Search
Close this search box.

دائرة مفرغة للعنف، حكاية سارة عن النزوح والخوف 

دائرة مفرغة للعنف، حكاية سارة عن النزوح والخوف 

دائرة مفرغة للعنف، حكاية سارة عن النزوح والخوف 

 

يمثل العنف ضدّ النساء في إدلب قضيّة خطيرة ومعقّدة، تفاقمت نتيجة الحرب المستمرّة والأزمة الإنسانيّة في سوريا، فمنذ اندلاع النزاع، تعرّضت النساء في إدلب لمجموعة متنوّعة من أشكال العنف، بما في ذلك العنف الأسري، والعنف الجنسي، والاستغلال الاقتصادي، فضلاً عن تزويج الطفلات، والزواج القسري عبر إجبار فتيات أو أرامل بالزواج من أحد الأقرباء كابن العمّ أو ابن الخال أو أخي الزوج المتوفّى أو برجال كبار بالسنّ وغير ذلك.

 

العوامل التي ساهمت في تصاعد العنف ضدّ النساء عديدة، وتشمل تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وانتشار الفقر، والتفكّك الأسري الناجم عن النزوح واللجوء، بالإضافة لسيطرة الفصائل المسلّحة والجماعات المتطرّفة في المنطقة التي أمعنت في تقييد حرّيات النساء وفرض قيود صارمة على حياتهنّ، ما عزّز الأدوار التقليديّة القائمة على التمييز بين الجنسين.

 

وزاد غياب آليّات حماية فعّالة وضعف القوانين المتعلّقة بالعنف الأسري من معاناة النساء اللواتي يواجهنَ في كثير من الأحيان  صعوبة الوصول إلى المساعدة القانونية أو الدعم النفسي والاجتماعي.

 

“سارة ” (اسم مستعار)، وهي امرأة في أوائل الثلاثينات، واحدة من تلك القصص المؤلمة التي تعكس واقع العديد من النساء المعنّفات، فبعد أن فقدت منزلها جرّاء الحرب، وجدت نفسها تعيش مع زوجها وأطفالهما الثلاثة في مخيّم مزدحم على أطراف مدينة إدلب.

 

تترنّح جدران خيمتها المتهرّئة تحت وطأة الرياح، وتفوح من أثاثها رائحة الرطوبة التي تتعلّق بأنفاسهم كذكرى للبرد والمطر، خيمة تفتقد الأمان والخصوصية، وأبسط مقوّمات الحياة، ومع ذلك، أصبحت هذه الخيمة كلّ ما تملكه سارة وعائلتها.

 

تركت سارة خلفها كلّ شيء، كلّ ذكرى عزيزة، كلّ ملامح الأمان الذي كان يحتضنها، لتجد نفسها في عالم جديد حيث تغيّر الناس، وتحوّلت وجوههم إلى ظلال قاتمة، حتى زوجها لم يعد ذاك الشخص الذي تعتمد عليه بل تحوّل فجأة إلى شخص آخر لا تعرفه. 

 

أصبحت سارة ضحيّة للغضب الذي لم يكن لها ذنب فيه، غضب يندفع كرياح عاتية، تسحق كلّ ما تجده في طريقها، وتتركها مكسورة، متعبة، مرهقة، ومذعورة، كانت كلّ ليلة بالنسبة لها كابوسًا مؤلماً، وكلّ صباح معركة جديدة مع الخوف والقلق.

 

تجد سارة نفسها أمامه بلا حول ولا قوّة، تحاول جهدها أن تحمي أطفالها من غضبه، وتهدّئه كي لا تتحوّل خيمتهم إلى ساحة للعراك، ومع كلّ مشادّة، كانت قسوة كلماته تجرحها وتترك أثراً عميقاً في نفسها المتعبة.

 

تعاني سارة بصمت، فزوجها الذي فَقَدَ عمله وأرزاقه بعد النزوح، وبدأ يغرق في الإحباط والغضب، تتزايد حدّة نوبات غضبه يوماً بعد يوم، ولا تتوقّف عند مجرّد الكلمات الجارحة، بل تعدّتها إلى الإيذاء الجسديّ، الذي تحمّلته لأجل أطفالها، على أمل أن  تتحسّن الأمور، فلا أحد تلجأ إليه.

 

ومع زيادة الضغوط عليها، بدأت سارة تشعر بثقل الحياة، وكيف تعيش حياة مزدوجة، ففي النهار، تبتسم لأطفالها كيلا تشعرهم بمأساتها، وفي الليل، تئنّ تحت وطأة الآلام الجسديّة والنفسيّة التي تصيبها بسبب تعنيف زوجها. 

 

في إحدى الليالي، تصاعدت الأمور بشكل كبير حين تعرّضت سارة للضرب المبرّح بسبب خلاف بسيط حول الطعام، حاولت الهروب، خرجت من خيمتها باكية، بدا العالم بالنسبة لها سواداً كالحاً، لم تكن تمرّ بوجوهٍ مألوفة، كلّها غارقة في مآسيها الشخصيّة، لم يكن هناك أحد يعرف قصّتها، ولم يعرف أحد حجم الألم الذي تحمله داخلها، مضت في طريقها، تفكّر في كلّ شيء، كانت تعي أنّ العنف لا يجب أن يُقبل أو يُبرّر تحت أيّ ظرف، ولكن عدم وجود مكان آخر تلجأ إليه، وخوفها على أطفالها من بطش أبيهم أجبرها على العودة محمّلة بالخوف واليأس.

 

 في المخيّم، كانت سارة تسمع عن قصص مشابهة من جاراتها، اللاتي واجهنَ نفس القسوة والمعاناة دون وجود حلّ حقيقيّ لمأساتهنّ، المساعدة محدودة جداً في المخيمات، وتنعدم المراكز المتخصّصة بدعم النساء المعنّفات.

 

بعد عودتها مكسورة في تلك الليلة جلست سارة في زاوية خيمتها الباردة، تحدّق في الجدار القماشيّ المتهالك، حيث تتقاطع شقوق الجدران القماشيّة مع تلك الشقوق التي تشبه إلى حدّ ما شروخاً في روحها.

 

وسط كلّ هذا البؤس كانت سارة بحاجة لمن يستمع إليها، لا يقاطعها، يعطيها كامل وقته، لتسرد كلّ تفاصيل القصّة وحجم الألم العميق الذي تعيشه، كانت بحاجة لمن يخاطبها قائلاً “سارة، لا أحد يستحقّ أن يعيش في هذا العذاب، نحن هنا لنقف إلى جانبك ولننهِ مأساتك” وفجأة تعي سارة أنّ ذلك لم يكن متاحاً، وبدلاً منه آثرت سارة التحدّث إلى جاراتها الغريبات للحصول على بعض النصائح والدعم النفسي، لكنّ الموقف كان يبدو كحلقة مفرغة لا نهاية لها.

 

لم تكن قصّة سارة فريدة من نوعها، إذ إنّ العديد من النساء في مخيّمات إدلب يواجهنَ العنف الأُسَري بشكل يوميّ، دون وجود سبل حقيقيّة للحماية أو العدالة.

 

هاديا المنصور 

شبكة المرأة السورية 

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »