محمد الأعسر
“الكتابة النسوية” مصطلح أدبي فني ظهر في الستينيات من القرن العشرين لدى الغرب خصيصاً، وواكب ظهوره مرحلة الاضطرابات الطلابية العنيفة التي اجتاحت عددا كبيرا من بلاد العالم: فرنسا، مصر، الصين، إنجلترا، وغيرها. وكانت هذه الحركة هي التي أفرزت أبرز تجلياتها: في أمريكا (ظاهرة الأدب الاعترافي: سيلفيا بلاث، سكستون،…)، وفي بريطانيا (جرمين جرير،…)، وهنا وهناك.
بالنسبة للأدب العربي نرى أن الموضوع ليس جديا تماما، ولا يرتبط بمرحلة تاريخية محددة، بل ربما أثرت فيه وفي ظهوره عوامل أخرى: قد يكون عامل التحرر من سلطة الرجل إلى حد كبير، وقد يكون بداية مرحلة الحداثة في المجتمع العربي فكان أن ظهرت هذه التمردات على يد مجموعة من النساء مثل عائشة التيمورية ومي زيادة ثم نوال السعداوي وغيرها.
لكن هل يمكن أن نقتنع بمثل هذه الظواهر البراقة، التي ما أن تبرق حتى تنطفئ، فلا يصح إلا الصحيح، والأدب في النهاية هو الأدب بصورته الإنسانية سواء كتبه رجل أو امرأة. وكما قيل، فإننا نجد الرجل واقعا تحت قهر المجتمع والدين والسلطة السياسية، بينما المرأة واقعة تحت قهر المجتمع والدين والسلطة السياسية والرجل في نهاية المطاف.
لكني لا أعتقد أن ظاهرة “الأدب النسائي” العربي تعني شيئا كبيرا أو له قيمة، فالنصوص التي تكتب تحت هذا المسمى نصوص ضعيفة إلى حد ما، ويتم الترويج لبعض هذه النساء في الغرب مثلما حدث للكاتبة المصرية “أليفة رفعت” فقد كانت مؤلفاتها تطبع وتترجم خارج مصر أكثر من نجيب محفوظ نفسه، وثبت بعدها أن قصصها لا تستحق أكثر من ثمن الورق المكتوبة عليه.
وحين كنت أقوم بترجمة رواية “جاز” التي حازت جائزة نوبل عام 1993، كنت أقرأ كثيرا عن الكاتبة الزنجية الأمريكية توني موريسون صاحبة الرواية، فقد سألها أحد المتطفلين عن “الأدب النسائي” فما كان منها سوى أن انتفضت ترد عليه “لا أعرف هذه الظاهرة، فأنا أكتب عن الإنسان وللإنسان فقط.” وأعجبني هذا الرد حيث كان يعبر عما يدور بداخلي.
بالنسبة لي شخصيا، أجد أنني أحيانا أكتب جملة أعتقد أنها تنتمي إلى امرأة، وأحيانا أكتب جملة تنتمي إلى الرجل. لذلك لا ينبغي أن نطلق اسم هذه الظاهرة جزافا، فكل منا فيه من الجنسين بيولوجيا، وكذلك ضمن أجناس الكتابة، فلا أنت رجل كاملا لحظة الكتابة ولا امرأة كاملة، بل يمكن أن نقول بأن لحظة الكتابة فيها من الأنوثة أكثر مما فيها من جينات الرجولة، فأنت تستسلم لما تكتب كأنك تستسلم لحبيبة، وقد تعرض عنك الكتابة فتحس بأنك في عنة أو هُجرت. وهكذا قال العرب مصطلح “بنات أفكاري” ربما لكونهم يعرفون عن “نسوية” الكتابة أكثر مما نعرف حاليا.
في النهاية، لا يجب أن نحكم على الكتابة من خلال جنس من يكتب، بل من خلال قيمة ما تتم كتابته وهيئته ومضمونه ودلالاته المجازية والسردية، الخ. ولا يجب أن نعول كثيرا على النقد العربي في معظم صوره وتجلياته الآن، فهناك نقاد موتورون وهناك أدعياء، وهناك أيضا كاتبات جميلات غبيات دعيات، وكل ما يهمنا هو ألا نلقي للمسألة كبير أهمية، حيث لابد أن نخلي الساحة للجميل والنقي والأبهى من الكتابة لا إلى جنس من يكتب.
اللوحة للفنان: لويس ايكارت
خاص “شبكة المرأة السورية”