جورج ميخائيل
يستحوذ الاهتمام بقضية (العنف ضد النساء) على أهمية متزايدة, ذلك أن المنظمة الاجتماعية القائمة منذ مئات السنين على استعباد النساء و عدم مشاركتهن الاقتصادية و الفكرية في بناء و تطور المجتمعات الإنسانية, و التي كانت، أي تلك المنظومة، تمتلك صلابة أيديولوجية و متجذرة كنسق من العلاقات غير المتكافئة بين الرجال و النساء, بدأت تتهاوى شيئا فشيئا منذ ظهور البورجوازية و الفكر الاشتراكي الطوباوي و الماركسي. و حتى اليوم حيث تتواصل نضالات الحركات النسائية إلى جانب النقد الاجتماعي و الفكري و القانوني لإزالة كل عنف تجاه النساء و إيجاد القوانين الناظمة لعلاقات صحيحة و عادلة و مساواتية في المجتمعات بين مكوناتها و وضع (العنف ضد النساء) في قفص الجريمة ضد الإنسانية في أطول ثورة في التاريخ بحسب تعبير (جولييت ميشيل) تتهم القائمين على العنف ضد النساء في كل الثقافات و البلدان و القوميات بمحاولة ادامة هذا العنف بأشكاله المتعددة كأطول عنف تاريخي يمارس ضد نصف الجنس البشري تماما.
(العنف ضد النساء) هو انتهاك لحقوق الإنسان وشكل من أشكال التمييز ضد المرأة، وهو سلوك مادي أو معنوي أو رمزي ينتهك حقوق المرأة ويصادر إرادتها ويمارس تجاها أي شكل من أشكال التمييز أو الاستبعاد من الفضاء العام للمجتمع.
أن ذلك العنف يحدث كل يوم ضد المرأة في جميع البلدان والثقافات ومن جميع الفئات الاجتماعية وجميع الأعمار مع حفظ الفوارق بين المجتمعات التي تتحقق معادلة الحقوق الأساسية للإنسان والمجتمعات التي تحتفظ بوصفة الخصوصية الاجتماعية أو الثقافية.
وما دامت المرأة نصف الجنس البشري فهي في جانب مضطهدة كباقي الطبقات والفئات الاجتماعية الخاضعة لشروط العمل والاستثمار وما بعد عملية الانتاج خاضعة داخل عالم الرجال للاستغلال بالمعنى المنزلي و المعنوي من لحظة خروجها من العمل و حتى ساعة نومها في الليل في منزلها.
أشكال العنف ضد النساء
1 العنف باسم (الشرف) و يفهم منه أنه تصرف يرتكبه الجاني على أساس المحافظة على (شرف العائلة) أو استعادته و غالبا ما يبدأ هذا النوع من العنف بالضغط العاطفي و الابتزاز بالإضافة إلى أنه يمكن أن يتخذ أيضا أشكالا من العنف الجسدي و الجنسي بما في ذلك القتل أو الزواج القسري و الذي يشار إليه بعد ذلك باسم (جرائم الشرف) و يحدث العنف باسم (الشرف) بشكل خاص في الهياكل الأسرية الأبوية و المغلقة حيث تعتبر النساء و الفتيات في الأسرة ملكية خاصة لكل رجل في العائلة و يعتمد (شرف) الرجل على السلوك الصحيح للنساء و الفتيات في الأسرة. ويجد هذا السلوك الصحيح تعبيره الرمزي في السيطرة على الجسد الأنثوي والجنس الأنثوي.
ويرتكب أفراد الأسرة الذكور مثل الآباء والأخوة والأعمام او أولاد العم العنف باسم الشرف في التخطيط والتنفيذ.
- عنف ضد المرأة في اعتبارها ملكية خاصة أو اعتبارها موضوعا وشيئا له وظيفة محددة وليس ذاتا إنسانية ويكون ذلك في شكل عنف ضد إرادة المرأة في اجبارها على الزواج أو الانجاب والحمل والعمل أو الإجهاض المتكرر.
أن تشيئة المرأة في المنزل إلى مستوى موضوع جنسي فحسب وخاضعة مزاجيا للرجل ومملوكة له جنسيا ووظيفتها الأعمال المنزلية وخدمة الاسرة وتنشئة الأطفال عنف غالبا ما يبقى طي الكتمان بسبب غياب القوانين والوعي النسوي بفضح تلك الممارسات وإخراجها إلى العلن.
- تعدد الزوجات وضرب النساء والفتيات وعزل النساء في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية وفرض الحجاب أو أنماط من اللباس المحدد المواصفات كجزء من السيطرة الجنسية على النساء وعزلهن عن الفضاء العام للمجتمع في الحديقة والمسرح والسينما والملعب وأماكن الصلاة.
- التحرش الجنسي بالنساء والفتيات في الأماكن العامة والذي يتجسد في اللمس غير المرغوب فيه أو الإكراه بالقوة البدنية، او التهديدات، أو المطاردة، أو التحرش الجنسي اللفظي وهكذا فمعاملة المرأة على أنها فريسة ويجب اصطيادها أو ملاحقتها دون طلب وبشكل تدخلي هو أمر مهين وعنفي لها ولحقوقها.
- الاغتصاب وإيذاء المرأة والدعارة القسرية أي دفع المرأة المغتصبة أو التي جرى اختطافها إلى ممارسة عمل جنسي مأجور يصب في مصلحة الجاني وضد إرادة المغتصبة التي غالبا لا تسعفها القوانين في التخلص من حالتها كما لا تسمح لها البيئة الاجتماعية بالعودة عن حالتها التي أجبرت عليها.
كما نلاحظ العنف ضد النساء عنف جسدي ونفسي تتعرض له الأنثى عندما يتم تشويه الأعضاء التناسلية لها كما في (الختان) من خلال إزالة جزء أو كل الأعضاء التناسلية للأنثى وقد يؤدي ذلك إلى الموت أو الصدمات النفسية الخطيرة.
وتتعرض الفتيات ذوات الإعاقة الجسدية أو العقلية للعنف بنسبة أكبر ومضاعفة أكثر عن باقي النساء في الطفولة والمراهقة والبلوغ.
- عالم الانترنيت يخلق مساحات جديدة من العنف الالكتروني ضد النساء عبر الدردشة أو البريد الالكتروني أو في وسائل التواصل الاجتماعي والعنف الالكتروني يتجسد في تخويف الضحايا من خلال التقليل من شأنهم، أو الإضرار بسمعتهم، أو عزلهم اجتماعياً، أو إجبارهم على التصرف بطريقة معينة، أو ابتزازهم جنسيا. ولأن الجناة يستطيعون الاتصال بالإنترنت على مدار الساعة وأن يظلوا مجهولين الهوية فقد يصلون إلى أكبر عدد من الضحايا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
أن حقائق (العنف ضد النساء) تؤكد الأهمية الفائقة للقضاء على العنف ضد المرأة عموما وهي حقيقة محزنة للإنسانية التي تبحث عن سبل العيش الكريم و المساواة و إقرار القوانين التي تصون حقوق كرامة الإنسان و حريته و لعل تقدم المرأة في دورها المتساوي مع الرجل في سوق العمل و تأمين السلام و الاهتمام و الرعاية و حفظ النوع البشري يلاقيه الرجل في تفهمه المشترك لخلاص البشرية بالمشاركة مع المرأة في صياغة عهد جديد يزول فيه العنف ضد المرأة من قفص الجريمة و يصبح في الماضي الذي لابد من تجاوزه نحو حقوق الإنسان و الحرية و المشاركة و الغنى الروحي و الجمالي و السعادة.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”