سقط النظام، عن سبي نسائهم وقتل أطفالهم في الماضي العثماني والذي سيعود اليوم مع الارهاب الاردوغاني.
حكت عن تفاصيل كثيرة تعكس رعب طائفة كاملة، من نظام استخدم كافة الوسائل المتاحة له من اعلامية وغير اعلامية، لبث صورة مشوهة عن ثورة خرجت تبحث عن الحرية والمواطنة وحولها بعيون كثير من السوريين الى ارهاب طائفي، ونجح في ذلك نجاحاً كبيراً، وعن فشل معارضة سياسية في استخدام الادوات التي أتيحت لها لعكس الواقع الحقيقي لهذه الثورة وفي فضح التشويه التي تعرضت له لنصل الى مانحن عليه الان وبعد اربع سنوات من انطلاق هذه الثورة.
خاص “شبكة المرأة السورية”