ترجمة وإعداد: سلوان عباسي
وسط قصف عشوائي من قبل الحكومة السورية وحلفائها في شمال سوريا، فر العديد من العاملين في المجال الطبي، بما في ذلك الأطباء والصيادلة والممرضات، من البلاد في وقت كانت فيه مناطقهم في حاجة ماسة إلى رعاية طبية. وقد دفع ذلك عدداً من النساء لملء الفراغ الطبي من خلال تشكيل نقاط طبية ومستشفيات ميدانية في إدلب وريفها وفي ريف حلب الغربي.
علياء الأحمد، ممرضة في مشفى إدلب الوطني، لم تتوقع قط أن تعمل في المجال الطبي. تقول: “في الماضي، لم أكن أتحمل رؤية الإصابات والدم، لكن الأمور تغيرت بعد مشاهدة عنف النظام اليومي ضد المدنيين. لقد قررت أن أكون شجاعة لأنني شعرت أن لدي مسؤولية”.
قالت علياء إنها وزميلاتها يعملن على تطوير خبراتهن في مجالات الطب الداخلي والخارجي، والعلاج الطبيعي والعمل المخبري من خلال المشاركة في التدريب الطبي وورش العمل التي أقامتها المنظمات الطبية، مثل جمعية الأطباء المستقلين، في ريف حلب الغربي من خلال نظام التعليم الداخلي في المستشفيات التي يعملون فيها.
ظهر الدور الهام للمرأة في المجال الطبي في ضوء القصف والمعارك المستمرة وغياب العدد الكافي من الطاقم الطبي في المستشفيات، الأمر الذي حال دون علاج جميع المرضى في الوقت المناسب وبسرعة، حيث يتم علاج ثلاثة جرحى، يُترك جريح رابع يموت في غياب علاج سريع.
قال عبد الكريم ياسين، رئيس قسم الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة حلب الحرة في حلب، إن عمل المرأة في المجال الطبي في بداية الثورة كان على نطاق أصغر، وتحديداً بين 2014 و 2015، ثم زاد باطراد، لذلك تضاعف عدد العاملات في المجال الطبي، سواء كن طبيبات أو ممرضات، أو عاملات صحة مجتمعية، أو خبيرات تغذية أو عاملات في الدعم النفسي.
وقال إن دور المرأة في المجال الطبي لا يقل أهمية عن دور الرجل، حيث تمكنت معظم العاملات في مجال التمريض من النجاح والقيام بكل الأعمال الموكلة إليهن إلى أقصى حد، وكذلك فيما يتعلق بقطاع التغذية من خلال رصد حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل.
قال ياسين إن النساء دخلن مؤخرًا أيضًا في مجال الدعم النفسي، وهن مجهّزات أفضل من الرجال عندما يتعلق الأمر بالقدرة على التعامل مع النساء النازحات والاستماع إلى المشكلات التي واجهتهن خلال عمليات التهجير الأخيرة، مشيراً إلى أن مشاركة المرأة في المجال الطبي ساعدت على سد الفجوة وساهمت في تحسين الخدمات الطبية.
لم تدخل النساء السوريات المجال الطبي فحسب، بل تطوعن أيضًا في الدفاع المدني السوري وتمكن من المساعدة في إنقاذ أرواح المدنيين، حيث تولت المتطوعات مهمة إنقاذ النساء والأطفال من مواقع القصف وإجلائهم إلى أماكن آمنة أثناء مرافقة المتطوعين الذكور الذين ساعدوا المصابين.
وقال مدير المكتب الإعلامي في الدفاع المدني السوري في محافظة إدلب، أحمد شيخو، إن هناك 264 متطوعة في 33 مركزاً في محافظة إدلب وحدها تعمل على تقديم الإغاثة الطبية والدعم النفسي وخدمات التوعية لعائلات المنطقة.
وقال إنه يتم اختيار المتطوعات بعد إجراء الامتحانات، ويتم اختيار الحاصلات على دبلومات من المعاهد الطبية أو شهادات من الدورات الطبية.
تقدم هؤلاء المتطوعات خدمات متعددة داخل المراكز الثابتة، بما في ذلك قياس ضغط الدم ومستويات السكر في الدم، وإجراء فحوصات بالموجات فوق الصوتية للنساء الحوامل، ومراقبة الوزن، وتضميد الجروح والحروق، وإعطاء جلسات للبالغين والأطفال حول الاستخدام السليم لأجهزة الاستنشاق، وتركيب الأمصال، استجابة الإسعافات الأولية، وتوفير الوعي المجتمعي والصحي للأطفال والأمهات.
وقال شيخو إن أصعب مشكلة تواجه متطوعي الدفاع المدني هي حملات القصف من النظام التي تستهدف مباشرة المراكز الثابتة والفرق أثناء العمل. قتلت هذه التفجيرات عددًا من المتطوعين الذين كانوا يؤدون عملهم الإنساني وأصابت آخرين بجروح خطيرة.
سلوى القاضي، متطوعة في الدفاع المدني من مدينة جسر الشغور، أوضحت لماذا انضمت إلى الدفاع المدني: “عندما استهدفت الطائرات الحربية منزلنا وسقط سقفنا فوق رؤوسنا، كنت أنا وعائلتي في عداد الموتى لولا استجابة الدفاع المدني الفورية. المتطوعون كانوا يعملون بوسائل بدائية تحت قصف الطائرات الحربية التي استهدفت المكان نفسه مرة أخرى عندما وصلت فرق الدفاع المدني”.
وأضافت: “خاطروا بحياتهم وهم يحاولون مساعدتي وعائلتي من الموت المحتوم. دفعني امتناني للتطوع في هذا العمل الإنساني لإنقاذ أرواح الأبرياء”.
خضعت سلوى لدورات مكثفة في الإغاثة الطبية والتمريض والإسعافات الأولية في مستشفى باب الهوى. اعترفت بأنها واجهت في البداية انتقادات من مجتمعها المحافظ لأن هذا النوع من العمل كان جديدًا على النساء، لكنها تغلبت عليه بصبر ومثابرة.
يعاني القطاع الطبي في سوريا في ظروف بائسة وسط قصف شديد واستهداف مباشر لمرافق الرعاية الصحية. أفادت منظمة الصحة العالمية في آذار/ مارس 2018 أن سنوات الحرب في سوريا دمرت نظام الرعاية الصحية، لذلك تم إغلاق أكثر من نصف المستشفيات العامة ومراكز الرعاية الصحية الأخرى أو أنها لا تعمل بكامل طاقتها. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن 3,11 مليون شخص بحاجة إلى رعاية طبية، يعيش 3 ملايين منهم بأمراض مزمنة وإصابات خطيرة وإعاقات.
على الرغم من الحرب واستهداف المنشآت الطبية، فإن النساء السوريات العاملات في مجالات الدفاع الطبي والمدني يخففن من آلام الجرحى ويملأن الفجوة الهائلة في الموارد البشرية في هذا القطاع الحيوي. إنهن يقمن بعملهن الإنساني في أصعب الظروف وأكثرها صعوبة.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
المصدر: