راما العبوش
خلخلت الثورة السورية مفاهيم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد. غير أن هذه الخلخلة لم تظهر نتائجها النهائية بعد، ومن بين النتائج التي بدأت بالظهور أنه قد أتيح للمرأة السورية أن تنظّم نفسها بمنظمات مجتمع مدني، تدعو من خلالها إلى اعتبارها شريكاً في صناعة القرار الوطني بكل جوانبه.
نينار برس أجرت تحقيقاً صحفياً مع شخصيات سورية مقيمة في تركيا على علاقة بالمنظور النسوي لعملية إعادة الإعمار.
عشرة أعوام مرّت على بدء الثورة السورية، ولا تزال المرأة في مناطق الشمال السوري تعاني من فقدٍ كبير للحقوق، ومن منعٍ حقيقي لتسنم أدوار قيادية مجتمعية سواء في المجالس المحلية، أم في مؤسسات عامة أخرى، وهذا يرتكز على عدم وجود مرجعية عقد اجتماعي يحدد حقوق المرأة ويحترمها.
نينار برس استقصت رأي الباحثة الاجتماعية وضحى العثمان، وهي مديرة جمعية “رفقاً النسائية حيث قالت:
“تتم عملية إعادة الإعمار من خلال مراحل عدة، وهي ترتبط بإرساء السلام وتحقيق التنمية وبناء الدولة”.
وترى السيدة وضحى أن مناطق الشمال السوري صعبة ومعقّدة على الصعد كافة، وخصوصاً على الصعيد النسوي، وبرأيها أن ذلك مرتبط بواقع حال الفصائلية العسكرية في المنطقة المذكورة.
لكنها من جهة أخرى تعتقد أن أول مرحلة من إعادة الإعمار تتعلق بانتقال البلاد من الحرب إلى السلم، فإذا تأخرت هذه المرحلة ستتأخر عملية إعادة الإعمار. مضيفةً: “مرحلة إعادة الإعمار هي أيضاً مرحلة بناء الدولة”. وهذا برأيها يتطلب عملية تغيير اجتماعي واقتصادي شامل، مبني على عقد اجتماعي جديد”.
وتقرّ السيدة وضحى: “أن إحدى المهام الأساسية هي تحديد أوليّات إعادة الإعمار وترجمتها إلى عمل مشترك يستند إلى خطط مفصلة، وأهداف متفق عليها، وإلى صياغة استراتيجيات ومقترحات لإعادة بناء البنية الاجتماعية والاقتصادية”.
كيف يمكن أن تساهم المرأة كشريك في إعادة الإعمار وهناك مؤشرات على غياب أي وثيقة دستورية تحفظ لها حقوقها السياسية والاجتماعية وفي سوق العمل، فالمرأة لا تزال قيد ذهنية ترى فيها أنها بحاجة إلى تأهيل وتدريب ليتسنى لها الانخراط بالعمل وإدارته.
المحامية والأديبة عفاف الرشيد، التي تنشط من أجل حقوق المرأة، تقول: “من أوليّات إعادة الإعمار، وقف العنف، ووقف التمييز ضد النساء، والعمل بقوة على المحور الاجتماعي”. وهي ترى أن ظروفاً معيقة لإعادة الإعمار في الشمال السوري من منظور نسوي لا تزال قائمة.
وترى المحامية عفاف “أن إعادة تأهيل البنية التحتية، ضرورة، وهذا يحتاج إلى وقف الحرب وإرساء السلام، فلا إعمار بدون أمن.
كذلك فهي تعتقد أن مساهمة المرأة في إعادة الإعمار في الشمال السوري ستكون ضعيفة، لأن الظروف الاجتماعية في هذه المنطقة تعيق من هذا الدور، ومع ذلك يمكن للمجالس المحلية أن تلعب دوراً في هذه العملية بوقتها.
وتقرّ المحامية عفاف أنه لا تزال هناك نظرة دونية للمرأة، وأن الفقر يشكّل بيئة مناسبة لانتهاك حقوقها وحقوق الطفل في مناطق الشمال السوري.
معتبرةً، أن المساواة بين الجنسين لا تزال بعيدة المنال، سواء على صعيد القوانين، أو المشاركة بالقرار السياسي أو الإداري، وهذا برأيها يضعف من المنظور النسوي لإعادة الإعمار في شمال سوريا الخاضع لسلطة الفصائل العسكرية للمعارضة السورية. لكنها تقرّ بوجود نشاط نسوي يلعب دوراً في المنطقة المذكورة، من خلال منظمات المجتمع المدني، وقد شمل هذا النشاط عمليات إغاثة أو تعليم أو دعم نفسي أو غيرها من العمليات غير القيادية سياسياً وإدارياً في المجتمع
إن مشروع إعادة الإعمار بشقيه المادي والانساني، يحتاج إلى شروط تتوفر لتحقيق نتائج بهذا الصدد، فإضافة إلى شرطي الانتقال السياسي السلمي أولاً، وسيادة الأمن والأمان من خلال وقف إطلاق النار المستدام، تحتاج عملية إعادة الإعمار إلى وجود نية تشاركية في رصد احتياجات هذه العملية من منظور نسوي.
تقول السيدة غيثاء أسعد وهي مقيمة في تركيا، وتنشط في الشأن النسوي: “علينا أن نهتم بداية بالبنى التحتية التي تساهم في خدمة جمهور النساء، مثل منشآت الصحة والتعليم، فهذان القطاعان هامان من حيث توفير خدمات هامة تحتاجها المرأة السورية في منطقة الشمال السوري”.
وحول قطاع الصحة، تحتاج النسوة في الشمال السوري إلى وجود مراكز صحية متخصصة بالمسألة الإنجابية والصحة الإنجابية، إذ تركّز السيدة أسعد على ما تسميه: محور التنمية المجتمعية في إعادة الإعمار، وتوحيد الجهود في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، وهذا سيكون له أثر إيجابي ومستدام، مثل التركيز على الأدوار المنوطة بوحدة حماية الأسرة في مرحلة إعادة الإعمار، وإنشاء مراكز مجتمعية تعمل على مبدأ المواطنة وتمكين المرأة.
ولكن للوصول إلى عتبة إعادة الإعمار وفق منظور نسوي، ترى السيدة أسعد أنه “لا يمكن تحقيق إعادة الإعمار والمساهمة النسوية فيها، إلا من خلال إعادة النظر في الكثير من القضايا والقوانين الدستورية المجتمعية، وعلى رأسها قضية المساواة بين المرأة والرجل على أساس المواطنة العادلة بكل الشؤون، وأولوية التشاركية في إعادة إعمار الوطن”.
السيدة غيثاء أسعد لم تأخذ بالحسبان وضع الشمال السوري، الذي لا تزال تغيب عنه أوضاع دستورية تحدد حقوق المواطن/ة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، فالمطلوب تنظيم حقوق المواطنة وتحديداً في شقها النسوي، الذي لا تسمح بالتعبير عنه حقائق الواقع القائم، والمحكوم من الفصائلية العسكرية.
ولهذا نجدها تؤكد على تقوية نظام الرعاية الاجتماعية، الذي تعتبره أساس إعادة الإعمار، مع ضرورة وجود وثيقة دستورية تحدد الحقوق والواجبات.
أي خطة إعادة إعمار تحتاج بالضرورة إلى إيلاء أهمية لتوفير الخدمات العامة والبنى التحتية، فهذه الخدمات تساهم في مجالات الصحة والتعليم وتوفير مستلزمات الحياة اليومية مثل الطاقة المنزلية، كهرباء وغاز ومواد بترولية، إضافة إلى مراكز ذات اختصاص بتطوير ثقافة الجندر وتعميق تلبية الاحتياجات النسوية.
السيدة نجود الهفل خبيرة بشؤون الجندر، وتعمل في منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان “JHR” تقول: “يجب وضع ملامح لخطة إعادة الإعمار، وأن ترتكز هذه الملامح على رصد احتياجات النساء والرجال والشابات والشبان، من أجل وضع استراتيجيات متوسطة أو بعيدة لتلبية هذه الاحتياجات، سيما في قطاعات الحياة الأكثر أهمية”.
من جهة أخرى ترى السيدة نجود “أن تعزيز وتفعيل مشاركة النساء السياسية والمجتمعية في مرحلة إعادة الإعمار والبناء يجب أن ترتكز على الجهود والأدوار التي لعبتها النساء خلال مرحلة النزاع”. وباعتقادها، فإن خطة إعادة الإعمار لن تكون حقيقية ومستدامة وواقعية، ما لم يتم تقييم الضرر، حيث الضرر المعنوي والنفسي وغير المباشر، الذي أصاب الأسر نتيجة القصف والموت والعنف والنزاع المستمر غالباً يتم التغاضي عنه، أو تجاهله.
لكن السيدة نجود الهفل تركّز على جوانب أخرى في إعادة الإعمار مثل ضرورة وجود حماية قانونية دولية للنساء، تمكنهن من إثبات ملكيتهن في حال غياب الزوج أو وفاته، وتعزيز الرقابة والمساءلة وآليات الاستجابة للشكاوى.
وحول تعزيز وتفعيل دور المرأة في عملية إعادة الإعمار، تقول السيدة الهفل: “هناك ضرورة لمشاركة النساء السياسية والمجتمعية، من خلال الاستفادة من التغيير التدريجي والايجابية الذي حصل في سياق الأعراف والتقاليد والنظرة للنساء وعملهن خارج المنزل”. ولهذا فهي ترى أن النساء عنصر أساسي في أي جهود لإعادة الإعمار، وما يسبقها من جهود بسط السلم والأمن.
ووفق هذا المنظور تقدّم السيدة نجود مقترحاً فتقول: “يجب تسليم النساء رئاسة البلديات، وتقييم الضرر المباشر وغير المباشر، وتشكيل لجانٍ نسائية لرصد الأثر الجندري، وإصلاح وتعديل قوانين الملكية والرقابة والمساءلة.
وحول المعوقات التي يمكن أن تواجه إعادة الإعمار من منظور نسوي، تقول السيدة نجود الهفل: “أشارت النساء إلى الممارسات الإقصائية والعقابية على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تتم بغطاء قانوني، لتخلق تداعيات خطيرة على المستويات الاجتماعية والديمغرافية والثقافية، ما سيتسبب باستمرار النزاع”.
وتوضح السيدة نجود فكرتها: “إن أي جهود لإعادة الإعمار يجب أن تتوفر لها كل تلك المستلزمات السياسية والقانونية وضرورة التخطيط وتحديد الأوليّات.
إعادة الإعمار موضوعة ذات قيمة استراتيجية بالنسبة لشمال سوريا، فهذه العملية لا ينبغي تحويلها إلى مجرد عملية اقتصادية فحسب، بل هي عملية إعادة محورة بناء المنطقة وفق آليات تخدم تنميتها الشاملة اللاحقة، والتي يمكن أن تؤسس لها إعادة اعمار.
إعادة الإعمار تعني توظيف القدرات البشرية والاقتصادية المتاحة عموماً، وتعني استثمار الطاقات النسوية على قدم المساواة في التخطيط والبناء وصنع القرارات في كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لا يمكن التفكير بإعادة الإعمار في الشمال السوري، بدون وضع خارطة طريق لإعادة إعمار الانسان والبنية التحتية بصورة متزامنة، وفق هذه الرؤية يمكن فهم أن إعادة الإعمار تحتاج إلى توفر عناصر كثيرة تخدم هذه العملية منها مراكز تأهيل اجتماعي وتوعوي للمرأة السورية وتوفير أطر قانونية لنشاطها وانخراطها بعملية إعادة البناء جنباً غلى جنب مع شريكها الرجل.
في هذا المنحى تقول السيدة نضال الشيخ وهي مديرة رابطة نساء الغد، وناشطة في المجال المدني: “تعرضت سوريا لدمار أكثر من ثلث بنيتها التحتية في عموم البلاد، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة وجبّارة على صعيد إعادة الإعمار”.
وبرأيها، فإن إعادة الإعمار في الشمال السوري هي ذات شقين، الشق الأول يتعلق بإعادة إعمار البنية التحتية، والشق الثاني يتعلق بإعادة إعمار الانسان السوري نفسياً وفكرياً وعلمياً. وهذا يتطلب تقديم إطار نظري، يشرح كل ما يتعلق بعملية إعادة الإعمار سواء في التخطيط أو الإدارة أو التمويل أو الأهداف، من خلال مشاركة المرأة في كل تلك الخطوات.
وترى السيدة نضال أن المرأة يجب أن تخرج من دورها التقليدي الأسري نسبياً، كي تستطيع الانخراط بقوة في إعادة الإعمار، وهذا الأمر يستلزم حشد جهود النساء، ليكون لهنّ صوت في صنع سوريا القادمة. مضيفةً، أن هناك دوراً للنساء إلى جانب الرجال، يستطيع تتحدد بموجبه الاحتياجات والأوليّات الخاصة بهنّ، فالرجل لا يقدم رؤيته في هذا الجانب مثلما تقدمها المرأة، وهي صاحبة المصلحة المباشرة.
لكن السيدة نضال تصرّ على أن عملية إعادة الإعمار عملية متكاملة بشقيها البنية التحتية والانسان، لأن هذا الأمر شأن مجتمعي يخص الجميع، والذي تشكل فيه النسوة النصف الآخر.
ما قيمة أي حديث عن منظور نسوي لإعادة الإعمار دون وجود ركائز مادية لهذا المنظور، هذه الركائز تحتاج إلى إجراءات ذات صفة ملزمة، بخصوص “كوتا نسائية”، فمن الذي يضمن هذا الإلزام؟
يعتقد السيد فرانسوا زنكيح الذي يشغل عضوية العلاقات الخارجية في الحركة السياسية النسوية، ويعمل مدرباً في بناء السلام وإدارة النزاعات،” إن الحلول السياسية المستدامة، لا يمكن أن تكون بدون مشاركة عاجلة للنساء، وبدون مساواة حقيقية معهن”. وبرأيه فإن عملية إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم إلا بعد انتقال سياسي، هذا الانتقال يجب أن تكون النساء شريكات به.
لكن السيد فرانسوا يعتقد بضرورة وجود قوانين عادلة تنصف النساء، وتتيح لهن المشاركة في إدارة مشاريع إعادة الإعمار، ولا سيما القسم الاقتصادي والفني والإداري.
وحول انخراط النساء في عملية إعادة الإعمار، يقول السيد فرانسوا: “للنساء تاريخ كبير من النجاح في التخطيط وبناء السلام، فهناك كثير من النساء يعملن في الشأن العام، ولكن مشاركتهن لا يمكن أن نطلق عليها صفة عادلة”.
ويتوقع السيد فرانسوا أن تكون هناك بعض هيمنة أبوية في إعادة الإعمار، وأنه “ينبغي أن تأخذ النساء حقوقهن في دورهن المهني دون تنميط.
وحول معوقات إعادة الإعمار من منظور نسوي، يقول السيد فرانسوا: “ستكون هناك هيمنة ذكورية على عملية إعادة الإعمار، ومشاركة وهمية للنساء، بحجة عدم امتلاكهن لخبرات عملية. ولهذا يرى من الضروري “وضع قوانين تلزم بحقوق النساء في العمل، وهذا يمكن أن يكون مشمولاً بـ “تطبيق حقوق الانسان بشكل كامل في البلاد، وليس بشكلٍ جزئي”.