أمينة بريمكو
المرأة هذا الكائن، الذي يصّر أن يحول نفسه إلى موضوع، بينما هو في الأصل اللبنة الأولية لصناعة الحياة على هذا الكوكب، والكائن الأكثر تألقاً، ونبلاً في الوجود.
ترى أية جريمة ارتكبتها ضد الحياة، والموت، والله؟
لماذا خصصت كل الأديان السماوية، تعاليمها لإدانة هذا الكائن؟
أي مفهوم أعمى يجعلها ناقصة عقل ودين؟
لماذا لم تخلق لشهوة الطيران؟
لماذا عليها أن تدمى إنسانيتها في كل لحظة من حياتها؟
أسئلة معتمة تحيك قميصاً شاحبا، لخاصرة هذا الكائن القلق، الذي يرتعش خوفاً، بينما التاريخ، يتحول إلى سيّاف، يحز مئات المفاهيم الجامحة، التي تحط من قدر وقيمة مفهوم الأنوثة.
في نهاية الشهر التاسع، قمت بزيارة إلى منطقة عفرين، وتحديداً إلى احد القرى المجاورة، بعد سماعي قصة شاحبة، تكرر كل فترة في هذه المناطق الفقيرة النائية. والقصة هذه تشبه جميع القصص التي تهين الإنسانية، وتصيبها بالعجز.
سمعت عن مقتل فتاة في التاسعة عشر من عمرها، بعد أن اكتشف شقيقها بأنها حبلى.
قمت بزيارة لأحد أقرباء الفتاة، وعرفت منهم بالحادثة المشينة، فيما بعد حاولت أن ابحث عن قصص مشابهة، وإذ بي أمام جرائم بحجم الحياة.
حاولت أن ازور أقرباء بعض الضحايا، أصبت بدهشة عظيمة، حيث هناك فئة من الضحايا قد تم قتلهن بدون ذنب، فقط لأنهن تمردن على وضعهن.
التقيت بأقارب إحدى الضحايا. “ف.ح” امرأة صغيرة، تضئ سمرة، أم لثلاثة أطفال، تعيش في فقر مدقع، في مدينة حلب، حي الاشرفية،” ف” المرأة التي احتضنت التراب، وهي ملطخة بتهمة أخلاقية من قبل جلاديها، دون ذنب اقترفته.
فكرت كثيراً لماذا أثير زوبعة إعلامية عن امرأة راقدة في قبرها. ترى هل لأن قصتها، تشبه قصص تحدث كل يوم في هذه المنطقة، التي تكسوها لمحة قاسية من العادات الاجتماعية البالية، ربما أن للمجرمين الذين لطخت أياديهم بدماء نساء الأبرياء. لم يعرفوا بعد بأنهم ارتكبوا جريمة، وعليهم أن ينظروا طويلا إلى وجوههم القبيحة ليكتشفوا الدمار، والقبح البشري الذي يلون أرواحهم.
“ف” تم تزويجها من ابن خالها، وهي طفلة في الثانية عشر من عمرها، توجت طفولتها بثلاثة أطفال، دون أن تعلم معنى الأمومة، وعندما ضاقت بها الحياة، وقبل أن تهرب من أهلها قامت بتسجيل صوتها على جهاز تسجيل، تحكي حياتها البائسة، تقول وهي تغني :” ما ذنبي يا أمي بأنكم زوجتموني لرجل لا أحبه، وأنا ما زلت طفلة، ما ذنبي أن أنام مع أطفالي في غرفة صغيرة، الفقر كافر يا أمي، لماذا ترفضون أن تطلقوني منه؟ لماذا تخافون المجتمع؟ أموت كل يوم ألف ميتة، يا أمي أرجوكم أنقذوني”.
بعد أن اجترت “ف” حزنها وألمها تترك أطفالها عند أمها، تهرب إلى إحدى صديقاتها ظناً منها بأنها ستنجو، ولن تدفع ضريبة تمردها.
بعد غيابها بيومين، يكتشف والدها مكان تواجدها، يجرونها كخروف في صبيحة العيد ينفرد بها شقيقها و زوج شقيقتها ووالدها، ويضربونها ضرباً وحشياً، حتى وافتها المنية. يتم نقل جثمانها إلى المقبرة، وهناك يسدد أبوها مسدسه على جبينها، ثم يخبرون الشرطة بأنها قضية شرف، حتى لا يسجن احدهم أكثر من ستة أشهر.
يجتمع الناس ويصدقون القصة، التي ألفها جلادوها، تدفن بثيابها دون غسل الجثة، لم يسمح لأطفالها بالبكاء عليها … كتموا صرختهم، ما زالوا يخافون البكاء، ما زالوا يشعرون بان أمهم دفعت ضريبة تمردها، وعقابها كان من البديهيات.
أمثال “ف.ح” يقتلن تحت أحذية العار، و الجلادون يرفعون راية غسل العار ظناً منهم أنهم أبطال.
أية بطولة في قتل فتاة في الخامسة عشر بفأس؟
قصة أخرى لها لون الدم القاتم، في قرية أخرى من قرى منطقة عفرين، بعد أن يعلم احد أشقاء “ن.ص” بان شقيقته اعترفت لوالدتها، قبل ليلة زفافها، بأنها لا تستطيع الزواج من عريسها، لأنها فقدت عذريتها مع الشاب الذي طلبها مراراً للزواج، ولكن إخوتها رفضوا تزويجها منه. يجرها أشقاؤها الخمسة إلى كرم الزيتون، علماً بان اصغر أشقائها طفل في العاشرة من عمره، ينهال أخوها الأكبر والأوسط عليها بالفأس، وهي تستنجد بشقيقها الأصغر، الذي ظل يرتجف خوفاً، و يركض وهو يهلوس بان جثة شقيقته تلاحقه. ظل يهذي بأنه يرى أشلاء شقيقته تلاحقه. وحتى بعد مرور سنتين على مقتل أخته، لم يتعافى هذا الطفل رغم أن الأهل عرضوه على كبار الأطباء في سوريا.
لا اعلم لماذا نحتمي بالقوانين؟
أية قوانين هذه ؟
عندما تقتل امرأة زوجها بدافع أخلاقي، يحكم عليها بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً بينما عندما يقتل الزوج، أو الأخ، أو الأب زوجته أو أخته أو ابنته بدافع أخلاقي، يحكم عليه بستة أشهر فقط ؟
أية عدالة هذه التي وظفت كل الشرائع والمفاهيم لصالح الرجل؟
أية عدالة إلهية تجعل من المرأة –الشيطان- حتى الشيطان نراه أكثر احتراماً لكونه مفهوم ذكوري، بينما نرى الأنوثة محنطة في آنية العار!
وليس عاراً كل هذا الجبن الذي يحيطهم، كل هذا الكذب والخداع والكراهية!
نشكر القوانين التي تساند الرجولة الشرقية.
نشكر الله الذي صنع الرجال في أحلك صورة.
نشكر الفقر والتخلف لأنه صنع الجريمة.
سوريا… حلب
اللوحة للفنان المصري: صلاح الأعسر