سوسن دحمان
التعليم هو احد حقوق الطفل الاساسية التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل التي وضعتها حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، وهو حق أساسي مثله مثل الصحة والغذاء.
لكن في ظل الحروب والنزاعات، يدفع الأطفال الثمن الأكبر، كونهم الحلقة الأضعف في المجتمع. ومن هذه الأزمات والحروب والنزاعات التي اثرت بشكل كبير على الأطفال ما حدث ويحدث في سوريا. فعندما دارت رحى الحرب اضطر الناس للهرب من القصف والتشريد والدمار الى بلد اكثر امنا، مثل تركيا، التي استضافت عدداً كبيراً من اللاجئيين السورببن لقربها من الحدود السورية. ومع ذلك واجه الأطفال السوريون في تركيا العديد من التحديات التي أثرت على فرص تلقيهم التعليم، منها سوء الاوضاع الإقتصادية والمعيشية وفقدان المعيل والنزوح، بحيث اضطر العديد من الأطفال الى عدم الالتحاق بمقاعد الدراسة، وذهبوا بدلا من ذلك إلى ورش العمل، ليساعدوا في تأمين سبل المعيشة الأساسية.
وهكذا يجد الاطفال انفسهم مضطرين للعمل من اجل مساعدة عائلاتهم بدلاً من الالتحاق بمقاعد الدراسة، تقول السيدة ليلى: “قلبي يؤلمني عندما ارى ابني البالغ من العمر 15عاما يستيقظ مبكرا والنعاس يغالبه كي يلتحق بورشة العمل مكرها وعلامات الاجهاد والتعب تظهر عليه، في الوقت الذي يذهب أقرانه الى مقاعد دراستهم، فهو يعمل في ورشة خياطة في المنطقة الصناعية”. وحدثنا عمر عن عمله وكيف اختار مهنة الخياطة مبينا كيف ترك مقاعد الدراسة بسبب سوء اوضاع اسرته وفقد المعيل بسبب الحرب، لذا كان لزاما عليه مساعدة اسرته. وبات حلمه امتلاك ورشة خياطة بعد أن يصبح خياطاً ماهراً.
ويتقاضى عمر أجراً زهيدا مقارنة مع العمال لصغر سنه، لا بتناسب مع اجور العمال. وقد خصص هذه الاجر لمساعدة عائلته ووالدته التي تعمل بسبب فقدان والده. يقول عمر: “لقد واجهت الكثير من المتاعب والمصاعب في العمل، ساعات العمل الطويلة والأجور متدنية، وهناك صعوبة في الاندماج لعدم معرفتي بثقافة المجتمع المضيف”. ومن ضمن التحديات التي واجهت الأطفال السوريين في بلد اللجوء هي تعلم اللغة التركية، حيث يجدون صعوبة في الاندماج في النظام التعليمي التركي، فهذه الصعوبات اللغوية يمكن ان تكون عائقأ اضافياً أمامهم، ونظراً للظروف الأقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأطفال وعائلاتهم يكون من اىصعب عليهم الوصول الى فرص تعليمية جيدة.
لا توجد تقديرات دقيقة لعدد الاطفال السوريين العاملين في تركيا، لكن الناشط الحقوقي طه الغازي يشير إلى تقارير هيئات ومنظمات غير حقوفية مختصة بقضايا العمال منها مجلس السلامة والصحة المهنية، حيث ورد في تقرير الأخير أنه بلغ عدد الاطفال القصر في سوق العمل في تركيا ٢ مليون طفل منهم مايقارب ٣٠٠ الف طفل سوري لاجيء. ويردف إنهم يعملون في ظروف قاسية غير انسانية، ومن القطاعات التي يعمل فيها الأطفال السوريون قطاع صناعة الاحذية والملابس والصناعات النسيجية.
وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٠ تشرين الثاني / نوفمبر لعام ١٩٨٩ذات قيمة خاصة لأنها تؤكد على ضرورة ضمان وحماية كل طفل. وقد صادقت تركيا على هذه الاتفافية عام ١٩٩٥، حيث تنص المادة عشرين من الاتفافية على ان لجميع الأطفال الحق في تلقي التعليم مجانأ.
وفي هذا السياق التقينا بالطفل نزار الذي لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة بسبب سوء الاوضاع المعيشية التي تمر بها اسرته، فوالده توقف عن العمل بعد زلزال تركيا، مما اضطر نزار للعمل في معمل احذية، حيث يذهب باكرا الى عمله يحمل معه زوادته، ويعمل لمدة ١٢ ساعة، يتخللها استراحة الغداء لمدة ساعة واحدة، ويأتي مساء منهكا من التعب لايستطيع الجلوس مع اسرته ويخلد الى النوم كي يستطيع الاستيقاظ باكراً. يقول نزار: “انتظر يوم العطلة كي التقي بأصدقائي”. ويحدثنا عن عمله داخل المعمل حيث يتعرض للتنمر لصغر سنه، وكيف يعمل دون اذن عمل، فعمله في النهاية غير قانوني، وعندما يأتي المراقبون الى المعمل يدفعني صاحب العمل الى الإختباء في كراج السيارات كي لايشاهدونني لأنني قاصر واعمل بشكل غير قانوني. وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ضرورة لان قانون العمل في تركيا رقم ٤ يحظر اولا عمل الاطفال دون سن الخامسة.
ويعد عمل الأطفال خرقاً لحقوق الطفل الأساسية، فقد يؤثر على النمو الاجتماعي والعقلي للأطفال في المستقبل، علاوة على ذلك يجب على المنظمات غبر الحكومية العمل بشكل وثيق مع الحكومة التركية لتقديم المساعدة لعائلات اللاجئين الذين بعيشون تحت خط الفقر.
في النهاية واجه الاطفال السوريون في تركيا تحديات كبيرة، لكنهم تمكنوا من الحصول على فرص متنوعة، بالرغم من الصعوبات التي يواجهونها. ويبقون مثالا على الاصرار والقدرة على التكيف من خلال التعليم وفرص العمل، حيث يمكن لهؤلاء الاطفال ان يحققوا مستقبلا أفضل لأنفسهم وللمجتمعات التي استصافتهم.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”