إدلب – نهى الحسن
“ليس يوماً أو شهراً أو عاماً ،إنه أحد عشر عاماً مضى، فلا عيشنا يبدو عيشاً، ولا الموت يأخذنا فيريحنا مما نحن فيه“. بعيون دامعة، وبهذه الكلمات عبرت النازحة الأربعينية فاطمة العلوش عن معاناتها مع مأساة الحرب والنزوح.
رغم أن الحرب السورية الدائرة قد ألقت بظلالها السوداوية الأليمة على المدنيين كافة، إلا أن تأثيرها على النساء أخذ بعداً أكثر مأساوية، وبالنظر لواقع الحال في مخيمات النزوح تتبدى صورة كارثية لحال النساء اللواتي يخضن تجربة النزوح القاسية في ظروف معيشية قاهرة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
وتتعدد أشكال المعاناة التي تعيشها النساء داخل مخيمات النزوح حيث يشكل انقطاع مادة الغاز المنزلي، والغلاء الفاحش لأسطوانة الغاز إن وجدت، فصلاً جديداً من معاناة النازحات، يضاف إلى قسوة البعد عن منازلهن، والسكن في خيام قماشية لاتقي أطفالهن حر الصيف أبو برد الشتاء.
فالمواقد الطينية أو الحديدية أصبحت بديلاً عن اسطوانات الغاز لدى الكثير من العائلات ويتم تصميمها بمكان مخصص لإدخال أعواد الحطب وإخراج الرماد بعد الإنتهاء من طهي الطعام وفتحة في الأعلى لوضع القدر عليها.
العلوش نزحت من ريف حماه الشمالي منذ قرابة التسع سنوات، وتنقلت بين عدة مخيمات قبل أن يستقر بها الحال في إحدى مخيمات أطمة الحدودية،استشهد زوجها في الحرب الدائرة، وتعيش مع أطفالها الستة في ذلك المخيم،الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
العلوش تقضي معظم وقتها في جمع العيدان والكرتون وأكياس النايلون اللازمة لإشعال النار من أجل إعداد الطعام لأطفالها بواسطة موقد طيني صنعته لها إحدى جاراتها في المخيم، تصرح العلوش: “إن انبعاث الدخان الكثيف والروائح الكريهة الناتجة عن عملية الإشتعال يتسبب لي ولأطفالي بضيق التنفس وأمراض الجهاز التنفسي المستمرة، ولكننا مضطرون للتحمل لأننا لانملك خياراً آخر”.
كما تفتقر معظم المخيمات إلى المياه ، الأمر الذي يدفع بالكثير من النساء إلى قطع مسافات بعيدة والوقوف في طوابير الماء كروتين يومي لجلب الماء .
الثلاثينية سناء المحمود نازحة من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم كفرلوسين ، أم لأربعة أطفال أكبرهم في السادسة من عمره ، تضطر لنقل المياه بشكل يومي من ساحة المخيم البعيدة عن خيمتها مايقارب الخمسمئة متر.
وعن معاناتها تقول :”يتسابق جميع القاطنين في المخيم إلى خزانات المياه عند وصول صهريج المياه لأخذ حاجتهم منها ، وفي كثير من الأحيان تنفذ المياه قبل أخذ حاجتي ، بسبب عدم تنظيم الدور على المياه ،فأضطر لشراء المياه لأقوم بغسيل ملابس أطفالي وتحميمهم بشكل يومي لتجنيبهم الوقوع فريسة الأمراض التي تنتشر في المخيم .”
ويمثل انقطاع التيار الكهربائي جانباً آخر من معاناة النازحات، فبعد أن كانت النساء تستخدم الغسالات الكهربائية لغسيل الملابس ، أصبحت اليوم معظمهن في ظل النزوح يقضين وقتا طويلا في غسيل الملابس يدوياً.
مروى العلي (٦٣ عاما ) نزحت من ريف معرة النعمان الشرقي ، وتقيم مع عائلتها في مخيم تل الكرامة التابع لمدينة الدانا تتحدث عن معاناتها مع الغسيل اليدوي للملابس يوميا فتقول : “ اضطر يوميا لتبديل ملابس أطفالي الخمسة بسبب وعورة الطرقات في المخيم ، وانتشار الغبار الشديد في الصيف ، والطين في الشتاء فأقضي وقتا طويلا في جلب المياه وغسيل الملابس يدويا ، وحالي هذا هو حال معظم القاطنات في المخيم إلا من كان لديه القدرة على شراء وتأمين الطاقة الشمسية البديلة .”
وتعيش معظم النساء النازحات في المخيمات وسط ظروف قاسية لاتراعي أيا من خصوصيتهن أو طبيعة حياتهن الإجتماعية المحافظة التي خرجن منها .
اضطرت ميساء عرنوس ( ٨٤ عاما ) لترك منزلها في ريف حلب الجنوبي هربا من نيران القصف ، والنزوح مع عائلتها إلى مخيمات قاح على الحدود السورية التركية ، تروي العرنوس لشبكة المرأة السورية ما تقاسيه مع بقية نساء المخيم قائلة : “ لقد غير سكننا في الخيام حياتنا بشكل جذري حيث تنعدم الخصوصية نتيجة تراص الخيام إلى جانب بعضها البعض ، وتتقيد حريتنا في اللباس والكلام والحركة ، فضلا عن عدم وجود أماكن مخصصة للاستحمام ، والشعور بالحرج عند الذهاب أو العودة من دورات المياه المشتركة التي تكون بعيدة عن الخيام على مرأى الجميع .”
ولاتخفي السيدة في حديثها حنينها وشوقها الشديد وتعطشها للعيش في منزل لها جدران يحفظ خصوصيتها كحق من أبسط حقوقها الني فقدتها بسبب الحرب .
المرشدة النفسية نائلة الرشيد ( ٥٤ عاما ) تتحدث لشبكة المرأة السورية عن تأثير النزوح على النساء قائلة :” تواجه المرأة صعوبات جمة خلال انتقالها ونزوحها من منزلها إلى مجتمع جديد ، وأمام واقع لا مفر منه اضطرت إلى العيش بأسلوب حياة لم تعتد عليه ، ومواجهة هموم تأمين موارد العيش بأساليب وطرق بدائية وقاسية ، الأمر الذي سبب لها الشعور بالقلق والإكتئاب والإغتراب النفسي عن بيتها ونفسها وصعوبة التأقلم ، والخوف الدائم من المجهول ،بالإضافة إلى اضطرابات في النوم ، واسترجاع تجارب الحرب المؤلمة .”
وتلفت المرشدة إلى ضرورة توفير كافة الخدمات ضمن المخيمات من مراكز تعليمية وصحية ، وبناء منازل للنازحين تكون بديلة عن الخيام تحفظ خصوصية النساء وتضع حدا لمعاناتهن اليومية .
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”