خولة سمعان
(صوتها يرن في رأسي ، إنني أسمع صوتها حتى في نومي تبكي وتناديني)، تقول السيدة ” دينا- ش ” وجهها كله يبكي لكن بلا دموع: ( لقد احترقت دموعي، والله صدقوني ، ماذا أفعل؟)
السيدة دينا صاحبة بسطة، تفرشها أمام سوق الخجا في دمشق، تبسط عليها بضاعتها لتبيعها للمارة، وهي ليف حمام ومفارش للطعام …تصنعها بيديها كما تفعل الآن وهي تجلس وراء بسطتها، تنسج الخيوط على عودين معدنيين، تأخذ نفسٱ عميقٱ وتتابع:
(حملت إبنتي وأوصلتها إلى بيت جدتها، وتربيها بعد أن طلقني أبوها، احتفظت بها معي في بيت أخي ثمانية شهور، لكن لم أستطع التحمل، فأخي يعمل حمالٱ طيلة اليوم، وزوجته مريضة، لديهما ستة أولاد، لا يمكنه تحمل عبء بنتي) تهز برأسها وتبكي بصوت مرتفع:
( مرضت الطفلة ولم تكف نقودي ثمنٱ للطبيب والدواء، أخي لا يستطيع، هو بالكاد يتدبر رغيف الخبز لعائلته، قالوا لي ارفعي دعوى نفقة على زوجك / طليقك، فعلت، لكن ليس لي إلا الله، هو ميسور وقد وكل محامي وادعى أنه فقير لا يملك شيئٱ، وأنا لا أملك المال من أجل المحامي).
السيدة ليان ، العمر 34 سنة :
( تزوجنا عن حب، أغضبت أمي وأبي، وخالفت أهلي وكنيستي وتزوجته، دام زواجنا أربع سنوات. بدأت المشاكل تقتحم بيتنا منذ السنة الأولى، أنجبت ابني أيسر على أمل أن يصلح الطفل علاقتنا كما نصحوني، الأمر الذي لم يحدث، قبل أن نتمم السنة الرابعة انفصلنا بكل احترام وتفاهم، عندما علم أبي بذلك صالحني، وعدت إلى بيت أهلي أنا وابني ننعم بالهدوء، لم يتوقف حسام “والد أيسر ” عن زيارته في كل أسبوع، كان يجلب له الألعاب ويساعدني في نفقاته، حتى بلغ أيسر التاسعة من عمره، حينما تقدم للزواج مني أحد الرجال من طائفتي كنت قد ناهزت الثلاثين، بالفعل تزوجنا و اصطحبت أيسر للعيش معي في بيتي الجديد، هنا قريباً من بيت أهلي، منذ شهرين فوجئت أن حسام قد رفع دعوى ضدي يطالب فيها بانتقال حضانة ابننا إليه، وذلك بسبب زواجي من رجل “على غير دينه”!
لم تكن إرادتي بل إرادته هو، قال أنه لن يستطيع العيش معي بعد اليوم، وتزوج في نفس اليوم الذي أرسل لي فيه ورقة الطلاق، حينما أخبرني بعزمه على الطلاق خيرني بين أمرين : أن أمضي في سبيلي، وآخذ كامل المهر- على فكرة مبلغ المهر لا يعادل شيئٱ في هذه الأيام- أو أن أبقى في البيت وأربي أطفالي، ولا أقصر في تربيتهم ورعايتهم – لدي بنت وولد – هو لم يكتف بموافقتي على البقاء في بيته وتربية أطفالي، لقد جعلني أوقع على ورقة أتعهد فيها أن أكرس حياتي لتربية ولدي وفق تعليماته، وأنني إن تزوجت ، أو قمت بمجرد التعارف مع أي شخص آخر، فإن حقي في الحضانة سوف يسقط، وفي المسكن، وفي كل النفقات الأخرى، وأنه سوف يحرمني رؤية أولادي. هناك شهود أيضٱ وقعوا مثلي على هذه الورقة.
*****
الحضانة في قانون الأحوال الشخصية السوري.
تنص الماده 137 من قانون الأحوال الشخصية، المعدلة في سنة 2019 على ما يلي:
” يشترط في الحاضن العقل والبلوغ والسلامة من الأمراض المعدية الخطيرة، والقدرة على تربية المحضون ورعايته وحفظه صحة وخلقٱ، وألا يسبق الحكم عليه بجريمة من الجرائم الواقعة على الشرف.
كما اشترط القانون في المرأة الحاضن زيادة على الشروط الواردة سابقٱ: أن تكون خالية من زوج أجنبي عن المحضون الا اذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون. واشترط في الرجل الحاضن علاوة على الشروط السابقة: أن يكون عنده من يصلح للحضانة من النساء، وأن يكون ذا رحم محرم للمحضون الأنثى، في حين تستمر حضانة الأم ولو كانت على غير دين أبي المحضون ما لم يثبت استغلالها للحضانة لتنشئته على غير دين أبيه، وتسقط حضانة غير الأم إن كانت على غير دين أبي المحضون بإتمامه الخامسة من العمر.”
*************
من الواضح أن السيدة ( دينا. ش ) تتمتع بكامل حقها في حضانة طفلتها، دون أي تعارض مع القانون، غير أن الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه هذه السيدة فرض عليها حرمانٱ من الحد الأدنى لشروط الحياة السليمة.
لا يمكن للإنسان أن يتخيل الوجع والألم الذي يدفع الأم إلى التخلي عن طفلها، فلو توفر لهذه السيده مسكن او مورد محدد لما فعلت وهذا ما يفترض أن تقدمه الحكومة عبر مؤسسات مدنية اجتماعية تعنى بمعالجة المشاكل الأسرية، و تساند المرأة ماديٱ ومعنويٱ ، وهذا لا يتوفر البتة في البلاد، على العكس إن سوء المعيشة يزداد فتكٱ بالناس، وإن الظروف المجحفة التي تعيشها المرأة أصبحا وكأنهما قاعدة حياتية لا مناص منها، حيث تنعدم أي إرادة أو مبادرة لتحسين سبل العيش.
أما السيدة (ليان) فإن الفقرات التالية والتي تنصب معاناتها، إذ تنص على ما يلي:
” يشترط في المرأة الحاضن زيادة على الشروط الواردة أن تكون خالية من زوج أجنبي على المحضون.”
والفقرة التي تنص على ما يلي: ” في حين تستمر حضانة الأم ولو كانت على غير دين أبي المحضون ما لم يثبت استغلالها للحضانة لتنشئته على غير دين أبيه، وتسقط حضانة غير الأم .. إلخ “
لا شك أن ثمة إرباك غير مفهوم فيما تنص عليه الفقرتان الواردتان أعلاه ، من حيث أن الزواج من غير دين أمر وبارد ، غير أن انعدام أي لائحة قانونية تقر وتدرك هذا الواقع يجعل الزواج من غير دين يخضع لمزاج القضاة وللثغرات القانونية، ولسلطة من كان يملك نفوذٱ في هذه الحقول، وهذا ما حرم السيدة ليان حضانة طفلها .
في ظروف الحرب التي امتدت لسنوات عديدة ، وأدت إلى كوارث حياتية مختلفة ، من أهمها فقدان السند ( المعيل ) ، بات لدينا العديد من الأسر التي تخلو من المعين والسند، وليست هناك من تسمية قانونية عبر تنص تعالج هذه الظاهرة ، لقد تركت هذه المعاناة للمجتمع ليتدبرها كيفما اتفق، وأصبح الأمر منوطٱ بالحظ، فإن أحيطت الأسرة التي تفقد معيلها بمحيط عائلي واجتماعي متفهم ومتعاون فيا للحظ الطيب، وإلا فإن الاحتمالات على شتى قسوتها مفتوحة ، ولاسيما في ظل المعاناة الشاملة، والعبء كله سيقع على الأم كما في حالة السيدة بارعة.
إن عدم توعيه الأمهات بحقوقهن الشخصية، كحق النفقة والحضانة، يجعلهن عرضة للاستغلال والابتزاز، من ناحية أخرى، قد تعي السيدة كامل حقوقها وواجباتها، غير أن افتقارها للمال والنفوذ يجعلها خاسرة أمام الخصم الذي يعرف جيداً كيف يتلاعب في المساحة الفارغة في مجال القانون.
وهنا بالضبط نعود لنؤكد على ضرورة استقلال القضاء كي يتمكن من تحقيق العدالة المرجوة منه.
أوردت فتاة RT روسيا اليوم تقريرٱ عن الخيانة الزوجية في سوريا ، وبينت أن كل 29 ألف واقعة زواج يقابلها 11 ألف طلاق ، وأكد القاضي الشرعي الثالث في دمشق خالد جندية ، أن ازدياد معدلات الطلاق المسجلة في العاصمة السورية إنما تعود في معظمها إلى ارتفاع معدلات الفقر، وذكر أن نسب الطلاق إلى الزواج باتت متقاربة خلال السنوات الاخيرة.
إن دراسة قانونية واجتماعية عميقة ومتأنية يجب أن تبدأ من جديد، لملاحظة كل الظواهر وما ينجم عنها من معاناة، ودراستها وتفنيدها من جميع الجوانب من أجل معالجتها قانونيٱ وانسانيٱ.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”