Search
Close this search box.

عزوف الشباب عن الزواج

عزوف الشباب عن الزواج

ندى الزعبي
تنامت ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في درعا بشكل كبير خاصة خلال السنوات الأخيرة الماضية، ما أدى لازدياد نسبة العنوسة لدى الفتيات بشكل ملحوظ، في ظل ظروف اقتصادية قاسية يعيشها الأهالي.

وبما أن الأسرة هي حجر الأساس الأول والثابت في بناء المجتمع، فإنّ قضية العزوف عن الزواج أو تأخره من الوسائل المدمرة لنشوء الأسرة، ويؤدي لفساد كبير، وأخطار عديدة.

آراء بعض الشباب في درعا

في حديث خاص قال (م.ز) وهو معتقل سابق في سجون النظام لمدة 8 سنوات رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: “لم أنهي دراستي الجامعية فقد تم اعتقالي أثناء ذهابي لتقديم مشروع التخرج، وعندما خرجت من المعتقل لم يُسمح لي بتقديم البحث والحصول على شهادتي لأنني إرهابي ومحروم من كامل الحقوق في وطني كما يقول النظام، وبالتالي خسرت كل شيء سنوات عمري في المعتقل ودراستي، وتفاجأت عند خروجي بأن الدنيا انقلبت رأساً على عقب، فالدمار منتشر في كل مكان والاقتصاد منهار والليرة السورية تراجعت لتصل لمستويات قياسية لم يسبق أن وصلتها، وأنا الآن في الـ 33 من عمري ولا أجد عملا ولا أقوى على بناء غرفة والارتباط وتكوين أسرة”.

أما الشاب “محمد علي” البالغ من العمر 35 عاماً، فقد أشار لضيق الحال الذي يعيشه بعد دمار منزله في الحرب، وهو الآن يعيش في بيت لأحد أقاربه المقيمين في دولة خليجية ويحاول أن يؤمن قوت يومه من خلال الأعمال الحرة اليومية، ويقول: “بصراحة هناك تسهيلات من الأهالي في أمور الزواج فنحن في درعا أبناء عشائر وتجمعنا صلات قرابة ونسب، إضافة للتقارب الاجتماعي فيما بين أهالي المحافظة وجميعنا يعرف بعضه البعض لذلك هناك تسهيلات من الأهالي لكن رغم ذلك أنا لست قادر على الزواج وتكوين أسرة، فاليوم زواج وغداً أولاد وأنا غير قادر على تكوين أسرة فالوضع من سيء لأسوء والأسعار في ارتفاع”، واستشهد “محمد” بأحد أقاربه المتزوجين حيث أنه غير قادر على تأمين ثمن حفاضات وحليب لطفله الرضيع.

 وفي ذات السياق تحدثت الشابة “أسماء. ش” عن الأمر قائلة: (أنا الآن في 37 من عمري وأعمل مدرسة في إحدى المدارس، ولم أتزوج رغم أنه لا طلبات لنا، ولكن أعداد الشباب قليلة بعد الحرب بسبب اعتقال واستشهاد أعداد كبيرة منهم وآخرين تم تهجيرهم قسراً خارج البلاد وبالتالي كثرت أعداد الفتيات غير المتزوجات والأرامل مقارنة بأعداد الشباب، وما زاد الطين بله هو الوضع المعيشي السيء وعدم توفر فرص عمل يدفع الشباب للزواج).

أسباب العزوف عن الزواج

ترى الباحثة الاجتماعية الأستاذة “كبرياء الساعور”، أن الشباب هم الفئة الأبرز التي دفعت ضريبة الحرب في سوريا، والتي أدت لعزوفهم عن الزواج، خاصة مع غياب عامل الأمن والاستقرار، جراء التفجيرات والاغتيالات والاعتقال والسوق للخدمة العسكرية.

وأوضحت “الساعور” أن أحد الأسباب المهمة لهذه الظاهرة هو الواقع الاقتصادي السيء الذي يعد العامل الأبرز في انتشار هذه الظاهرة، إضافة لارتفاع معدلات البطالة وغياب قدرة الشباب على تأسيس عائلة في ظل تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات المهور، مشيرة في الوقت ذاته أن هذه المشاكل يواجهها السوريون ليس فقط في درعا بل في سوريا عامة وخارجها أيضاً.

وفي تصريح خاص قال المحامي “عدنان المسالمة” عضو اللجنة المركزية في درعا، إنه لا يوجد إحصائيات رسمية عن أعداد الشباب العازفين عن الزواج أو نسب العنوسة في المحافظة إلا أن الأرقام كبيرة.

وتابع المسالمة: “إن الشباب في درعا يعيشون ظروفاً صعبة بسبب عدم تمكنهم من الحصول على وثائقهم الرسمية لأسباب عديدة،  منهم بشكل أساسي المنشقين عن جيش النظام (الفرار) ومستحقي السوق للخدمة والمطلوبين للاحتياط وأيضاً المطلوبين أمنياً، وجميع هؤلاء لا يستطيعون الحصول على وثائق رسمية وأوضاعهم غير مستقرة لذلك هناك صعوبات كثيرة تمنعهم من تثبيت زواجهم أو تسجيل قيودهم وقيود أولادهم في حال تم زواجهم حتى عرفياً”.

وبحسب “المسالمة” فإن صعوبات أخرى تواجه الشباب وهي أسباب اقتصادية إضافة للفقر المدقع الذي أصاب معظم الشباب بسبب عدم توفر العمل أو فصلهم من عملهم بسبب مواقفهم المعارضة للنظام وعدم قدرة هؤلاء على العودة لوظائفهم وبالتالي فإن معظم الشباب عاطل عن العمل ولا يستطيع الزواج”.

كما يرى الشيخ “أبو ثابت الكفري” أن السبب المباشر وراء عزوف الشباب عن الزواج هو الوضع المعيشي السيء وعدم قدرة الشباب على تأمين تكاليف الزواج وما يترتب عليه فيما بعد من التزامات أسرية، مشيراً إلى أن البطالة والفقر الشديد هو ما أدى إلى انتشار هذه المشكلة في المجتمع السوري.

وأضاف “الكفري” في حديثه، أن هناك مشكلة أخرى أدت لانتشار هذه الظاهرة وهي اعتقال واستشهاد مئات الآلاف من الشباب، ممن هم في سن الزواج أو ممن لم يمض فترة قليلة على زواجهم، وهذا أثر سلباً في كثرة الفتيات وقلة الشباب وأدى لازدياد عدد العوانس والأرامل.

ويضاف إلى الأسباب الأخرى، أنه ومنذ سيطرة قوات النظام على درعا في شهر تموز من عام 2018، أصبح الطلب للخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية أمرًا يعوق قدرة الشباب على العمل وتحسين مستوى معيشتهم كي يتناسب مع متطلبات الزواج، بحسب تقاليد المجتمع الذي يعيشون فيه.

 مخاطر العزوف عن الزواج

وهناك آثار مستقبلية خطيرة جداً على المجتمع السوري وعلى الشباب من مشاكل نفسية واجتماعية كبيرة وفق الباحثة الاجتماعية “كبرياء الساعور”، ما سيؤدي لتداعيات عديدة منها انتشار أنواع الزواج العرفي وغير الشرعي والذي لا يضمن حقوق المرأة ويهدد استقرار الأسرة التي هي نواة المجتمع ما يؤدي إلى تفككه.

حلول للحد من الظاهرة

 ترى الباحثة الاجتماعية “كبرياء الساعور” أن هناك تغيّراً بالقيم الثقافية بالمجتمع بالنسبة للزواج ولكن بعض العائلات لا تزال تتمسك بالعادات القديمة وهي المهور العالية وتكاليف الزواج الباهظة، وهنا يجب على الأهالي تيسير أمور الزواج وعدم المبالغة في طلب المهور ومستلزمات منزل الزوجية.

وطالبت “الساعور” المنظمات بضرورة دراسة هذه الظاهرة للوقوف على أسبابها وتداعياتها وإيجاد الحلول للحد منها، كتقديم الدعم للشباب وتأمين احتياجاتهم من فرص عمل لتأسيس حياة وتكوين أسرة تساهم في بناء المجتمع السوري مستقبلاً.

  هذا ويعتبر الشباب في محافظة درعا أن غموض الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة، والتخوف الدائم من نشوب عمليات عسكرية جديدة تكون نتيجتها مزيدًا من التجنيد، في حين لا توجد حتى الآن أي جهة مدنية أو عسكرية تفرض نفوذها على كامل المحافظة، لتعيد إليها الأمن والاستقرار، أحد الأسباب المرتبطة بعزوف الشباب عن الزواج، إذ أن المنطقة تعيش صراعات بين عدة أطراف كإيران وروسيا والنظام ويدفع الأهالي خاصة فئة الشباب ثمن هذه الصراعات.

 إضافة للعادات والتقاليد التي تزيد من عناء الشبان وتقلل من رغبتهم في الزواج، المتمثلة بتكاليف الزواج المرتفعة من مهر بمبالغ مقدمة ومؤجلة، وتجهيز بيت الزوجية (غرفة النوم وملابس العروس وتكلفة تزيين العروس وأدوات كهربائية وأدوات المطبخ…)، فيما تراجع بعض الأهالي عن اشتراط تقديم الذهب للعروس نظرًا لسعره المرتفع، أما المهر يعتبره معظم الأهالي في المنطقة حقًا وضمانًا للعروس.

ويبقى موضوع عزوف الشباب عن الزواج، مسألة خطيرة تقلق الأهالي والباحثين الاجتماعيين، لما تحمله من مخاطر وأثار سلبية على الشباب والفتيات والمجتمع بشكل عام، دون وجود جهات مختصة تتابع هذا موضوع وتقف بجانب الشباب لتكوين أسرة تساعد في بناء المجتمع السوري مستقبلاً.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »