Search
Close this search box.

النازحات في الشمال السوري… تحت وطأة الحنين                                 

النازحات في الشمال السوري… تحت وطأة الحنين                                 

إدلب – سونيا العلي

يعيش آلاف النازحين في ريف إدلب الشمالي حياة صعبة في رحلة البحث عن حياة آمنة بعيدة عن دوي القذائف وأزيز الرصاص، حيث يفتقدون أدنى مقومات العيش الكريم وسط ظروف لا إنسانية، وﻳﻜﺎﻓﺤﻮﻥ لحماية أنفسهم ﻣﻦ الجوع وﺍﻟﺒﺮﺩ.

ورغم قسوة النزوح ووجعه، إلا أنه أشد وطأة على النساء بسبب تشتت شمل العائلة وفقدان حياة الاستقرار، والعيش في خيام متآكلة تتمايل مع الرياح وتغيب فيها الخصوصية.

أمام باب خيمتها القماشية تجلس عائشة الشيخ أحمد من معرة النعمان، شاردة الذهن، تستذكر حياتها السابقة التي ﺗﻐﻴﺮﺕ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺬﺭﻱ بعد نزوحها إلى مخيم في مدينة سرمدا وعن ذلك تقول: “ﻧﺰﺣﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﺪينتنا ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ أكثر ﺃﻣﻨﺎً، حيث ﺍﺳﺘﻘﺮ بنا الحال ﻓﻲ مخيم تابع لمدينة سرمدا، ﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻌﻮﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ تواجه ﻣﻌﻴﺸﺘﻨﺎ منها ﻋﺪﻡ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ وﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀ والصرف الصحي، ﻭﺍلخيام القادرة على حمايتنا ﻣﻦ التقلباﺕ ﺍﻟﻤﻨﺎخية.

كما ﺃﺷﺎﺭﺕ الشيخ أحمد ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ، ﻭﻋﺪﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻭ ﺗﺠﻬﻴﺰ ﻣﺴﺎكن ﻟﻠﻨﺎﺯﺣﻴﻦ، ﻻﻓﺘﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺛﻼﺙ ﺃﻭ ﺃﺭﺑﻊ ﺃﺳﺮ ﺗﻀﻄﺮ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﺑﻴﺖ ﻭﺍﺣﺪ أو خيمة واحدة.
ﻭأضافت: “ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﺎﺕ ﻳﺠﺪﻥ ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺿﻌﻒ
ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻤﻠﻬﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﻦ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻧﺘﻘﺎﻟﻬﻢ ﺍﻟﻘﺴﺮﻱ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺁﺧﺮ، فضلاً عن ﻋﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻷﻃﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ”.

أم عادل ﻣﻦ مدينة خان شيخون، أرملة تزرع أمام باب خيمتها بعض الورود والنباتات العطرية ﻋﻠّﻬﺎ تشعر بشيء من الاستقرار، وتنسى ﻣﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺣﺘﻰ ﺣﺪﺍﺋﻖ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻭﺃﺯﻫﺎﺭﻫﺎ ﻭﺩﻭﺍﻟﻲ ﺍلعنب. تتحدث أم عادل لشبكة المرأة السورية بقولها: “هذه النباتات الخضراء هي الشيء الوحيد الذي يذكرنا بما فقدناه، حيث نزحت ﻣﻊ أطفالي ﺑﻤﻼبسنا ﺩﻭﻥ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ، ﻭقصدت مخيم عشوائي في مدينة معرتمصرين، أحن كثيراً إلى بيتي وجيراني، وزيارة قبر زوجي”.

وتبين أم عادل أنها كانت تسعى لتعليم أطفالها بعد وفاة والدهم، لكنهم فقدوا تعليمهم بعد النزوح بسبب بعد المدارس عن المخيم، وهو أكثر ما يحزنها، بحسب  تعبيرها.

ﺍﻷﺭبعينية أم زياد ﺗﻔﺘﺮﺵ ﻣﻊ ابنتها وعائلة ولدها المعتقل ﺃﺣﺪ ﺍﻷﺑﻨﻴﺔ غير المجهزة، ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﺄﻭﻯ سواه وعن ذلك تقول: “ﻗﻄﻌﺖ مع أسرتي ﺭﺣﻠﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﺟﺪﺍً، ﻭﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺍﻷﻣﻞ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻧﺠﺪ ﺳﻘﻔﺎً ﻳﺆﻭﻳﻨﺎ، لكننا ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﺳﻮﻯ بناء مدمر، وبمساعدة ﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ حصلنا على بعض ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﻏﻄﻴﺔ”.

تشير أم زياد إلى أنها بلا معيل، لذلك ﺗﺘﻮﺟﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻮﻣﻲ ﺑﺼﺤﺒﺔ ابنتها ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻐﺎﺑﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﺑﻬﺪﻑ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭﺍﺕ ﻭﺍﻷﻋﺸﺎﺏ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ بيعها ﻟﺘﺄﻣﻴﻦ ﻣﺼﺪﺭ ﺩﺧﻞ ﻷﺳﺮﺗﻬﺎ.
تتابع أم زياد: “نعاﻧﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺘﺄﻗﻠﻢ ﻣﻊ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓُﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺃﺷﺪ ﻣﺎ ﺃﻋﺎﻧﻴﻪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﺴﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﺒﻖَ ﻟﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻣﺎ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻤﻞ، وأكثر ما يؤلمني في هذه الحياة هو غياب ولدي الوحيد في سجون النظام السوري، ومصيره المجهول، حيث بحثت عنه طويلاً دون أن أعرف خبراً يرد إلي روحي ويطفئ نار قلبي”.

الناشطة نور البديوي من مدينة إدلب تتحدث عن معاناة النزوح بالقول: “ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﺩ ﺍلهاجس الأكبر ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺍلحرب، ﻳﺘﻨﻘﻠﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﻵﺧﺮ ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ﺍلأمان، ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺏ ﻭﺃﺛﺎﺙ ﻟﻴﻄﻠﻘﻮﺍ ﻋﻨﺎﻥ ﺍﻟﺮحيل، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻠﺠﺄ ﻟﻬﻢ ﺇﻻ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ التركية ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﺟﺰﺀًﺍ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ”.

وتبين البديوي أن ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﻴﻤﺎﺕ بنيت ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲ ﻏﻴﺮ ﺳﻠﻴﻤﺔ، ﺩﻭﻥ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﻟﺒﻌﺪﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﻤﺪﻥ، ﺃﻭ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺗﺴﻮﻳﺔ ﺍﻷﺭﺽ ﻗﺒﻞ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﻭﺭﻓﻌﻬﺎ ﻗﻠﻴﻼً، ﻣﺎ ﻳﺘﺴﺒﺐ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﻛﻐﺮﻗﻬﺎ ﺃﻭ ﻏﻤﺮﻫﺎ ﺑﻤﻴﺎﻩ ﺍﻷﻣﻄﺎﺭ ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻝ”.

وتشير البديوي ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﻟﻢ يتم الحصول عليها ﻋﺒﺮ ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺩﻭﻟﻴﺔ، ﺑﻞ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻤﻮﺍﺻﻔﺎﺕ، ﺇﺫ ﺻﻨﻌﺖ ﻣﻦ ﻗﻤﺎﺵ ﻋﺎﺩﻱ ﻻ ﺗﺮﺩ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻭﻻ ﺍﻟﻤﻄﺮ، كما ﺳﺠﻠﺖ ﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﺣﺘﺮﺍﻕ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻴﻤﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎﻝ، ﻭﺃﺩﺕ ﻹﺻﺎﺑﺎﺕ ﻭﺳﻂ ﻗﺎﻃﻨﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلآونة الأخيرة.

وعن أثر النزوح على النساء السوريات تضيف: “ﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﻭﺗﺒﻌﺎﺗﻪ حطم أحلام الكثيرات، وﻓﺎﻗﻢ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻭﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻬﺎ، ﻭﻭﺿﻌﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻮﻃﺎﺕٍ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻴﺶ، ﻓﺄﺟﺒﺮ ﺑﻌﻀﻬﻦَّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺩﺍﺧﻞ ﺑﻴﻮﺗﻬﻦَّ ﻭﺧﺎﺭﺟﻬﺎ، ﻭﺃُﺟﺒﺮ ﺑﻌﻀﻬﻦَّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ ﻟﻠﻌﻴﺶ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺨﻴﻤﺔ ﺑﻜﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺍﻟﻤﺆلم،  واﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﺩ.

ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﺗﺨﻮﺽ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻣﻊ ﻇﺮﻭﻑ الحرب القاﻫﺮﺓ، وتحمل أعباء لا يستهان بها، منها ﻣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﻴﻤﺎﺕ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وتحمل ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻨﺎﺧﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ، فضلاً ﻋﻦ ﺍﻟﺨﻴﻢ ﺍﻟﻤﻬﺘﺮﺋﺔ ﺍﻟﺘﻲ لاترد برد الشتاء أو لهيب الصيف .

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »