ترجمة: عبدالاله مجيد
يحاول ناشطون سوريون توثيق “الجرائم الجنسية” التي يقترفها جنود النظام وشبيحته بحق النساء، للفت نظر المجتمع الدولي، إلا أنهم يجدون صعوبات جمة، بسبب عادات وتقاليد المجتمع السوري المحافظ.
إعداد عبد الاله مجيد: ما أن أُفرج عن الشابة السورية من سجون النظام في إطار اتفاق لتبادل الأسرى مع المعارضة، حتى طلقها زوجها. وفي بيت أهلها، كانت نادرًا ما تغامر بالخروج. وحين اصبحت نظرات الأهل ايضا تكتسب طابعًا عدائيًا، قررت الرحيل إلى تركيا.
“الحفلة”
في تركيا، اتصل بها الناشط كريم صالح الذي يعرفها من فترة العمل معًا خلال الانتفاضة السلمية، بأمل توثيق ما تعرضت له في سجون بشار الأسد. لكنها رفضت الكلام، متسائلة عن جدوى الحديث عن محنتها وكيف يخدم قضية المعارضة.
وعندما وافقت بعد الحاح استمر عدة ايام، اكتفت بوصف ظروف الاعتقال بعبارات عمومية قائلة: “كان هناك الكثير من التعذيب”. وحين تُسأل عن صنوف التعذيب، كانت تجيب: “الكثير من التعذيب”.
لكن صالح لم ييأس، وظل يسألها إلى أن بدأت تتحدث عن اغتصابها بلغة محدَّدة. قالت إنها وست سوريات أُخريات خُطفن من بيوتهن، ونُقلن إلى مقر أمن الدولة في منطقة سكنهن. وعلى امتداد 22 يومًا، كن يتعرضن للاغتصاب بالتناوب، وكان مسؤول المقر يدعو الجنود وآخرين إلى ما كان يسميه “الحفلة”. وبعد أكثر من عامين، لم تتحدث أي من الضحايا عن محنتها.
التحدي الأكبر
ينتمي صالح وزوجته نور الخطيب إلى مجموعة صغيرة من الناشطين الذين يواصلون توثيق انتهاكات النظام السوري لحقوق الانسان. ومنذ الأيام الأولى للانتفاضة في العام 2011، حاولوا توثيق كل حالة وفاة، وكل صاروخ وكل قنبلة، حتى في وقت بدا أن العالم لم يعد يكترث للدمار اليومي الذي يحدث في سوريا.
لكن توثيق الاعتداءات الجنسية هو التحدي الأكبر، لأن تقاليد المجتمع تفرض على أهل المغتصبة أن يدينوها لأنها جلبت لهم العار. ويكون همُّ الضحية وأهلها الحفاظ على شرف العائلة بدلًا من المطالبة بالعدالة وملاحقة جلاوزة النظام، لا سيما أن فرص مقاضاتهم معدومة عمليًا في اجواء النزاع والحرب.
عادة، تهرب الضحية أو تُطلَّق أو تُجبر على الزواج من رجل أكبر سنًا، لينتهي بها المآل زوجة ثانية أو ثالثة. وفي الحالات القصوى يقتلها ذووها غسلا للعار.
العدد أكبر
قال صالح لصحيفة لوس انجيليس تايمز: “هذا موضوع محرم الخوض فيه ولكن من الضروري أن نوثقه”. وتزايدت حالات الاغتصاب التي تتعرض لها النساء السوريات منذ بدأت قوات النظام وشبيحته يقتحمون الأحياء والمدن الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وتمكنت الشبكة السورية لحقوق الانسان من توثيق 4850 حالة عنف جنسي، أكثر من نصفها حالات اغتصاب. وكانت 40 حالة فقط تستند إلى اقوال الضحايا، والحالات الأخرى إلى افادات شهود. لكن العدد الحقيقي أكبر بكثير.
ولاحظت الناشطة سما نصار، التي أعدت تقريرًا قدمته إلى الشبكة الاوروبية ـ المتوسطية لحقوق الانسان، أن أهل الضحية يقولون: “ما جدوى التوثيق؟ هل ستعيدون لنا ابنتنا كما كانت؟”. وإذ يعيش ملايين السوريين في مخيمات لاجئين ينعدم فيها الأمن داخل سوريا وخارجها، يكون العنف الجنسي خطرًا لا مفر من مواجهته.
وتمكَّن صالح وزوجته من توثيق اعتداءات جنسية ارتكبها اعضاء في فصائل معارضة ايضا، لكنهما لم ينشروها خوفا من الانتقام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
آثاره تبقى
وكانت الخطيب نفسها أمضت عدة أشهر في سجن حمص المركزي مع عدد متزايد من الشابات، بتهمة العمل ضد النظام. كانت زنزانتهن بجوار غرفة التحقيق، فكن طول الوقت يسمعن صراخ المعتقلين وأنينهم تحت التعذيب.
وفي كل سجن تُنقل اليه الخطيب، كانت تجمع قصص سجينات. ومنذ الافراج عنها في كانون الأول (ديسمبر) 2012، قررت التفرغ لتوثيق حالات الاعتداء الجنسي على السجينات وتعذيبهن. وقالت الخطيب لصحيفة لوس انجيليس تايمز: “الاغتصاب أهم ما يجب توثيقه من الانتهاكات، لأن آثاره تبقى إلى الأبد. أما آثار التعذيب فتندمل”.
في تموز (يوليو) 2012، جاء حراس السجن بالناشطة الاعلامية سلمى إلى زنزانة الخطيب. وتتذكر الخطيب أن سلمى كانت في حالة هستيرية، آثار رضوض وكدمات جديدة على جسمها وشعرها مقصوص بطريقة عشوائية. وعلى امتداد اسبوعين، كان سلوك سلمى متقلبًا، تارة تهرف وتارة تتوسل طالبة مهدئات. وحاولت النساء الأخريات في الزنزانة تضميد جراحها وتهدئتها.
وبعد ثلاثة اسابيع، روت لها الخطيب ما حدث لها خلال الاعتقال والتحقيق بأمل أن تكسب ثقتها. وشيئًا فشيئًا، بدأت سلمى تروي ما حدث لها.
قتلها أهلها
قبل شهرين على اعتقال سلمى، خطفها شبيحة كانوا يغتصبونها ويعذبونها باستمرار. وفي النهاية سلمها الشبيحة إلى فرع الأمن المركزي. ونقلت الخطيب عن سلمى قولها أن جلاوزة النظام في الأمن المركزي علموا انها اغتُصبت، فاغتصبوها مجددًا.
وحين أُفرج عن سلمى بعد أشهر رهن الاعتقال، قتلها اهلها. وقالت الخطيب إن أهل سلمى لم ينكروا قتلها لأنها برأيهم قُتلت حفاظًا على شرف العائلة، مراهنين على نظرة المجتمع التي ترى أن قضايا الشرف لا تخضع للملاحقة القانونية.
وأكدت الناشطة سما نصار انها حاولت توثيق عملية اغتصاب جماعي ارتكبها جنود النظام في أحدى القرى حيث عثر الجنود على ثماني نساء على الأقل مختبئات في قبو وهناك اغتصبوهن وسمع اشخاص قرب المكان صراخهن. لكن نصار لم تتمكن من متابعة الحادث، لأن سكان القرية كانوا مرعوبين من انتشار خبر ما حدث لنسائهم، بل أن احدهم هددها قائلًا: “إذا ذكرت هذا الحادث سأقطع لسانك”.
ما الفائدة؟
وقالت نصار إن التوثيق يأتي بالمرتبة الثانية بعد مساعدة الضحايا بما هو متاح من وسائل محدودة، مثل عرض الضحية على محلل نفسي أو طبيب مستعد لاجراء عمليات اجهاض. ولاحظت نصار أن الضحايا احيانًا لا يروين ما حدث لهن إلا مقابل معونة نفسية أو طبية.
ويُسأل الناشطون في احيان كثيرة عن الفائدة من توثيق اعمال العنف الجنسي التي يرتكبها النظام. فخلال العامين الأولين من الانتفاضة كان السوريون يعتقدون بأن المجتمع الدولي سيتدخل إذا علم ما يجري في البلاد. ولكن بعد آلاف الصور وأشرطة الفيديو والمقابلات التي قُدمت إلى المجتمع الدولي دون جدوى، تبدد هذا الأمل.
المصدر: إيلاف