Search
Close this search box.

شريحة لا تزال بعيدة عن النسوية

شريحة لا تزال بعيدة عن النسوية

            * صفوان قسام

            لطالما كانت عقدة العمل كاختصاصي اجتماعي خلال سنوات ضمن عيادات وفرق الدعم النفسي الاجتماعي والمنظمات التي عُنيت بشؤون المرأة ورفع الحيف عنها، هو الاتصال مع الشريك “الرجل”. بعد سنوات استقبلت وعملت خلالها مع مئات الحالات الأسرية والتربوية والاجتماعية؛ يمكن عرض احدى السيناريوهات الأشيع على النحو الآتي:

            تأتي امرأة، تشكوا ضمن محيط علاقاتها مشكلة ما مع شريكها! بعد أخذ حيثيات الموضوع ومناقشته وتوصيفه الدقيق، يتم وضع خطة التدخل والتي من المؤكد أنها لا تستثني دور الرجل منه؛ لكن! عندما نقول أن علينا اشراكه في خطة التدخل، يكون لزاما علينا تقصي الكثير من التفاصيل المتعلقة بشخصية وطبيعة هذا الرجل عموما، وأهمها مدى تقبله للتدخل من اختصاصي “باعتباره طرفا أجنبيا” بالدرجة الأولى، والثاني طبيعة علاقته كشريك مع شريكته في الأسرة! والسبب حتى لا يكون التدخل سببا في تفاقم المشكلة وتعقدها أو تركيب مشاكل أخرى، عملا بالمبدأ الإنساني “لا تؤذي”، وفي حال تبين أن الشريك صعب المراس ولن يتقبل تدخلا اختصاصيا، أو أنه معتدٌ بنفسه لدرجة عدم تقبل النقد أو يعتبر نفسه لا يخطئ، أو أنه يَعتبر نفسه وفقا للشرع والمجتمع والعرف والتقليد قوامٌ على المرأة – وهذه كانت عموما هي طبيعة الرجال الذين استقبلتهم أماكن العمل – نجد أنفسنا فجأة نضع خطة ذات منحى لا خطي! وتحتوي على مناورات مدروسة من لحظة التدخل مع الشريك وحتى اختتام التنفيذ! لماذا قد يستغرب البعض هذا الحذر؟.

            على سبيل المثال، بداية فترات التهجير القسري، سكنت معظم العائلات النازحة مجبرة في بيوت مشتركة، ضمت الوالدين وأولادهم إن كانوا متزوجين ولديهم أطفال أيضا. والشكاية الشائعة وقتها كانت تدخل “الحماية” بتربية “الكنّة” للأولاد – رغم أنها شكاية شائعة قبل النزوح لكنها تفاقمت وقتها كما تفاقم العنف الأسري فترة الحجر الصحي وهو كان موجودٌ سابقا والسبب هو وجودهم طوال الوقت في منزل واحد. ومن أجل تنظيم التواصل، ووضع خطة للتربية تحصر فيها المسؤولية بالوالدين المباشرين للطفل، يقتضي الموضوع تدخل شريك المرأة. لكن! الاحتمالات التي يمكن أن تترتب عن التواصل معه ستكون غالبا متوقفة على مدى تفهمه وتقبله لدور تدخل اختصاصي كما ذكرنا، وأيضا على مدى تقبل أن تكون والدته محل نقاش في تصرفها! من وجهة نظره.. فقد تكون العواقب طلاق الزوجة، أو تعنيفها! أو خلافا أعمقا بين الحماية والكنة، أو حتى خلاف بين الشريك وأمه.. وكل ذلك يترتب على مدى وعي وتقبل الشريك لدور الاختصاصي، بل وتقبله أن تذهب زوجته لأخذ استشارة اختصاصية دون اعتباره أن ذلك فضحٌ لأسرار البيت!؛ ومنه أتى موضوع الحذر الشديد والخطوات المدروسة في التدخل.

            لا يعني الحذر الذي يجب توخيه هنا قبولا للدور الاجتماعي وصلاحيات الشريك وموافقة على تصرفات البطريركية الجلفة. لكن علاج كل حالة يعني التدخل في الحالة عينها، وليس النهوض بالمجتمع ككل لأن هذا دور المؤسسات التي تستهدف شرائحا وأنساقا اجتماعية أوسع. ويبقى أمر التوعية الذي يجب القيام به من طرف الاختصاصيين/ات منوطا بمرونة الشريك وتقبله، والهدف الدائم هو عدم تركيب مشكلات ناتجة عن التدخل.

            هذه العقدة التي نصفها كحالات فردية، تشكل الشريحة التي قد تكون الأوسع والأكثر مناعة تجاه التوعية، بل والأخطر في السلوك الذي تسعى النسوية عموما في علاجه. والسبب أن هذه الشريحة مُقولبة ضمن أطر تتحكم بكل تفاصيل حياتها من الولادة وحتى الوفاة، وقد رَسمت خطوط الحياة التي يجب أن تعيشها، وهي تقوم أيضا بتعزيز هذه الأنماط الحياتية من خلال الأنماط المعيشية اليومية منذ أن يستيقظ أفرادها صباحا وحتى يغلقوا/ن أعينهم/ن للنوم، لا يخرجوا/ن خارج هذه الأطر! بل ويرفضوا/ن مع التقدم بالعمر التعرف على أي فكرة خارجها ويتحجروا/ن ويتعصبوا/ن لها أكثر ويقوموا/يقمن بتفريخ أجيال على شاكلتهم/ن. فهم لا يتعرضوا/ن لأي تيار فكري آخر ويكونوا/ن حذرين/ات عند الاحتكاك به؛ من متابعتهم/ن نجد أن أصدقائهم/ن وزبائن وأصحاب وزملاء/زميلات العمل، ومجموعات الواتساب التي يشتركوا/ن بها، وحتى أصدقائهم/ن على الفيسبوك والصفحات التي يشتركوا/ن بها ويتابعو/نها، وقنوات الراديو والتلفاز.. كلها دون استثناء تغذي الفكرة التي لديهم/ن. وبالتالي فإن أي تيار فكري جديد أو توعوي يناقض أفكارهم/ن لن يجد طريقه إليهم/ن! فكل الندوات التي تقوم النسوية بها والبرامج والمشاريع ونشرات التوعية والحملات قلما تمر عبر طرق التواصل معهم/ن. والأخطر هو الآتي:

            عموما، تميل المرأة لتحسين وضعها من ناحية رفع الظلم الاجتماعي الذي تعانيه عنها؛ وهي أكثر تقبلا للخدمات الاختصاصية وهذا كان واضحا جدا من خلال كل المؤسسات العاملة في الشأن النسوي والدعم النفسي الاجتماعي؛ والرجل أقل تقبلا بل ويميل إلى تسخيف وتسطيح الفائدة من هذه الخدمات. وهذا ينطبق على الخدمة التوعوية، فالنساء تتابعن المحاضرات والندوات وتهتم بها، لكن التوعية للمرأة فقط قد تكون كارثية على الصعيد الأسري الفردي، إن لم تكن هناك متابعة لهذه التوعية على شقين؛ الأول يتعلق بتزويد المرأة نفسها بأدوات تضمن لها أن لا تتعرض لمشاكل أسرية إن قامت بممارسة حقوقها أو عرض أفكارها على شريكها، والثانية هي استقطاب الرجل بطريقة مدروسة حتى يكون من التيار المناصر لحقوق المرأة وللنسوية، لا أن يتم استعداءه!. نقطة مهمة أيضا وهي تتعلق بالتمكين الاقتصادي التي تنادي بها الكثير من التيارات والبرامج على مستوى العالم؛ يجب أن يترافق التمكين الاقتصادي للمرأة بهاتين النقطتين توعية الرجل وتزويد المرأة بأدوات التعامل مع الشريك، حتى نضمن انتقالا سلميا إلى مرحلة المساواة؛ وإلا فإن عهدا من المشكلات الاجتماعية ستطفو وتفرخ مشاكل أخرى، وسترفض شريحة واسعة من الرجال الفكر النسوي وتتعنت تجاهه وتمنع النسوة في مجتمعاتها عنه، مما سيؤدي إلى شروخ في الأسر وتكثر حالات الانفصال وبالتالي تنعكس على تربية الأطفال، وبالمقابل فإن المجتمع سيصبح قسمين متنافرين بشكل متباين بشدة مع المساواة وضدها، ولن نصل إلى حل جذري حول المسائل المتعلقة بالنسوية في وقت قصير، رغم أن النضال النسوي لا بد مثمر.

            المصدر والمرجع الرئيسي الذي تستقي منه هذه الشريحة المتعنتة والمغلقة هو الدين ورجال الدين. ومنه فإن التوجه إلى رجال الدين لمراجعة مفاهيمهم وتطويرها أو تحديثها أو معالجتها بالطرق التي تفضي إلى تسوية ما مع الدين وبالتالي الخطاب الديني، هو الحل الأساسي والجذري لمصيبة المجتمع البطريركي. فإن أثر إمام جامع واحد في خطبة واحدة يعطي ثمار عمل دؤوب لسنوات. النقطة الأخيرة والتي قد تترتب عن الخطاب النسوي هي استعداء الرجل؛ وعلى مجترحي/ات هذا الخطاب التأكد من أن الفرد ابن مجتمعه، وكما أنه لا تجب معاقبة الطفل إلا بعد أن يتم تصحيح السلوك الخاطئ وتوضيح السلوك الصحيح، كذلك فإن الرجل الذي عاش طوال حياته على عقيدة وثقافة بالية ليس محط لوم قبل البدء باستهدافه توعويا.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »