Search
Close this search box.

أمهات يعدن إلى مقاعد الدراسة في إدلب

أمهات يعدن إلى مقاعد الدراسة في إدلب

هاديا منصور

 حب حنان الأحمد (٤٠عاماً) لمتابعة تعليمها الذي حرمت منه منذ عقود بسبب العادات والتقاليد والمجتمع المحافظ دفعها لاستدراك حلمها التعليمي وإن جاء متأخراً، والكتاب بات بالنسبة لها أنيس وحشة وصديق في وقت ضاقت بها الحياة بعد نزوحها الأخير.

لم يعد رؤية أمهات على المقاعد الدراسية والجامعية أمراً مستغرباً في إدلب وشمال غرب سوريا بعد عودة الكثيرات لإكمال دراستهن رغم الصعوبات والظروف التي تواجههن.

تقول الأحمد أن قرارها بالعودة إلى الدراسة جاء بعد أن أصبح ابنها رائد في الثانوية العامة، وهنا بدأت بمساعدته على فهم الدروس وتسميعها ونظراً لحنينها الگبير للدراسة والمدرسة خطر ببالها الاستفادة من الأمر والدراسة مع ابنها وإن كان في المنزل.

وتروي الأحمد قصة انقطاعها عن التعليم بأنها وبعد حصولها على شهادة التعليم الأساسي منعوها أهلها من المتابعة الدراسية وعمدوا لتزويجها من ابن عمها بحجة أن” الفتاة مرجوعها لبيت زوجها” وأنهم اختصروا عليها سنوات من الدراسة التي لا تحتاجها الفتاة بقدر ما تحتاج للاهتمام ببيتها وزوجها وأبنائها ” وكأن الفتاة المتعلمة غير قادرة على العناية والاهتمام ببيتها وأبنائها” تتساءل الأحمد.

تنحدر الأحمد من قرية تلمنس حيث المجتمع القروي الذي ينظر للفتاة التي تتجاوز سن التاسعة عشرة على أنها باتت عانساً وكثيراً ما يلجأ الأهالي لتزويج بناتهم القاصرات في أعمار صغيرة قبل أن يصبحن ” غير مرغوبات للزواج”.

انصاعت الأحمد لرغبة أهلها ومعتقدات مجتمعها وفي قلبها غصة بعدها عن الدراسة وقضاء الزواج على كل أحلامها.

ولكنها اليوم وبتشجيع زوجها وأبنائها عادت مجدداً لتحقيق حلمها، هي لا تطمح فقط للحصول على شهادة الثانوية العامة بل ترغب بدخول الجامعة مع ابنها رائد، وسوف تختار قسم معهد إعداد المدرسين ليتاح لها تعليم الأطفال النازحين الذين حرمتهم الحرب من أبسط حقوقهم في التعليم والدراسة.

لاتخفي الأحمد تعرضها للكثير من عبارات السخرية والانتقادات في الوسط المحيط لقرارها بالعودة إلى الدراسة ومنها” بعد ما شاب ودوه الكتاب” وغيرها من العبارات المحبطة والسلبية، لكنها لم تعر تلك الأقاويل أي أهمية وتجاهلت الأمر ماضية بما بدأت به بكل إصرار وتحدي.

رائد الابن الأكبر لحنان يفخر بأمه “العظيمة التي تكافح لتحصل على موقع أفضل ومكانة علمية مرموقة رغم عمرها ومسؤولياتها الكبيرة” ويرى أن تقدم والدته في السن لا يمنع من متابعة الدراسة وذلك لقدرتها على الحفظ والتركيز، وروح المنافسة بينهما تعد حافزاً لكليهما على النجاح والتفوق.

من جهتها تواجه الثلاثينية صفاء الحسون وهي أم لأربعة أبناء بعض الصعوبات بعد اتخاذها قرار متابعة الدراسة ومنها أنها لا تستطيع الدوام اليومي في الجامعة بسبب مسؤولية الأولاد والأعمال المنزلية ولذا فهي تحاول التنسيق بين وقت الدراسة والعناية بأبنائها.

 تسعى الحسون لاحضار المحاضرات المطبوعة ودراستها في المنزل بعد الانتهاء من واجباتها، واستفادت أيضاً من الدروس والمحاضرات المسجلة على اليوتيوب.

اتخذت الحسون قراراها بعد نزوحها من ريف إدلب الجنوبي واستقرارها في منزل بالقرب من جامعة إدلب، فخطر في بالها الاستفادة من الأمر لمتابعة دراستها التي فاتتها بالصغر والتي لطالما حلمت بأكمالها لشغفها الكبير في التعلم وخاصة وأن لديها أوقات فراغ في المساء أرادت استغلالها في الدراسة والتحضر للامتحانات، وتعبر عن سعادتها بالعودة إلى الدراسة بالقول” شعور رائع ينتاب المرء وهو يمضي في تحقيق ماحرم منه، إنه شعور يشبه كمن كان ضائعاً في متاهات الحياة ووجد الطريق الذي سيوصله إلى بر الأمان أخيراً”.

الحسون مصرة على متابعة تحقيق ماتصبو إليه، وقد غدت في سنتها الجامعية الثانية قسم اللغة العربية، وهي ترى أن التعليم لا يرتبط بعمر أو مرحلة معينة، فطريق العلم مفتوحاً دائماً للباحثين عنه، “الإرادة تصنع المعجزات “على حد تعببرها.

المرشدة الاجتماعية سلوى الخطيب (٣٩عاماً) تثني على النساء اللواتي اتخذن قرار العودة إلى الدراسة واستدراك ما فاتهن من التعليم والعلم والمعرفة قائلةً أن حق التعليم أحد الحقوق الأساسيّة للمرأة، والذي تعد الكثير من النساء والفتيات حول العالم محرومات منه بسبب الفقر، والزواج المبكّر، إضافةً لبعض الضوابط الاقتصاديّة والاجتماعيّة المبنيّة على نوع الجنس، لذا تقوم عدد من المنظمات من ضمنها منظمة اليونسكو بالدفاع عن المساواة بين الرجال والنساء في التعليم.

وتؤكد أن تعليم النساء تجاوز مجرد الحاقهن بالمدرسة أو المعهد أو الجامعة فهو يعني شعورهن بالأمان وتزويدهن بالقدرات اللازمة، وتعلم المهارات الاجتماعية والعاطفية والحياتية الضرورية للتعامل مع عالم من التغيير وكيفية التكيف معه والإسهام في مجتماعاتهن المحلية.

وتؤكد أن النساء الأفضل تعليماً هن بالعادة أوفر صحة مقارنة بغيرهن من غير المتعلمات وتزداد مشاركتهن في سوق العمل ويكسبن دخلاً جيداً و يقدمن تعليماً أفضل لأطفالهن ويساعدن بشكل كبير على انتشال أسرهن من غياهب الفقر والجهل.

المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا قالت: “إن التعليم هو ضرورة من ضرورات حقوق الإنسان ، وهو ضرورة إنمائية ، كما أنه ضرورة أمنية، ولهذا السبب يجب علينا أن نضمن أن يتمكن كل فتى وكل فتاة من الذهاب إلى المدرسة، وأن يتلقوا التعلم السليم ويساهموا مساهمة كاملة في المجتمع الذي يعيشون فيه، وهذا هو ما لا يحدث في كل بقعة من بقاع العالم فالفتيات والنساء هن اللاتي يواجهن أقسى الظروف”.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »