Search
Close this search box.

العنف ضد المرأة بين الموروث الثقافي والاجتماعي والتخلي عن القيم الإنسانية

العنف ضد المرأة بين الموروث الثقافي والاجتماعي والتخلي عن القيم الإنسانية

إعداد: جمانة علي

تمنع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في معظم دول العالم ضرب النساء وتعنيفهن، وتحض على معاملتهن بالحسنى، وتنص على منحهن حقوقاً إنسانية ثابتة ومؤكدة.

ولكن يمارس العنف ضد المرأة عموماً في مناطق عدة، ولا يكاد يخلو مجتمع من هذه الظاهرة المقيتة. 

مسببات العنف ضد المرأة

يعتبر العنف القائم على نوع الجنس، وبخاصة العنف ضد النساء أحد أكثر الظواهر المعبرة عن العلاقات غير المتكافئة بين المرأة والرجل.

وإن المسبب الرئيس للعنف هو مرتكب الجرم نفسه سواء كان ذكراً أم انثى. ومن المهم تذكر أن من كان ضحية للعنف القائم على نوع الجنس ليس مسؤولاً مطلقاً عن بطش المعنِّف ذاته.

العوامل الثقافية

تسود في بعض المجتمعات وجهات نظر أبوية وجنسية تشرع العنف بغية تأكيد سيطرة وتسيد الرجال. وتشمل عوامل ثقافية أخرى قوالب نمطية وتحيزات، وأفكار عن الأنوثة والذكورة. ويضاف إلي ذلك التنشئة الاجتماعية تبعاً لنوع الجنس، بمعنى آنه مفهوم بشأن الأسرة كفضاء خاص تحت سلطة ذكورية، وتقبل عام للعنف كجزء من المزاج العام( كالتحرش الجنسي بالنساء في الشوارع)، أو كوسيلة مقبولة لحل الخلافات ولإثبات قوة الشخصية والسيطرة.

وقد شرَّعت التقاليد الدينية والموروثة ضرب المرأة بناء على مفهوم الوصاية والامتلاك. وبدوره، يشرع مفهوم الامتلاك التحكم بجنسانية المرأة، وهو، وفقاً لعدد من القوانين، يعتبر أساسياً لضمان الميراث الأبوي.

وفي العديد من المجتمعات ترتبط ممارسة المرأة للجنس بمفهوم يعرف باسم” شرف الأسرة”. وتقضي التقاليد الاجتماعية في تلك المجتمعات بقتل المشتبه بتلطيخهن شرف العائلة عند ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، أو من خرجن عن إرادة أسرهن وتزوجت بمن أحببن، أو حتى من تعرضن للاغتصاب، آو من قررن الطلاق دون موافقة ذويهن.

عوامل قانونية

وينظر في العديد من المجتمعات حول العالم لمن وقعت ضحية للعنف كأمر معيب ومخجل، وما زال ينظر للعديد من ضحايا العنف بأنهن مذنبات لكونهن تسببن بضربهن وتعنيفهن بسبب سلوكهن. ولهذه الأسباب تقل عدد الشكاوى والتحقيقات التي تجرى عند التبليغ عن العنف.

وحتى وقت قريب، كان القانون في بعض الدول يميز بين الأماكن العامة والخاصة، مما جعل النساء خاصة عرضة للعنف المنزلي.

ويؤكد مؤتمر إسطنبول على حق كل شخص، وخاصة المرأة، على العيش بأمان وبمنأى عن العنف سواء في الأماكن العامة أو الخاصة. وفيما تجرم معظم الدول الأوروبية أغلب أنماط العنف القائم على الجنس، تؤدي الممارسات القانونية، في معظم الحالات، للتسامح مع المذنب، مما يساهم في إضعاف الثقة في المؤسسات العامة، ولذا لا يتم الإبلاغ عن معظم تلك الجرائم.

عوامل اقتصادية

لا شك في أن ضعف الحالة الاقتصادية يجعل بعض النساء عرضة للعنف. ويولد هذا أنماطاً من العنف والفقر بات يحمل في طياته أسباب استدامته، ما يجعل من الصعوبة بمكان على الضحايا أن ينقذن أنفسهن. وعندما يتأذى الرجال بسبب البطالة والفقر، فذلك يدفعهم أيضاً لتأكيد رجولتهم عبر ممارسة العنف.

كما للعنف ضد النساء كلفة اقتصادية ثقيلة لأنه معالجته تتطلب مشاركة عدة جهات طبية ونفسية وشرطية وقانونية، وقد ينتج عنه فقدان الموارد أو الوظيفة. كما يؤدي العنف لمعاناة الضحايا من التقصير في أعمالهم أو دراستهم، ويؤثر على انتاجيتهم. كما يصبح عدد من ضحايا العنف غير قادرين على الاستمرار في العيش في نفس المنزل، ويحتاجون للإقامة في مكان ما، وقد يتحولون إلى مشردين.

عوامل سياسية

لا شك في أن ضعف مشاركة النساء في مراكز السلطة وصنع القرار يساهم في نقص فرص مناقشة مشاكلهن الأسرية والمجتمعية، ويقلل بالتالي من احتمالات سن قوانين تضمن حقوق النساء المعنفات، ودعم المساواة بين الجنسين. وقد وصل الأمر، في بعض الحاالات، لدرجة اعتبار موضوع العنف ضد  النساء غير ذي أهمية، وبالتالي عدم إيلاء العنف المنزلي الاهتمام الكافي. وقد طرحت جمعيات نسائية قضايا هامة، وساهمت في زيادة الوعي بشأن الأنماط التقليدية التي تعطي للرجل حقوقاً تحرم منها المرأة، فضلاً عن تسليط الضوء على حالة اللا مساواة بين الجنسين. وقد اتخذ البعض هذا التهديد للوضع الراهن كذريعة للعنف الذي يمارس ضد النساء.

لكن ما هو تعريف العنف ضد المرأة

يعرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء على الوجه التالي:

كل ما ينتج عن عنف قائم على الجنس، سواء كان أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو مؤلم للنساء، بما فيه التهديد بتصرفات كتلك، كالإكراه أو الحرمان العشوائي من الحرية، سواء علناً أو خفية”.

ويستند العنف ضد المرأة على عدم التوازن في القوة، ويمارس بنية إذلال الضحايا وجعلهن يشعرن بالدونية ويدفعهن للخضوع. ولهذا النوع من العنف جذور عميقة في البنى الاجتماعية والثقافية، والأنماط والقيم التي تحكم مجتمعاً ما، ويمارس غالباً وسط ثقافة من الإنكار والصمت. وقد يقع العنف القائم على الجنس في أماكن عامة وخاصة، ويطال النساء بشكل غير متكافئ.

أنواع العنف القائم على الجنس

 قد يكون هذا العنف جنسياً أو جسدياً أو لفظياً أو نفسياً( عاطفياً)، أو اجتماعياً- اقتصادياً، ويمكن أن يتخذ عدة أشكال، بدءاً من العنف اللفظي وخطاب الكراهية عبر الانترنيت، إلى الاغتصاب والقتل. ويمكن أن يرتكب على يد أي شخص، زوج حالي أو سابق، أو فرد من الأسرة، أو زميل في العمل وزملاء دراسة، أو أصدقاء، أو شخص مجهول، أو أشخاص يعملون بالنيابة عن مؤسسات ثقافية أو دينية أو رسمية. 

العنف والمس بالكرامة الإنسانية

ويشكل العنف ضد المرأة مشكلة لأنه يعتبر خرقاً لحقوق الإنسان ويمس كرامته. ويعتبر القضاء على العنف من أهم أسس حقوق الإنسان، وهو يقضي على شعور المرء بقيمته وتقديره لذاته. وهو لا يؤثر على الصحة البدنية وحسب بل على الصحة العقلية، وقد يقود للأذى الذاتي وإلى العزلة والاكتئاب ومحاولات الانتحار.

ومن حق أي شخص أن يشعر بالأمان والطمأنينة، وعندما لا تتوفر تلك المشاعر لديه قد تتراجع قدرته على العمل في محيط أسرته أو مجتمعه.

كما يعتبر العنف شكلاً من أشكال التمييز، وهو متجذر في سلوكيات ضارة وأحقاد ضد النساء أو أشخاص لا يتوافقون مع تقاليد المجتمع. ولهذا السبب، يمكن للعنف ضد النساء أن يدفعهن وسواهن من الضحايا للعيش على هامش المجتمع، ويجعلهن يشعرن بالدونية أو باليأس. 

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »