Search
Close this search box.

العدالة الجندرية … نظرة جديدة لقضايا النساء

العدالة الجندرية … نظرة جديدة لقضايا النساء

سلوى زكزك
يكتسب استثمار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بقضايا المرأة أهمية بالغة وخاصة في الشرق الأوسط، وذلك منذ مؤتمر بكين الدولي عام 1995 وتبني ميثاق إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة وقرار مجلس الأمن 1325 بخصوص المرأة والسلام عام 2000.
تضاعفت أعداد المنظمات النسوية وتغير شكل النشاط وأساليب العمل وربما الأهداف أيضاً، وقد أدى هذا إلى ظهور مقاربة جديدة ونوعية، غير سياسية مع أنها تعتمد بصورة أساسية على خطاب الحقوق والديمقراطية والمساواة والعدالة وضرورة إشراك النساء وخاصة السياسية وصولا إلى وجودها في مراكز صنع القرار.
وهنا باتت الهوة أكثر اتساعا ما بين بنى أو منظمات تقليدية ذات مطالب شعبية وما بين نمط جديد من المنظمات التي ترتبط غالبا بعناوين عالمية تستند إلى برامج المنظمات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، على عكس ما كانت عليه سابقا وخاصة النضالات الفردية او العائلية والتركيز على الحريات المجتمعية ولكن من منظور شخصي مباشر أو مجتمعي أوسع وعمومي، لكنه مقيد بنظرة محلية وشخصية، وتجدر الإشارة إلى أن ذاك النضال قد ارتبط بوجود النساء ضمن مجالات عمل نمطية أو مألوفة اجتماعيا مثل التعليم والتدريس والعمل الزراعي والصيدلة والرعاية المنزلية.
يبدو مبدأ العدالة الجندرية مبدا بعيدا عن الواقع وصعب التحقق، ويعلل البعض عدم تقبله بأن المساواة بشكلها الأبسط مرهونة بعوامل كثيرة ومعقدة وتحتاج لإجراءات طويلة الأمد لتحققها، فكيف ستكون الإمكانية مع مبدأ العدالة التي تبدو للغالبية حلماً صعب التحقق وربما مستحيلة.
يرتبط مبدأ العدالة بشكل عام بعدم الثقة وبخيبة الأمل واليأس المطلق، وتشمل كل هذه المواقف السلبية العدالة الجندرية التي لا تنفصل عن قيم العدالة وأدواتها وأهدافها والتي لم يتحقق منها شيء وتظن الغالبية أنه لا جدوى ولا أمل بتحقق أي تفصيل منها مهما بدا صغيرا أو محدودا.
يرى البعض أن العدالة ليست في عودة أو إحقاق الحقوق فقط، بل يجدونها في المعاناة المتساوية من الظلم والحيف، إن التعادل بالتأذي وبالمآسي يراه البعض بوابة أساسية للتعافي والتضامن، انطلاقا من قاعدة أن الألم الواحد هو الطريق للحل المشترك، وأن الجميع قد خسر بقدر متساو ولا يمكن بعد الآن تقبل خسارات جديدة أو خسارات لطرف واحد من الأطراف. لكن الأهم والأكثر مضاضة أن الجميع تقريبا يرى أن العدالة لا تتحقق على الأرض، وإن بدا ذلك ممكنا فهو حتما بإرادة الأقوى وعلى مقاسه، وهنا يبرز خليط كبير من المواقف المرتبطة أصلا بالضعف، وبغياب فرص المساواة وبالحرمان من المقدرة على الترميم أو التعافي، إن ترك الضحايا دون تمكين متعدد الأوجه ومتعدد الأدوات، هو أمر خطر جدا ومحبط ، بل ومعيق ترتكز عليه جميع النتائج المعيقة للمساواة ولتحقق العدالة.
لابد للتغيير حين يحصل ولو عنوة أو بزمن غير متوقع، من أن يحدث فرقاً مهماً كان هذا التغيير صعباً وجذرياً ويشبه الاقتلاع من الجذور والإنبات في تربة جديدة وغريبة. هناك مؤشرات عديدة على أن أدوار بعض النساء قد اختلفت وتغيرت فعليا، اختلفت المهام، واختلفت البيئة، واختلف الفضاء العام من حيث تقبّله لقيم وأنماط عيش جديدة، يبدو واضحا هنا أن الحروب تجبّ كل ما قبلها وتبني هوامش جديد للتغيير، تجرف كل ما يأتي في طريقها من استلام خادع ومن ضعف بنيوي ومن تحكم استبدادي من كافة الدوائر باختلاف قوتها ودرجة ترتيبها في أولويات الولاء أو التصنيف.
تجرف كل ما كان يبدو أنه أمان أو ضمان للعيش، ليكتشف الجميع وخاصة النساء مدى هشاشته وترهله ومدى قابليته للانهيار وربما التلاشي، لقد تغيرت فعليا هياكل السلطة التقليدية بدءا من الأسرة وصولا للسياسة المتحكمة بالجميع.
في جميع أنحاء العالم يأخذ الناشطون والناشطات والمنظمات والفرق والحركات وخاصة المجتمعية أو المدنية، خطوات جريئة للنهوض بالعدالة الجندرية، وكثيرة هي المبادئ والأشكال التي يمكن تعلمّها من الطرق المبتكرة والمدروسة مهما اختلفت الجغرافيا، بل ويتم تحويل الواقع الراهن بواسطتها لدعم أدوات وسبل تحقيق العدالة الجندرية.
يبدو التغيير المستدام وطويل الأمد باتجاه المساواة بين الجنسين أحد الاستراتيجيات المهمة والضرورية، فالنهوض بالعدالة الجندرية يتطلب في جوهره دعم الحركات النسوية المستدامة إلى جانب تعزيز السلطة الجماعية بين الأشخاص نساء ورجالا الذين وهبوا أنفسهم/ ن للتغيير.
ولابد أولا من نقض القيم والقواعد الهيكلية القديمة والأصح المستبدة، مثل اللا مساواة في السلطة بصورة مفرطة ومستقرة ومقبولة، يجب تعرية من يملك السلطة ومن لا يملكها ومن يمكنه الوصول إلى الموارد ومن لا يمكنه ذلك وما هو حجم الإمكانية المتفاوت والمثبت بصورة باتت مكرسة ومدعومة.
إن تعرية الهياكل القديمة والبدء بنقضها ستفتح او ستقربنا من فتح الطريق إلى إحداث التغيير في كل ما يتعلق بالعدالة الجندرية ولابد من وجود استراتيجيات نسوية مدعومة بتشكيل تحالفات نسوية تسلك مبدأ العدالة وترفض اللا مساواة بكافة مناحيها ومفرزاتها، كما تقاوم وتعاند ضد انتزاع الحقوق الذي يمارس في أوقات تكون النساء بحاجة أكثر ضرورة لها لكنها تغيّب أو يتم تسويفها بذرائع الأزمات والكوارث والضغط الذي تفرضه الأزمات المتجددة والمتزايدة كأزمات الصراعات ونقص الغذاء والقوانين الليبرالية التي تقضم حقوق العمال والعاملات والفئات الأكثر هشاشة بصورة متزايدة وتحت ستار القانون، وتدهور البيئة والمناخ والنقص الحاد في الغذاء محليا وعالميا.
العدالة الجندرية هي هدف بحد ذاتها، وأداة ووسيلة استبصار واسترشاد مركزية، السؤال الأهم: هو كيف يحدث التغيير المستدام والطويل الأمد، وكيفية حدوث التغيير، وما هي خطوات السير نحو العدالة الجندرية، وأين تكون الفرص والتحديات لتحقيقها.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »