بين التغيير والانتظار
في سهرةِ فضفضة مع جارتي كشفت لي عن جروحها المزمنة.
قالت: اسمي أمل، يقولون لكلّ شخص من اسمه نصيب! وأنا كنتُ دائماً أطاردُ املاً ليربطني بالحياةِ بعد فشل انتحاري.
ذات ليلةٍ ابتلعتُ أدويةَ أمّي، وبدلاً من الموتْ بقيتُ نائمة لأربعة أيّام متتالية.
أنا البنتُ الخامسة لعائلةٍ فقيرة، كان أبي يصنعُ الحلوياتَ في المنزلِ ليبيعها على عربةٍ يدفعها بجسدهِ النحيل المثقل بهمومهِ. بعدَ عودتنا من لبنان البلد الذي هربنا إليه من السلطاتِ التي كانت تلاحقه لانتمائهِ لحزب معارض، بقينا في لبنان إلى يوم قُتلَ أخي ذو الستةَ عشَر عاماً برصاصة قناص في الحرب الأهلية اللبنانية. كنّا نسكن في غرفةٍ ترابية قديمة، تضيق بنا أنا وإخوتي الخمسة والمعاركِ اليوميةَ الدائرةَ بين أبي وأمي.
إدارة المدرسة وضعتني في الصفِّ الثاني بدلاً من الصفّ الرابع كنتُ أكبُر زميلاتي بعامين.
في الصفِ السادسِ باغتتني آلامُ الحيض الأوّل، ألم وخوف وخجل من زميلاتي ومعلّماتي، كنت دائمة الهروب من المدرسة حتى تركتها وأنا في الصفِ الثامن.
تقدّم لي العديدُ من الخطّابِ ورفضتهمْ، أنا الشابةٌ الشقراء ذات العيونِ الزرقاءْ صرتُ في العشرينِ أخافُ أن أكون كأمّي وأختي اللتين رفضتا الزواج بعد زواجهما الأوّل وطلاقهما السريع.
أختي الصغرى سلام وهي في الصفِ الثاني الثانوي وافقتْ على أوّلِ خاطبٍ لها، كان يكبرها باثني عشر عاماً من أسرة مستقرّة ماديّاً واجتماعيّاً، موظّف في إحدى الدوائرِ الحكوميّةِ، اشترطتْ عليه إكمال دراستها فوافق.
رغم إنجابها ثلاثةَ أولاد إلّا أنّها حصلتْ على الثانوية العامة، وأصبحتْ فيما بعد معلّمة.
حياة أختي المستقّرة شجّعتني على الزواجِ من أخ زوجها عندما تقدّمَ لخطبتي، بعدما بتُ أكره همسات الجارات وتلميحاتهنّ بأنّني سأبقى وحيدة دائماً.
كان عامل بناءٍ، يكبُرني بخمسةَ عشرَ عاماً، هادئاً يرغب بالبقاء في البيت، يحبُّ الأطفالَ، تزوّجنا وأنجبتُ ستةَ أبناءٍ. عند بلوغه سن الخمسين لم يعدْ قادراً على العملِ في البناءِ، بحثَ عن عملٍ في مجالاتٍ أخرى، لم يوفّق شعرَ بالانكسار وتحوّل إلى إنسانٍ غاضب بشكل دائم، أمّا أنا فوجدتُ في حياكةِ الصوفِ والصمتِ ملجئي والصبر دوائي.
إخوتي لم يقبلوا بتربية أبنائي ولن أتركهم لأكون مطلّقة.
كنتُ أخاف التغيير في حياتي، وأدركت أنّ اختياري كان خاطئاً، لأنّه كان هروباً من واقعٍ مأساوي.
قررتُ الانتظارَ على أملِ أن تتغيّرَ الظروف ويعود زوجي لهدوئه.
اليومَ بلغتُ الخامسةَ والستين من عمري، أولادي كبروا وتزوّجوا، أنجبوا أولاداً وبقيتُ وحيدةً مع الفقرِ وغضبِ زوجي ولا أملَ في أيّ تغيير.
راغدة ابراهيم
شبكة المرأة السورية