سلمى
أغلقتُ كومبيوتري بعصبيّة ومزاج متوتّر من مراجعتي لرسالة الماجستير التي أعمل عليها، لملمتُ أوراقي المبعثرة على سطح المكتب، وانسحبت تاركة خلفي غرفة المكتب. شهرٌ واحدٌ لتسليم رسالة الماجستير ولم أَنته، تلك الرسالة التي تحمل أوجاع وحكايات النساء.
وكلّما تقدمتُ في البحث وسمعتُ قصصهنّ ومشاركتهنّ في الورشة التي أعمل عليها، لإتمام رسالتي شعرتُ بكارثية الوضع الذي نعيشه نحن نساء العالم.
لا أصدق ما قالته لي اليوم إحدى الفتيات:
“عمري ٢٥ عامًا، اسمي شغف، حياتي لا تشبه اسمي على الإطلاق، لا أعرف لماذا حمّلني والدي هذا الاسم، وهو يشبعني ضرباً وظلماً، هل هذا هو شغفه؟!
ما أقسى ذلك!
متعَبةٌ أنا، وأفكاري مشوّشة، ربّما يجب عليّ التوقّف والخروج من المنزل وترك تلك الشاشة التي تعجّ بالأخبار الحزينة، نعم سأذهب إلى عيادة سلمى قبل أن تغادرها.
أحاديثي مع سلمى تعدّت مرحلة دكتورة ومريضة؛ فمنذ سنواتٍ أصبحنا صديقتين داعمتين لبعضنا بعضاً ونعمل معاً من أجل هدف واحد، هو دعم النساء ضد العنف الموجّه إليهن.
سلمى صديقة محبّة وإنسانة مرهفة الحسّ بتعاملها مع الآخرين.
ولعلها تكون قد انتهت من إعداد التقرير الطبيّ النفسيّ الذي طلبته منها ليكون ورقة إضافيّة لرسالة الماجستير.
فور دخولي المبنى، سمعت أصوات صراخٍ وبكاء، أكملتُ الصعود وزادت الأصوات قرباً، فتأكّدتُ أنّها صادرة من عيادة سلمى، لم أستوعب ما يجري هل هو صراخ أحد المرضى؟
تكرّر الأنين وزاد الصراخ، وعلت أصوات تكسير وارتطام أشياء على الأرض،
ارتبكتُ، ماذا أفعل؟ كان الباب مغلقاً، ولم أميّز صوت سلمى مع كلّ الصراخ المتكرّر. طرقتُ الباب بكلتا يديّ وقرعتُ الجرس، فهدأت الأصوات لثواني، ثم علا صراخ غير مفهوم وغير واضح بالنسبة لي. وقفت مكتوفة اليدين لا أعرف ماذا أفعل!
أنا لا أعلم الكثير عن حياة سلمى الخاصّة؛ كلّ ما أعرفه أنّها غير متزوّجة وما زالت تعيش في بيت العائلة.
تردّدتُ بالاتصال بالشرطة من أجل سمعتها كطبيبة!
عدتُ لقرع الجرس مرّات ومرّات، لكن لا أحد يجيب! ازداد الصراخ وارتفع صوت ارتطام الأشياء، وأصبحت الأصوات مفزعة.
هل هم مرضى؟!
هل تتعرّض سلمى لعنف؟
هل لديها حبيب، صديق، أبوها، أخوها؟
هل هم من يعنّفونها في الداخل؟
تواطأت مع نفسي المتردّدة وعدت أدراجي إلى البيت وأنا أحاول الاتّصال بها، ولكنّ هاتفها المحمول كان مغلقاً، حاولتُ مرّات عديدة الاتّصال بالعيادة، لكنّ الاتّصال كان يأخذني إلى المسجّل الآليّ.
بكيتُ وبكيت لأنّني عاجزة، لأنّني لا أفهم ماذا يحدث هناك، وهل من حقّي أن أبلّغ الشرطة؟ كنت خائفة وحائرة ومشوّشة.
جلست إلى مكتبي بين أوراقي أبكي وألوم نفسي إلى أن غلبني النوم من شدّة التعب والقلق والأسئلة التي تدور في رأسي.
استيقظتُ على الضوء القادم من النافذة، وأنا نائمةٌ على كرسيّ المكتب، هرعتُ أمسك هاتفي وأعاود الاتّصال بالعيادة وأتواصل مع سلمى، ولم أتلقَّ أيّ جواب.
أعددتُ فنجانًا من القهوة لأعيد ترتيب أفكاري، فتحت هاتفي المحمول على صفحات السوشال ميديا، فوجدتها مزدحمةً بخبر مقتل الدكتورة سلمى في عيادتها الليلة الماضية، ولم تُعرف إلى الآن أيّ تفاصيل.
شعرتُ حينها بلزوجة القهوة وسخونتها على يدي.
وسمعت أصداء روحي تردّد أغنية فيروز
سلمى حلوة ساحرة
سلمى نسمة عاطرة
سلمى وردة زاهرة
سلمى
رنا العش
شبكة المرأة السورية