تحقيق – كريمة رشكو
انتشرت حوادث انتهاك حقوق المرأة على يد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش”، بالإضافة إلى جبهة النصرة، حيث تم إعدام الكثير من النساء أو بيعهن في سوق النخاسة أو غيرها من الممارسات التي تمت إدانتها من قبل الجميع، لكن هل تساءل أحدنا إن كانت هذه الممارسات جديدة على مجتمعاتنا، ولم تظهر إلا مع ظهور داعش والنصرة في سوريا والعراق؟
إن عدنا بذاكرتنا قليلاً إلى ما قبل الثورة، وحتى في سنوات الثورة ذاتها، وتمعنا في وضع المرأة في مجتمعنا، لاسيما زواجها من غير قومية أو دين، نجد أنه قد تم قتل الكثيرات بوسائل شتى سواء بالسكين أو بإطلاق النار أو بالضرب حتى الموت…
سورية تشمل الفسيفساء القومي والديني، الذي شهد على مدار عشرات الأعوام التعايش السلمي بين جميع القوميات والأديان، إلا أن الزواج المدني كان ولا يزال عائقاً ومسبباً لموت المرأة.
عقوبة المرأة التي تكسر الحواجز القبلية والعشائرية حتماً القتل، وذلك حسب اعتقادهم لغسل العار والفضيحة. حيث نجد الكردي الذي لا يقبل تزويج المرأة خارج قوميته، ولكن العكس صحيح، وكذلك الدرزي لا يقبل إلا أن تتزوج من درزي وهذا يشمل المكون المسيحي أيضاً.
قتل المرأة السورية دون أن يكون هناك قانون يحميها يقف عائقاً دائماً أمامها لممارسة حريتها في اختيار الزوج أو حتى في جميع مناحي الحياة. فقانون جرائم الشرف كان ولا يزال يشجع الرجل على قتل أخته، ابنته، زوجته لأي سبب كان، حيث لا يحتاج لمبررات سوى أنه غسل العار، مما يكفل له إطلاق سراحه بعد عام.
“الخطيفة”
ولمناقشة هذه الظاهرة تحدث إلينا الناشط الحقوقي جوان يوسف بقوله: “أعتقد أنه هناك مبالغة بهذا الأمر، فالحالات التي قتلت أو تم التبرئة منها هي نادرة لا تكاد تشكل هاجسا أو عنوانا في هذا السياق، وغالبا تلك الحالات ارتبطت بحالة الخطف “الخطيفة”، وهي كانت إلى وقت قريب موجودة على نطاق واسع وغالبا ما تعاقب بالفتاة بالقتل، ولم تكن مرتبطة بموضوع الاختلاف القومي بقدر ما كانت مرتبطة بحالة الخطف. وهي جزء من المخزون الثقافي القبلي والعشائري الذي كان سائدا بين أطياف المجتمع السوري المختلفة، ربما هذا الأمر كان أكثر حضورا في حالة الاختلاف الديني وخاصة عند مجموعات دينية بعينها، اليزدييين أو الدروز أو أحيانا عند المسيحيين، لكن الزواج بين العرب والكرد كان دارجا وأن لم يكن مستحبا عند الكرد بشكل خاص زواج الكردية من العربي. لكن السنوات الأخيرة شهدت الكثير من حالات زواج الكرد من النساء العرب وخاصة ممن ينتمون إلى المدن الكبيرة كحمص وحلب ودمشق واللاذقية.
عموما بالعودة إلى البدء فإن القتل مدان مهما كانت الأسباب والمبررات، وقتل المرأة باعتبارها عضوا ضعيفا في المجتمعات الذكورية هو محل إدانة ورفض. ما تزال المرأة في المجتمع الكردي تفتقد إلى الكثير من الحقوق وما تزال تشكل مصدر قلق للآباء باعتبارها مصدر عار، وهذا الوعي والقلق ينتمي إلى المجتمعات الأقل مدنية حيث تسيطر الأفكار الدينية والعشائرية، وهي ليست خاصة بالمجتمع الكردي ولا بالعربي ولا حتى خاصة بالدين الإسلامي، فكل المجتمعات مرت بهذه الحالة وأخرى ما تزال تمارسها، مادام القانون المدني غائب عن المجتمع فإن هذه المشكلة موجودة.
اعتقد أنه هناك مبالغة بالمقارنة بين ظاهرة تراجعت جداً، وبين ظاهرة حديثة جداً كظاهرة داعش، التي تقتل ليس المرأة فقط بل تقتل كل من يخالفها الرأي وبالتالي القتل لديها مباح لا تحتاج إلى الكثير من التبرير. بينما الظاهرة الأخرى تحتاج إلى الكثير من التبرير والكثير من الحصانة قبل الأقدام عليها وهي بلا شك مدونة بالمحصلة ومرفوضة تماما.
ونحن في اللجنة الكردية لحقوق الإنسان كنا قد اعددنا تقريرا مدعوما باستبيان في عام 2009 حول ظاهرة ما يسمى بجرائم الشرف، ولوحظ تراجع جيد لهذه الظاهرة مع ملاحظة أن جرائم الشرف تشمل كل حالات قتل النساء بدوافع الشرف ووثقنا 9 حالات خلال ذلك العام حالتين منها كانت متداخلة مع جرم جنائي. وهذا الرقم اعتقد تناقص في السنوات الخمس التي تلتها. ما أريد قوله في النهاية أن جرائم الشرف الموصوفة تختلف عن ما هو مرتبط بموضوع القتل لاختلاف القومية جزئياً”.
“جبتيلنا العار”
وتروي لوليتا. ح من السويداء تجربتها الشخصية في هذا المجال: “خلال مرحلة دراستي في جامعة دمشق، تعرفت إلى شاب كوردي من عفرين وتعرفت على الشعب الكوردي من خلاله، ودون أن ندرك أحببنا بعضنا وقررنا الزواج. ولكني تعرضت لتهديدات عديدة من أصدقائي الدروز ومن أهلي. حرمت من دراستي عاما كاملا ولم يسمح لي بالخروج أو التواصل مع أصدقائي … (جبتيلنا العار فضحتينا)… هذا الكلام لا يفارق ذاكرتي. أي عار وأي فضيحة إن تزوجت من كوردي؟ فهو سوري ومن أبناء الوطن. تعرضت للتعذيب الجسدي والنفسي. طلب مني أن اهرب معه ولكن حادثة قتل هدى أبو عسلي جعلتني أتراجع. فقد تم قتلها بالسكاكين وإطلاق النار وإقامة حفلات لأنهم غسلوا العار، فقط لأنها تزوجت من شاب من غير طائفتها. تركنا بعضنا وهذا حال الكثيرات. وما يؤلمني أننا نطالب بالحرية ومحاربة الإرهاب ولكن الإرهاب يسكننا منذ عشرات السنين”.
تناقض جوهري
وتقول الكاتبة إيناس عزام، من السويداء أيضاً: “كوني كاتبة أولاً وموحدة ثانيا فهذا لا يلغي أني من أوائل الناس الداعمين والمشجعين للزواج المدني. قد يساورك الضحك بأنه من تقدم لخطبتي من خارج الطائفة أشخاص أفضل، في بعض المواقف، ممن تقدموا لي من داخلها. أولا لإيماني بمبادئ، لا تبتعد كثيراً عن تعاليم طائفتي، فهي الطائفة التي تمنح المرأة حرية كبيرة، وذلك حسب الدراسات العالمية للطوائف، لكن كطائفة موحدة يُمنع الزواج من خارج الطائفة سواء للرجال أو النساء، لذا تكثر جرائم الشرف، التي ابغضها كما أبغض أي جريمة، فأنا أرفض أن يقاصص الناس بعضهم قتلاً”.
داعش الشماعة
في حين يؤكد الكاتب المسيحي السوري ملكون ملكون أن “الموضوع متعلق بالدساتير في الدول العربية التي تعتبر الشريعة الإسلامية مصدر التشريع وبالتالي يكون حكم الردة على من يخالف هذه الدساتير. فماذا ستفعل المسيحية؟ هل تستطيع الزواج المدني والمحافظة على دينها كما يفعل الرجل المسلم؟
أعتقد داعش نتيجة وليس سبب فلا تحملوها وزر كل الظلم وغياب العدالة والديمقراطية منذ 1400 عام إلى الآن. يكفي أن نجعل داعش شماعة لكل التطرف والشوفينية القومية والدينية والسياسية والفكرية ففي كل قومية وطائفية ومذهب ودين هناك داعشيون أشد مرارة من بعبع داعش اليوم”.
وفيما يخص قتل المرأة يقول الكاتب ملكون: “إن القتل بأي شكل من الأشكال جريمة مرفوضة والدم الذي تبيحه الأعراف والأديان والتقاليد هو دم مقدس وكل ذلك يعود بسبب غياب وتغييب الديمقراطية وسيطرة الفكر الديني على المجتمعات لتعميق الإرث المتخلف فيها. أنا مع أي هواء لحرية الإنسان وأنا مع التحرر من كل القيود الدينية والقومية والإيديولوجية … أنا مع الإنسان”.
دولة علمانية
أما الكاتبة هدى أم بسام فتقول بهذا الخصوص: “أنا مع الزواج المدني، وبشكل قاطع، ولكن هذا يحتاج لفصل الدين عن الدولة، فطالما أن الشريعة الإسلامية هي المشرع في دولنا سيفرض على المسيحي ترك دينه في حال زواجه بمسلمة، وهنا يشعر المسيحيون بالغبن. أما الفتاة المسيحية إذا تزوجت مسلما تستطيع أن تحتفظ بدينها، لكنها تخسر الميراث من زوجها. وتتعرض العائلة المسيحية التي يتزوج احد أولادها من مسلم للاضطهاد الاجتماعي، مما يدفع البعض للقتل لإرضاء المجتمع. طبعاً أنا ضد القتل وكل جرائم الشرف، لا أظن أن لداعش علاقة فالموضوع قديم. الحل هو إقامة دولة علمانية تعامل الجميع بالتساوي ويحصل الكل على حرية الاختيار”.
الزواج المدني
بينما تقول الصحفية عناب حلبي من مواليد السويداء ومقيمة في القدس حالياً: “دين التوحيد الدرزي واضح جدا في أمور الأحوال الشخصية وخاصة الزواج. الصبغة الدينية الدرزية تحث على الزواج من داخل المجتمع الدرزي لأن تعريف كلمة الموحدة الدرزية تعني كل من ولد من أب وأم دروز على حد سواء. أما غير ذلك فلا يعتبر درزيا بتاتا .لذلك الزواج المدني هو نقيض للدين، وجوهر الزواج المدني وغايته فتح المجال أمام أزواج من خارج الدين أن يقترنوا. وهناك عقاب اجتماعي وديني لكل من يتزوج زواجا مختلطاً، ويفضل أن يسكن خارج مجتمعه الأم.
أما فيما يتعلق بالقتل، حتى لو كان على أساس ديني، فإن قتل إنسان درزي بسبب زواج مدني هو غير محمود دينيا ويعتبر القتل من الكبيرتين (القتل والزنا) وليس هناك أي غاية أو ظرف تبرره. العقيدة التوحيدية في جلها تقوم على أن النفس هي تداول على مر الأجيال وحسب الدين الدرزي كل وجود له غاية. فالقتل هو تعد على تسيير الكون من الخالق، ويعتبر أصلا كأمر يؤخذ فيه دور الباري على أساس فكرة محاسبة الخلائق وعقاب عند ربنا كبير. لا تزال جرائم قتل المرأة مستمرة بسبب الزواج المدني في حين يسمح للرجل أن يتزوج من غير قومية أو دين دون أن يمسه مكروه”.
“خاص شبكة المرأة السورية”