العنف ضد النساء في مراكز اللجوء
كانت ليلى تعيش في حمص، صبيّة في العشرينات، جميلة المظهر، طويلة القامة وماء النضارة والشباب في محياها. كانت تضجّ بالحياة والأمل، وروحها العاشقة للحياة والفرح ككلّ الصبايا اللواتي في عمرها. كان حلمها أن تدرس في الجامعة قسم اللغة الإنجليزية، وأن تصبح معلّمة في مدرسة المدينة القريبة من منزلهم. ولكنّ كلّ أحلامها تحطّمت بعد اندلاع الثورة في سورية، فقد تعرّض بيتهم للقصف إثر برميل من براميل النظام الأسدي، ونتج عن هذا القصف وفاة كلّ أفراد عائلتها، لم يكن لها أقارب تلجأ إليهم في محنتها. بعد هذه المصيبة قرّرت أن تهاجر كغيرها من السوريين والسوريات إلى أوروبا، ولحسن الحظّ كان لديها بعض الحليّ الذهبيّة، استطاعت بيعها لتأمين مصاريف السفر. كانت رحلتها محفوفة بالمخاطر فمن سورية إلى تركيا حيث استقرّت في مدينة إزمير ومن هناك ركبت أحد قوارب الموت، كان على متنه مئتان وثلاثون شخصاً مع العلم أنّ القارب لا يستوعب أكثر من سبعين شخصاً. مرّت بمعاناة ذاقت فيها كلّ أنواع العذاب من صعوبة ركوب الأمواج ورؤية الموت بعينيها، عندما غرق شاب عمره ثلاث عشرة سنة من الذين كانوا على متن القارب.
وصلت إلى اليونان وبالتحديد إلى جزيرة ليسفوس ومنها إلى رحلة طويلة عبر الحدود في أوروبا حتى وصلت إلى النرويج حيث قدّمت طلب اللجوء.
وصلت ليلى إلى النرويج صباح 17/9 /2015 وهناك عاشت ليلى في أحد مراكز اللجوء في النرويج وتحديداً في مدينة لارفيك. كان هناك الكثير من الشبّان والعوائل من جنسيات مختلفة، لم تكن ليلى تتوقّع أبداً أنّ أحداً من هؤلاء الشباب
سيغتصبها، لقد تعرّضت للتحرّش عدّة مرّات، إمّا بالكلام أو التحرّش الجسدي، وخاصة عندما كانت تقوم بإعداد الطعام في المطبخ المشترك بالمركز، كانت تحاول تجنّب التواجد معهم في نفس المكان، لذلك فضّلت أن تبقى في غرفتها طوال الوقت تفادياً للاحتكاك بهم و خاصة مع خالد.
خالد شاب أسمر، ممتلئ الجسم ممشوق القوام، كان يتباهى بلباسه الضيق الذي يظهر عضلاته المفتولة، أمّا أخلاقه فكانت سيّئة مع الجميع. كان في كلّ مرّة يراها لوحدها يهمس في أذنها بأنّه يرغب أن تزوره في غرفته ليلاً، ولكنّها كانت ترفض وبشدة، إلى أن التقت به ذات مساء في حفلة عيد الميلاد عندما احتفل المركز بهذه المناسبة، فقد اجتمع كلّ طالبي اللجوء وكان الكلّ سعداء لأنّ المركز قدّم لهم في هذه الليلة ما لذّ وطاب من الطعام بالإضافة إلى الهدايا للأطفال. استغل خالد فرصة انشغال الناس بأصوات الموسيقى الصاخبة وسحبها إلى غرفته عندما كانت في طريقها إلى غرفتها لجلب بعض الأشياء، أدخلها عنوة إلى غرفته وألقى بها على السرير و أقفل الباب، ثم جرّدها من ملابسها بقسوة، حاولت ليلى إبعاده عنها بكلّ قوّتها و لكن دون جدوى، لقد كان أقوى منها بكثير، كانت تصرخ بأعلى صوتها لكن لم يسمعها أحد لأنّ صوت الموسيقى في غرفته وفي صالة المركز كان عالياً جدّا. كانت رائحة جسده مقرفة ورائحة الكحول كادت تزكم أنفها، كانت مرمية على فراشه كالقطّة المذبوحة وهي تتلوّى من الألم طالبة منه أن يتوقّف، ولكنّه لم يستمع! وهذا هو آخر شيء تتذكّره من الاغتصاب نفسه..
عادت إلى غرفتها مسرعة وهي تجرّ قدميها جرّاً، لقد اغتصبها بشراسة وكسّر أضلعها بينما هي تقاوم اعتداءه. بعد هذه الحادثة المؤلمة غرقت ليلى بأحزانها، وكرهت الدنيا، كرهت جسدها و صارت تتهرّب من النظر إلى المرآة لأنّها تحسّ بالذنب مع أنّها هي الضحيّة، صارت مرعوبة من وجودها في المركز خوفاً من أن يعاود فعلته مرّة أخرى.
فكّرت ليلى عدّة مرّات أن تبلغ الشرطة عنه، ولكنّها كانت خائفة من الفضيحة في مركز اللجوء، وأن تكون فريسة لغيره من الشباب، كانت تخشى أذاه في حال اكتشف أنّها أخبرت عنه.
عانت ليلى كثيراً، وصارت تعاني من الكوابيس المتكرّرة التي أثّرت على صحّتها، فغدت شاحبة الوجه وأخذ وزنها بالتراجع. اضطرّت وبعد إلحاح من موظّفة المركز أن تزور طبيباً نفسيّاً، وهناك استطاعت أن تبوح بسرّها دون خوف لأنّ الطبيب كان امرأة. وبعد تشجيع من الطبيبة النفسيّة ذهبت إلى مركز الشرطة، وقدّمت بلاغاً ضد خالد، الذي تمّ سجنه عدّة شهور وتمّ نقله إلى مركز لجوء في الشمال النرويجي، مركز يُعتبر بحدّ ذاته منفى لكلّ من يعيش هناك.
أمّا ليلى فكانت غير مصدّقة أّنّها استطاعت الإبلاغ عن خالد، و أن تثبت لنفسها بأنّها شجاعة و أنّه من حقّها حماية نفسها من خالد وأمثاله، وأن تكون قصّتها عبرة لغيرها من النساء، وخاصة في النرويج ،التي تحمي حقوق المرأة في ظل قوانين البلاد المنصوص عليها في الدستور النرويجي، و هذا ما ينطبق عليها أيضاً.
هيام الشيروط
شبكة المرأة السورية