الصمت
في مكان ما من مجاهل الحياة، التي يُخفي الصمت والنسيان فيها الكثير من الألم والأذى،
يقع بيت صغير متواضع في مدينة السويداء السوريّة يضمّ عائلة من أب وأمّ وأربعة أبناء،
غير أنّ هذا البيت تكاد لا تخفي جدرانه أهوال ما يحدث فيه من تباين مرّوع بين أب مدمن للمخدّرات عابث بمسؤوليته تجاه عائلته، وأمّ تحاول جاهدة أن تقبض على أعمدة البيت المتداعية التي لا ينفكّ هذا الأب المدمن أن يهدّها تباعاً.
في غيابه فترات طويلة خارج البيت ليمارس إدمانه مع نظرائه في جوّ موبوء، تاركاً بالكامل مسؤولية إطعام الأولاد وتوفير مستلزماتهم للأمّ البائسة هذه التي لا تقوى على العمل، فاضطرت لأن تعمل مع ابنتها الكبرى في أشغال يدويّة نسائية منزليّة، متل شكّ الخرز والتطريز بالتعاون مع ابنها المراهق الوحيد بين ثلاثة فتيات صغيرات، دخل سوق العمل رغم كونه طالباً، كي يعوّض غياب هذا الأب المستهتر عن تأدية واجباته،
وهذا الأب غالباً ما يحضر إلى البيت في فترات متقطّعة، كي يمارس العنف غير المبرّر ضدّ الزوجة والأولاد، فلو كان مزاجه عالياً يجبرها على التزيّن والسهر، وإن كان مستاء إثر انقطاعه القسريّ عن تناول المخدّرات لعدم امتلاكه المال لشرائها، يضربها هي وأطفالها النائمين.
وتكون النتيجة في كلّ مرة أذى نفسي وجسدي يطالها بفعل النوبات الجنونيّة لهذه المادّة الخطيرة في دمه دون أدنى شفقة أو رأفة بها، في سلوك تمتنع عنه الحيوانات.
قد تكون الخيارات الأخرى ضئيلة أمام هذه الزوجة المسكينة، ولكنّها رغم كلّ ما تعرّضت له “ولازالت” على يد هذا الزوج المتوحّش، تحاول ما استطاعت إيجاد توازن ما داخل البيت حيث لا خيار آخر أمامها إلّا المكوث فيه وتحمّل المسؤولية هذه المصحوبة بالعنف الجسديّ واللفظيّ طوال الوقت، أو مغادرته إلى عائلتها تاركة مسؤولية الأولاد والبيت بالكامل لهذا الزوج.
حيث يشترط الأهل ترك الأولاد لوالدهم، نتيجة الفقر، وتحميله المسؤولية.
لذلك اتخذت قرارها بالفعل، بأن تبقى وتتحمّل كلّ هذا الأذى من أجل أولادها وفي داخلها ويقينها أنّ الحال سيتبدّل إلى الأفضل، وأنّ الأولاد سوف يكبرون عمّا قريب ويشقّون طريقهم في الحياة، وأنّ هذه المأساة سوف تنتهي حتماً.
وكلّ هذا رهن قدرتها على الاحتمال، وأنها رغم كل ما تخفيه الأيام من ألم وأذى سوف تكون هي الجدار المتين والوحيد الذي يحمي أولادها من قسوة الحياة إلى أن يشتدّ عودهم..
وحينذاك سوف يمكنها أن تبكي وتصرخ وتضحك من القلب، لأنّها لم تستسلم يوماً.
لا يمكن نسيان سعاد وهي تتنهّد وتقول:( بكرى رح يكبروا الولاد وبقوى فيهن، ورح يشتغلوا وينجحوا ومنشبع الخبز، الذل ما راح يدوم طالما الأولاد عم يكبروا)
أريج نعيم
شبكة المرأة السورية