إدلب – سونيا العلي
أجبرت سنوات الحرب الكثير من النساء في إدلب للعمل بمهن شاقة؛ وأعمال لم يعتدن العمل بها سابقاً، ولا تلائم قدرتهن على التحمل، في سبيل إعالة أسرهن، وتأمين لقمة عيش كريمة لهن، في ظل الغلاء والنزوح والأوضاع المعيشية الصعبة.
الظروف السيئة أجبرت إلهام الحسن (32 عاماً) النازحة في مخيم دير حسان شمال إدلب، للعمل في تكسير الحجارة، وعن الأسباب التي أجبرتها على مزاولة هذا العمل الشاق تقول: ” أضطر للعمل في تكسير الحجارة لمساعدة زوجي المريض الذي لا يستطيع العمل.”
وتشير أنها أم لثلاثة أطفال لن تتمكن من الإنفاق عليهم إذا توقفت عن العمل، فتقصد الجبال بهدف تكسير الحجارة من أجل بيعها للاستفادة منها في مجالات أعمال البناء.
ورغم التعب والإجهاد، إلا أنها تفضل كسب لقمة العيش من تعبها وعرق جبينها على العوز وسؤال الناس، وعن ذلك تقول: “التعب الذي أشعر به جراء عملي هو ذاته سبباً في استمرار حياة أطفالي بما يدرّه علينا العمل من مدخول بسيط.”
ليست كريمة الشيخ (40 عاماً)أفضل حالاً، حيث اضطرت بعد اعتقال زوجها للعمل بورشة لصناعة البلوك الإسمنتي في المخيم الذي تسكن به، وعن ظروف عملها تقول: “أعيش في خيمة واحدة مع أبنائي الستة، دون أي مصدر للدخل، لذا قررت العمل في ورشة لصناعة البلوك داخل المخيم .”
وتضيف: “نزحنا من قرية كفرنبودة منذ عدة سنوات، واكتملت مأساتنا باعتقال زوجي من قبل حاجز تابع للنظام السوري، دون أن أعرف مصيره حتى الآن .”
وتلفت الشيخ أنها لا تملك شهادة علمية أو مهارات تؤهلها لإيجاد فرصة عمل مناسبة، ووجدت نفسها المعيل الوحيد لأسرتها، ما دفعها للقبول بمزاولة مهنة صناعة البلوك الإسمنتي المتاحة أمامها، مبينة أن العمل مخصص للرجال ومتعب جداً، وقد تسبب لها بآلام في الظهر، لكنها مجبرة على التحمل والصبر رغم المتاعب وانتقادات المجتمع المحيط .
أما خديجة الصطوف (38 عاماً) النازحة من مدينة سراقب، فتعمل في الورش الزراعية، ويتضمن عملها الزراعة والقطاف إلى جانب ما تقوم به من تعفير من خلال التقاط بقايا المحاصيل التي تركها المزارعون بعد انتهاء المواسم، وعن عملها تقول لشبكة المرأة السورية: “أستغل مواسم الزيتون والخضار الموسمية للعمل في الورشات الزراعية بهدف تأمين احتياجات منزلي ومستلزمات أطفالي بعد وفاة زوجي بغارة حربية منذ عام 2020 .”
وتعاني الصطوف من ساعات العمل الطويلة، حيث تعمل برفقة اثنين من أطفالها بين 6- 8 ساعات يومياً مقابل أجر قليل لا يتجاوز 50 ليرة تركية، لا تكفيها لتأمين الاحتياجات الأساسية من طعام ودواء .
وتبين الصطوف أن مالكي الأراضي يفضلون تشغيل النساء والأطفال نظراً لانخفاض أجورهم، فالأجر الذي تحصل عليه ضئيل جداً ولا يتناسب مع الجهد المبذول وطول ساعات العمل، ولكن الحاجة وقلة فرص العمل تدفعها للتحمل والقبول مرغمة.
وتشير أنها تعمل على جمع ما تبقى من محصول الزيتون من الأراضي والأغصان بعد الانتهاء من عملية القطاف، لتؤمن لأطفالها مؤونة الشتاء من الزيتون .
من جانبها المرشدة الاجتماعية سحر البكور (36 عاماً) من مدينة معرة النعمان، تتحدث لشبكة المرأة السورية عن أسباب مزاولة النساء لمهن شاقة قائلة: “مع ازدياد نسبة الفقر وانخفاض مستوى الدخل، أصبحت المرأة في إدلب تمارس الكثير من الأعمال، وتأخذ دوراً مهماً في تأمين دخل الأسرة.”
وتلفت إلى ازدياد أعداد النساء الأرامل في إدلب، اللواتي فقدن أزواجهن وبتن معينات لأسرهن ومسؤولات عن أطفالهن، ووقع على عاتقهن تأمين الكثير من المتطلبات اليومية .
وتؤكد أن عدداً من النساء المعيلات يجبرن على العمل في مزاولة مهن شاقة لعدم وجود بدائل تخرجهن من أزمة الفقر، رغم تعرضهن للاستغلال والغبن في الأجور .
وتؤكد أن الكثير من النساء يشتكين من البطالة وقلة فرص العمل، نتيجة الركود الاقتصادي في المنطقة، وقلة المشاريع التي تُخضع النساء لدورات مهنية فاعلة وحقيقية تؤهلهن لدخول سوق العمل، وغياب القوانين والإجراءات التي تضمن حقوقهن، لذا تؤكد على ضرورة توفير فرص عمل وبدائل تتناسب مع طبيعة المرأة المعيلة لتصبح منتجة وقادرة على كسب لقمة العيش الكريمة .
تكافح نساء في إدلب لإبعاد شبح الفقر والغلاء عن أسرهن من خلال مزاولة أعمال قاسية، لا تناسب طبيعتهن الأنثوية وساعات طويلة، مقابل أجر زهيد، قد يدفعن حياتهن ثمناً له .
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
