Search
Close this search box.

جرائم العنف الجنسي المسكوت عنها

جرائم العنف الجنسي المسكوت عنها

سلمى مصطفى

إنها جرائم التحرش والاعتداء الجنسي وحالات الاغتصاب، التي تملأ عوالمنا الداخلية بمرارة العلقم، وتشغل بيئاتنا الإجتماعية بنسج طبقات سميكة من الصمت والتواطئ، الذي يعزز إضطرابنا ويصفع سلامنا الداخلي.

 كلما ازداد ميلنا لتجاهل تلك الجرائم في بيئاتنا التي تصنفها المدونة القانونية باعتبارها جناية شائنة في القانون السوري، بما يعنيه الجرم الذي يسم صاحبه بالعار الاجتماعي، زادت تلك الجرائم كماً ونوعاً في فظاعاتها، وأساليب ارتكابها وخداعها، والغطاء الذي تلتحف به.

 زادت  جرائم الإعتداء الجنسي في سورية، في  سياق الحرب، وعلى كل (الجبهات) بكل ما أفرزته هذه  الحرب العبثية من انفلات في القيم وخروجٍ عن أي طور أو عقل ومنطق.  مع فارق أن الحرب الجارية  في سورية، تدفع الآن بصبايا وسيدات امتلكن الجرأة والثقة، للكشف عن تلك الجرائم المسكوت عنها، سواء في بيئاتهن أو من خلال تجاربهن الشخصية مع  كل ما تحمله تلك التجارب من مرارة.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تختفي صرخات هؤلاء الضحايا وتضيع في زحمة الحياة؟ ماهو سر صمتهن؟ هل هو الخوف من العقاب بدءاً من الدائرة الصغرى (الأسرة) وصولاً الى الدائرة الكبرى (المجتمع)؟ هل هو الخوف من عدم التصديق؟ هل هو الخوف من مصير مجهول ينتظر الضحية خلف الباب ذبحاً أو حبساً (بدوافع غسل العار)ا

فيما يلي مجموعة شهادات لصبايا تعرضن لأذيات نفسية وجسدية، تركت ندوبا في الروح آثرن أن يبُحن عما جرى لهنَّ على الأقل تحريرا لذلك المخزون المسكوت عنه، ومدى الأثر الإيجابي النفسي  على الأقل في  البوح والإفصاح عنه، وتحفيزا للأخريات من صبايا الجيل الجديد بكيفية مواجهة المعتدين الجدد وسبل التشهير فيهم وفضحهم بكل الوسائل القانونية والاعلامية وتضافر الجهود من كل الاختصاصات لبيان هذا العالم المسكوت عنه.

شهادة أولى:

اسمي نجوى – اسم مستعار-

 كنت المدللة في البيت والجميلة – كما أرى نفسي- والذكية. لم أتجاوز العشر سنوات، وكانت أختي الكبرى مخطوبة لأحد أقاربها، والذي كان يتردد بحكم صلة الخطوبة والقرابة.

في أحد الأيام وعند الظهيرة وجدت خطيب أختي مستلقياً قربي وأنا نائمة. لم يكن في البيت سوى أمي في المطبخ، أبي في عمله. كان الوقت صيفاً. رمى بشرشف صيفي غطى كلانا، وبدأ يعبث بأعضائي، لم أعرف ماذا يريد، هل يريد أن يتأكد أنني أتبول في الفراش مثلما كانوا يتحدثون عن بنت عمي؟ لكني وبرد فعل غريزي، دفعته وركضت نحو المطبخ ولم أنطق بحرف.

ظل هذا الحدث لاطياً في ذاكرتي. مارست الجنس الطبيعي لاحقاً مع من اخترته حبيباً. عندما بدأ بنفس الخطوات من المداعبة، لم أستطع أن أمسك نفسي من الإقياء.

فشلت بالاستمرار مع هذا الشاب. كان جرحاً غائراً، لم يشفَ إلا بعد عشرات السنين.

شهادة (2)

 اسمي ناهد – اسم مستعار-

ليس لدي أولاد … إنها ابنة اختي المتوفاة، تقيم معنا في فصل الدراسة “شتاءً”.  نعاملها بطبيعة الحال كأنها ابنتنا، عمرها يقارب ال13 عاماً. كنت أذهب للعمل وهي تذهب للمدرسة. بعد فترة لاحظت عليها سمنة ظاهرة، وكنت أمازحها، ولكن بعد فترة استيقظت ليلاً وهي تصرخ من الألم. نقلناها للعناية المشددة إلى المشفى، ظناً منا أنها زائدة دودية قد انفجرت. لكن الطبيب قال إنها عملية ولادة. وقعت أرضاً، أنجبت طفلة. بعد البحث والتحري أدركت أن زوجي ارتكب فعلته معها وهددها بأنه سيطردها ويعيدها لزوجة أبيها، حينئذ لن تكمل دراستها.

طلقت زوجي. تزوج بها، ثم طلقها بعد فترة وجيزة لم تتجاوز السنة.

شهادة(3)

 اسمي نهلة – اسم مستعار-

مثل كل الفتيات من بيئة فقيرة، عشت طفولة صعبة. كان لدي طموح باتمام دراستي الجامعية. رغم الصعوبات  حققت أمنيتي، على أمل أن أعمل  وأساعد أبي في تربية أخوتي الستة.

ولكن شاءت الظروف أني لم أجد الوظيفة أو الشاغر لي في مدينتي، فاقترح أهلي الذهاب لمدينة دمشق، حيث تقيم أختي المتزوجة فيها مع طفلين. وهذا ما كان. أقمت عند أختي فترة قصيرة من الزمن. بدأ زوج أختي يأتي بتصرفات ودودة أولاً ، ثم زادت هذه التصرفات. كنت أصده وأبعده قدر الإمكان إلى أن أتى يوم وجدته مستلقياً على سريري، وفي الغرفة التي تضم طفليه. قمت كالمجنونة، وأخبرت أختي بما حصل. وكان شجاراً عنيفاً، وفي الصباح حملت حقيبتي واتجهت لعند صديقتي. أبلغتها أني تشاجرت مع أختي. زادت الضغوط النفسية عليّ من جراء ما حدث.

سكتت أختي. وكذلك أمي بعد أن أخبرتها: لا نريد فضائح، وخراب بيت اختك، والحفاظ على سمعة البيت سيما عندي أخوات.

شهادة(4)

اسمي سمر – اسم مستعار-

 أبلغ من العمر 53 سنة. نازحة من مدينة حلب. وصلت إلى اليونان، وضعونا في مكان يشبه (معسكر) للاجئين، والمكان مكتظ بالعدد الكثير من البشر، حتى استكمال الأوراق الثبوتية. بقينا حوالي الأسبوع.

جاء مسؤول ليقول لنا بعض الملاحظات والقرارات. جلسنا على الأرض بجانب بعضنا وكانت عيوننا مشدوهة الى المترجمة لنفهم  ما يطلب منا.  فجأة لاحظت رجلا اقترب مني جداً. لم أعط أي اهتمام كون المكان مزدحم جداً، ثم بعد لحظات تحسست شيئاً غريباً على فخذي، نظرت إليه باستغراب، سحب يده بسرعة. ثم دقائق أخرى وجدت يديه تتحسس وتضغط  فخذي ويده الأخرى على عضوه الذكري. مسكت يده وقلت له سأكسرها وسأشتكي عليك أيها الحقير السافل. بدأ يترجاني، حتى لا يُسجن أو يرحل إلى تركيا. تدخل بعض السوريين نساء ورجالاً أن اتركيه وشأنه، هو رجل قذر. هذا ليس وقت الشكوى يا سمر نحن السوريين في وضع اللجوء الآن في وضع لا نحسد عليه.

شعور بالخوف… ليس أي خوف… خوف من نوع مختلف… قلبي ينتفض غضباً وأسى وحزناً. وبكيت بكاء مراً.

حين تكون المرأة ضحية المغتصب والمجتمع:

 يتضح مما سبق أن التعامل مع قضايا الإغتصاب والعنف الجنسي يتم بشكل يختلف عن بقية الجرائم، نظرا لحساسيته الشديدة، فالمجتمع العربي الذكوري، ينزع طابع العفة عن الفتاة المغتصبة، وتصبح على الأغلب منبوذة من العائلة والمجتمع لكونها جلبت العار والفضيحة، بل وقد تحمل وزر تعرضها للاغتصاب بسبب طريقة لباسها، أو اضطرارها للعمل حتى أوقات متأخرة، هذا إن لم يتم قتلها كما حدث مع الشابة السورية سلمى التي تعرضت للاغتصاب وهي في المعتقل، وبعد خروجها قتلها أهلها لإيمانهم بأن قضايا الشرف لن تداويها الملاحقة القانونية*.

تنتظر النساء في سورية ورشة عمل كبرى، بتضافر جهود كل القوى الحية.

الجرأة في معركة كسب العقول والقلوب، هو السبيل لوقف سيل البربرية، المتحللة من كل القيم.

* للباحثة المغربية في العلوم السياسية إكرام عدنني في مقالة لها بنفس العنوان- السفير العربي-2016

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »