دمشق – سلوى زكزك
تاريخ للتذكر:
منذ زمن طويل لجأت الكاتبة أمانتين إرورـ لوسيل دوبا مرغمة للكتابة باسم رجل، وذاع صيت هذا الاسم غير الحقيقي في عالم الأدب جورج ساند، الذي دافع في كتاباته عن النساء وعن الشغف وانتقد الزواج وحارب الأحكام المسبقة في المجتمع المحافظ.
70 رواية، 50 مجلد من الأعمال المختلفة بما في ذلك القصة القصيرة والحكايات والمسرحيات والنصوص السياسية، كلها كتبت باسم رجل للتحايل على نصوص كتبتها امرأة تخاف الإفصاح عن منتجها الثري والمهم، وتخاف الإفصاح عن اسمها.
مدخل:
ثمة تهمة جاهزة لصيقة بالنساء، (ثرثارات)؟ هل لو غيرت النساء من طريقة رواية قصصهن وسردياتهن، عبر الكتابة مثلاً، هل يمكن نزع هذه التهمة عن اختيارهن للطريقة الشفهية للتعبير عن أنفسهن وللإبداع؟ أو بالأحرى عن طرائق تعبيرهن وخاصة عن ذواتهن وسردياتهن الخاصة؟ ما العمل لمحو وصمة توصيفية اسمها الثرثرة، وكيف لمنتجاتهن الأدبية أن تصل لتأخذ حقوقها من الاعتراف والنشر والتداول؟ والأكثر مجلبا للقهر هو تعميم نمطية عامة على النساء الالتزام بها حتى في مراسم الحداد، حتى بالتعبير عن الحب.
ـ تتحول الأحداث الحياتية وخاصة القاسية منها والتي تخص النساء تحديدا، كالترمل والفقد والطلاق والهجر والإهمال العاطفي والنبذ، والقتل باسم الشرف، إلى مناسبات خاصة بسرد النساء، في العزاء يطلبن منها أن تبكي الحجر وأن تنوح وتعدد مزايا زوجها الذي مات وطيلة حياتها كانت تعاني من ظلمه ومن القهر حتى بلغت درجة النفور واستحال العيش الكريم بينهما، لكنها اليوم عليها إيصال رسالة محددة، تقليدية، وعليها إحكام المبالغة لتصنف كزوجة مخلصة وليس كامرأة.
هل تساءلنا يوما، لماذا يوضع نعش المتوفى في حجرة النساء؟
طلب شاب ذات يوم أن يجلس ملاصقا لنعش والده عند وفاته، كان يرغب بقول الكثير من الشجن ومن الشوق ومن العتب، نهرته أمه قبل الجميع، (طلاع برا، أنت زلمة مش مرا) على الرجال أيضا أن يمتثلوا لطريقة الحزن المرخصة لهم من قبل المجتمع.
ـ الحوادث هي وسيلة احتكاك بين الفرد والمجتمع، هي شكل من أشكال المواجهة المحرجة والحساسة، ولأنه ممنوع على النساء حرية التحكم أو خصوصية المواجهة كما تشعر أو كما تريد أو كما ينبغي لضمان وجودها وحقوقها، يفرض على النساء شكل اتصال ثابت مع المتلقي.
مثال: على الزوجة تحديدا التواصل مع حادثة رحيل زوجها كما يريد المتلقي! أي المجـمع والمحيط والعائلة، عليها أن تكون هنا ممثلة لكل الأرامل وليس معبرة عن نفسها ولا حتى عن طريقتها الخاصة في الحزن أو الفقد.
ـ هل تكتب النساء أزمانهن؟
حتى لو سطع نجم كاتبة في زمن ما واعترفوا بها في التراث الأدبي أو في عوالم الكتابة، فلن يتم الاعتراف بها ككائن تنويري، سيتهمونها بتجاوز القيم والأعراف، سيعتبرونها مسترجلة، أو غير وفية لأنوثتها، تحب الظهور، أو قد يتهمونها بأن رجلا كتب عنها ولها، مثل أحلام مستغانمي وخاصة عندما يعتبرون أنها تجاوزت فيما كتبته الأعراف السائدة والأخلاقيات العامة، شأنها شأن كل بطل أدبي أن يكون مرفوضا ومنبوذا من أبناء عصره.
ـ الكتابة هي وليدة رحم بائسة، لماذا يظن الجميع أن الكتابة هي نتيجة مخاض عسير من الآلام فقط؟ هل تتناسب القيم مع الكتابة؟ التناقض سمة تغيير أو وسيلة تعبير؟ هل يرتبط الرفض حكما بحالة ابداع، هل يمكن استعمال الغش والمواربة في الكتابة، كأن تتكتم سيدة على مشاعرها وتقدم نفسها مثالا للفضيلة كما يراها المجتمع وتلصق طبيعتها أو أحلامها الخاصة بشخصية أخرى، كي لا تتعرض للاتهامات بخرق منظومة الأخلاق؟، هل يمكن المواجهة عبر الكتابة؟ أم أنها إحدى الطرق وأقلها خسارة؟ غالبية النساء يفضلن الصمت أو الاكتفاء بالإيحاء في المجال العام لأنهن كما المجتمع يعتبرنه حكرا على الرجال، هل النساء مرغمات على الصمت أم من هواته؟ هواة الصمت والاشارة يفضلون الايماء والايحاء على النطق والخطابة، الايماء هو النظام الاشاري الأول للغة كما يقول بافلوف، بدأ المنتج الأدبي بالتكون والظهور بالإيماء وقبل الكلام، هل ركنت الكاتبات إلى الإيماء؟ أم نطقن بالحد الأدنى المسموح؟
ـ غالبا ما تلجأ النساء لبناء سرديتها بضمير الغائب، السردية هنا ملك للكاتبة أم ملك لصاحبة التجربة؟
ثمة تنازع ما بين الرغبة بالمكاشفة وكتابي كل التفاصيل وما بين التوجه نحو تغليف بعض الأحداث بالاحتمال أو ادعاء أنها مجرد أحلام، أو قصص مجهولة المصدر، تخاف النساء من عدم التقبل، لكن الأكثر مدعاة للمواجهة هو خوف النساء من رفض المجتمع لأهن، عند عرض التجارب النساء بشكليها الشفهي والكتابي يستنفر المجتمع مخفيا مخاوفه من لحظات الانكشاف، ويتم التعامل مع المروية الشفوية بتقبل أكثر، لأنها قابلة للتحريف ويظنون أنها قابلة للنسيان.
خلاصة وخاتمة:
لن تنسى سرديات النساء إذا كتبت، والضياع مرهون بالصمت، هي قصصهن منتج البلاد وإرثها العام والخاص، لكنها ملك لهن وعليهن تربيتها كأجنة في رحم خصب تحتاج العناية والاهتمام، وقبل كل شيء تحتاج الاعتراف بحدوث الحمل، فلا تموت الحكايات ولا تصبح في مهب النسيان أو التزوير.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”