خديجة بلوش
-1-
الواحدة بعد منتصف نهار بارد فارغ موحش مكفهر والجوع يمزق أحشاء ذاكرة دخلت في إضراب عن التمسح بأستار حب ضائع، وأنا هنا بغرفتي عالقة بين زحام أوراق ترفض أن تحبل بوجع صار يرهقها ولا يؤرقني،أي حزن هذا الذي يغتال كل أجنة الفرح برحم حياة لاتكاد تنصفني؟
خارج أسوار هذا المنفى لاشيء يستحق أن أقف أمامه أو أحني هامة ظلي المرتعش،الزقاق الذي يضم خطوات طفولتي ما زال يرشح بالجمود ،وبيتنا الذي كان يأوي صمتي المزمن صار نصف جدار ونصف غبار وحجارة تفسد شكل الطريق وعثرة للعابرين..وسقفه الخشبي أحرقته يد الإهمال وما عدت أجنح للهروب إليه كلما اختنقت بالسقف الإسمنتي…
“أشتاق لك”
هذا النداء الأخير لعاشقة تطوي المسافات كل ما هل المساء للوصول لعينيك ،تمنح الحبر موجا من أشواق تقيدها وتنسج من الحرف مركبا ومن ذراعيك مجذافا للوصول
“أمنحك هذا الجسد ،صفحة بيضاء تكتبها بأنفاسك قصيدة من نار تعيد له الحياة”
تهمس لي من شقوق وقت يتشظى من حرائقنا
“سأنثر عبق رجولتي في كل دروبك “
ينتهي اللقاء في غمضة عين وأعود لأوراقي ولألوان تضفي بعض الألق لشحوب يعم اللحظة ،وصوت أغنية بعيدة تومئ للحزن بالإقتراب من ناصية دهشتي…
“لأول مرة نمنح الحلم شرعية الحب “
-2-
“من ذاكرة الموت”
ذات ليلة اشتد فيها وطيس الألم فتحت صفحة بدت بشساعة اللحظة التي تؤرق الحرف..كتبت وهي تنازع..”إني راحلة،لاتبحث عني إن غبت فأنا الآن أسير على مهل إلى بوابة اللاعودة،إن أحشائي تنصهر يعلم الله أن ألمي لايطاق ولست أدري أهو ألم الفراق أم ألم الجسد،كل ما أعلمه اللحظة أننا لن نلتقي ولن ألومك مطلقا إن أنت تجاهلت رسائلي فحيث سأرحل لن يكون بريد ولا ساع يوصل لومي لعتباتك،لي طلب أخير..لاتنساني..لاتنساني”
مرت فصول وهي تقاوم وأنت لاتدري عنها شيئا ولم تحاول أن تبحث عنها فقد بدت لك رسالتها كصك الغفران أنزل عن كاهلك ثقل حبها الذي يقض مضجعك،كم كنت مرتاحا في غيابها وكم كانت تئن كلما فكرت أنك قد تكون تائها بدونها ،يا لسخرية القدر ..حين عادت من الموت أرسلت لك تطمئنك أنها قد نجت وأنت ماذا فعلت لتمسح حزنها الذي تناسل في الغياب وصار قبائلا وشعوبا من الوجع؟؟
أخبرتها ببساطة أنك ظننت أنها تهجرك ..هل هذا سبب يجعلك تمسح كل ما يتعلق بها من صفحة وجودك؟
هي التي حملتك بين ضلوعها وفي نظراتها وكانت تشفق عليك من الألم كلما اكتوت بنيرانه ظنا منها أنك تشعر بوجعها
حين كانت تسلم نفسها لمشارط الجراحين كنت أنت تسلم قلبك لكل عابرة تمنحك لذة اللحظة
ما أسوأ الحب حين يكون نصفه الميت عبئا على نصفه الحي..
هي عادت وأنت ما زلت تسكن في الغياب.
-3-
… ظنون.
طفلي تنتابه نوبة رعب من ملامحي التي صارت لاتنفرج..ظله يهرب من قسوة حضوري..إيه أيتها المسافات لم نعد نرتدي إلا الفراغ والجحود وننتعل الصبر باليا نرتقه عند كل منعطف..والغجري يرقص فرحا..ألم أقل لكم أني أنا من صنع هذه المختالة حرفا..قد فر منها البوح فلتعقل نصا يمزق أرصفة الجمود…
وأعود لظن يوشك أ ينجب شكا يقينا..إن الذي يحتل رفوف الذاكرة يمينا وةشمالا جنوبا وشرقا غربا واتجاها اخر قد اسميه اليسار خونن ..سحا انه يخونني ..هكذا اخبرني ذات استفزاز_تعجبني التي يشبه اسمها اسمك النافر..هل هي رفيقة وجع أو متبرجة تشد شباكها عند كل زفرة ونبضة؟
أشرد بعيدا..خائن..خائن أصرخ بكامل انوثة ظلت منفية بين لون مارس الظلام وخيمة فضفاضة تشغل كل الفراغات التي يتركها الجسد النحيل..سحقا انه يخونني
_وأنت متى كنت له وفية..تهمس اللئيمة التي تسكنني
أنفض عن كاهلي بعض التعب..وأمنح للمرآة نظرة يشتهيها غروري ،أركض بكامل وهني في أرجاء القفص..أدندن ..أرتب نتفا من الألم ..أكو قميصا قد ألبسه ذات بروز للعدم…أحرق طرف صفحة يغيظني بياضها السافر..أعود لركن قصي أجلس القرفصاء وأراقب جحرا حفرته بأنامل الغرور ذات حب ،شء ما يشبه ما لايشبه أ شيء يشبهني ..مقرف كالصديد..سحقا قد يكون دما..لونه ….لالون له ولا شكل ولا طعم يشبه ما يشبهني حربائي قد يأخذ شكل نص قديم د يشبه شذرة ومضة أو فاصلا حترف الذوبان على صهوة الوقت…………….
_من أكون؟
ألم أخبرك بالأمس من تكون؟
انت كنت كيفما شاء لك رب العشق ساعتها ان تكون..قربان للذي يرفض اخلاء كل السطور ..محتشد بين الحرف والحرف..حرفا يشتهي الموت حبا في الحب…
أدرك أني قاسية حين أترك ظله يتلبسك فقط كي أشعر أني وإن لاقدر الوقت فقدت أثره أجده فك وإن تمثلا..أدرك أني لئيمة حين أستدرجك إلى شباك حزني فقط كي أتسلل من جعبة الخوف..إنه يأسرن
_أخاف أن أرحل قبل أن أراك
_سنلتقي إركل الخوف مسافة حب ..سنلتقي
دائما يجد عذرا للغياب وأنا المصلوبة انتظارا لاأجد عذرا لي أمامك..أعرف أني أيضا أخون ..وأخون
يؤلمني صوتك حين ترتل اسمي زهوا وأنا ألوك خرائط الإقتران بالريح سهوا
للمرة ال….أنا ما زلت أعشق الذي يحمل حقائبه كل فجر ويتركني للضياع
ما زلت أتوهم عطره على الوسائد..
لمساته في تجعدات الشراشف
رذاذ أنفاسه على تضاريس الجسد
-4-
ترهااااااااااااااات
ما أسخفك تحرقين لهاثك افتراضا
إكرام الحرف وأده قبل أن يستحيل جثثا من المعاني المتعفنة في انتظار عابر يزيح عنها الغبار
**يمزق البرد أناملي
ومن الطرف الآخر هائم يرسل باقة ضحكات**
شيء ما يكدر صفو الهدوء الكاذب الذي أتمترس خلف ستائره كارهة لحنا صاخبا يتمدد بلؤم داخل أسماعي ،ما كنت لارفض النوم لو حاول مغازلتي فما احوجني للهرب من هذا الشعور بان شيئا ما..وجعا ما على وشك الحصول
_لاتكوني متشائمة
_ثمة فرق بين الحزن والتشاؤم
_احاسيسك تشبه مزاجك متقلبة ومتناقضة
_ما عساني أفعل؟
_تبدي على غير عادتك مستسلمة
_ليتني أعلم كيف أمنحني للصمت..مللت من كل ما يحيط بي
_دندنة
_قد أطلقت سراحها منذ أن أخبرني أن دندناتي تضايقه
_مستسلمة…
_أو أني أمنح هدنة لنفسي
_مستسلمة..
-5-
يوميا إمرأة
تتقلب على جمر الهموم.. تبصق سخطها على الوضع.. كما يبصق أبي التبغ من فمه…. تعدل جلستها… تستند إلى مخدة تئن من ثقل أوجاعها… تلعن الوقت… والحظ… والعمر الشاحب…. تسعل بحدة حتى تدمع عيناها الغائرتان…. تعدل جلستها للمرة الألف… لا تفارق نظراتها التلفاز… أهمس لنفسي…. ماذا لو صرت مثلها؟؟؟
أنا التي لازلت احلم بغد أفضل… لان ما مضى من فصول تسكن العمر كانت خريفا… نفضتها الرياح.. أسكنت عريها مدن الضجيج….
أهمس لعابر يرنوا إلي … ربما كنت بانتظارك… ربما كنت ابحث عنك….
تعقد الدهشة لسانه…………..
ابتسم.. أعود أدراجي وأكمل السير عكس وجوده…..
لازالت تصرخ.. وتزداد التجاعيد حول فمها كلما ناحت … تخنق حبات الورد بين أناملها المتعرقة… تعدل جلستها….
أفكر.. كم فصلا بعد لأصل لما وراء العويل..حين يقفز القلب من دماء العشق لهذه الحياة؟؟
يستوقفني العابر ذاته…كم تشبهين دفئ الشمس يخبرني….انظر إلى الأفق..لا شمس .. بل غيوم تهدد بالسقوط… أشيح بوجهي..اهمس وأنا ابتعد…ثمة صقيع يسكن جيوب القلب…لا تقترب…لعنتي تحيل المتسكعين في محيط وجعي إلى تماثيل شمع تحرقها زفرات الليل المرتد عن شعري….
تقف بعد تعب من تعديل وضعية الجلوس… تهتز الأرض من هيبة خطواتها … تمر بي .. أتعمد أن أغض البصر… نظراتها تؤلمني.. اسأل نفسي … ماذا لو صرت مثلها؟؟
لازلت أبحث عنك… أهمس لتيار من الدفء مر ذات سهو وأنا ألوك الحظ مثلها.. وأبصق سوء الحظ…كي لاأكون مثلها….
تقف ويداها خلف ظهرها… تسند تقوسا تركه الزمن .. هي لا تعترف بالعمر .. تقول بالأمس فقط كنت بمثل عمرك… ألف هذه الدنيا حول أصابعي… تبا للوقت .. كم يمضي سريعا!!!!
أبتسم… لازال في العمر تجاعيد تنتظر الزمن ليقول حكمته.
اللوحة للفنان العالمي “كلود مونيه”