Search
Close this search box.

إدلب و”التعليم عن بعد” في ظل كورونا

إدلب و”التعليم عن بعد” في ظل كورونا

إدلب – هاديا منصور

خصصت رهام الحسن (٣٥ عاماً)، مدة ساعتين يومياً لمتابعة الدروس والنشاطات مع ابنها رائد (٨سنوات)، ضمن غرفة التعليم عن بعد على تطبيق واتس آب بعد توقف المدارس بشكل كلي كحل وقائي من انتشار فيروس كورونا في إدلب.

تقول رهام: “يبقى حل التعليم عن بعد أفضل بكثير من توقف التعليم بشكل كامل، أطفالنا بحاجة للعلم الذي بات الحصول عليه في مناطقنا حلماً للكثيرين، ليس فقط بسبب كورونا وإنما ما خلفته سنوات الحرب من تراجع ودمار لهذا القطاع الهام”.

بعد إصدار قرار إغلاق المدارس والمعاهد التربوية ومراكز التعليم في إدلب من قبل مديرية تربية إدلب في ١٤ آذار ٢٠٢٠، أرتأى عدد من المعلمين استكمال العملية عن طريق الهواتف الذكية بما سمي “التعليم عن بعد” الذي وضعت له مديرية التربية والتعليم خطة متكاملة للعمل به والسعي لإنجاحه.

ويعتمد نظام التعليم عن بعد في مدن و أرياف إدلب على وضع المعلم ومسؤول الحماية وأمين المكتبة خطة أسبوعية بإشراف الموجه ومدير المدرسة لما سيشاركونه مع الطلاب من مواد على شكل صور ومقاطع مصورة وتسجيلات صوتية ونصوص مكتوبة ترسل لأهاليهم عن طريق شبكة الإنترنت، ويجيب المعلم على استفسارات الطلاب ويصحح الوظائف التي تصله على غرف الواتس ذاتها.

تجلس حلا ذات العشر سنوات بالقرب من هاتف أمها ومعها دفترها وقلمها وكتاب القراءة لتتابع باهتمام مقطع الفيديو الذي وصلها من معلمتها وفيه شرحاً تفصيلياً للدرس، لتبدأ حلا بعد مشاهدة الفيديو بقراءة الدرس والإجابة على الأسئلة المرفقة. تقول حلا وقد علت وجهها ابتسامة تفاؤل: “أحاول المتابعة عن طريق مشاهدة مقاطع الفيديو ومايشرحه المعلمون عن الدروس المتنوعة كل يوم، ربما لن يكون الأمر كما لو كنت في قاعة الدرس بشكل مباشر ولكن هذا التعليم يمكنه تعويضنا مافاتنا خلال العطلة الطويلة التي انقطعنا بها عن المدارس وقضيناها في المنازل”.

إن كانت حلا قد تأقلمت مع هذا النوع من التعليم وبدأت بالمشاركة والحفظ دون أي عوائق فهذا الأمر لاينطبق على رؤى (٩سنوات) التي تفتقد امتلاكها لجوال تتمكن فيه من متابعة الدروس، فهي دخلت مجموعة الصف الرابع الإبتدائي عبر جوال والدها، لكن دروساً كثيرة تفوت رؤى نظراً لغياب والدها الطويل عن المنزل ومعه الجوال الوحيد في المنزل.

يعتبر ضعف الإنترنت في بعض المناطق وعدم امتلاك البعض لهواتف بنوعية جيدة بسبب امكانياتهم المادية الضعيفة إحدى أهم عوائق التعليم عن بعد.

يجلس الطفل عمران الأسود (١١عاماً) تحت شجرة الزيتون ويشرد بتفكيره بعيداً، فهو لايعرف كيف له متابعة دراسته بعد نزوحه الأخير مع عائلته من مدينة معرة النعمان، فقد استقر بهم الحال في مخيم عشوائي يخلو من كل أنواع الخدمات والتعليم، وحتى التعليم عن بعد ليس متاحاً لعمران كونهم يفتقدون شبكة الانترنت في هذا المخيم النائي,. يقول عمران: “أحب الدراسة وأفتقد مدرستي وأصدقائي ومعلمتي، لقد حرمت التعليم ولا أدري إلى متى”. يصمت قليلاً ليتابع بغصة: “أتمنى أن تنتهي الحرب وأن أعود لمدينتي ولمدرستي ذات يوم”.

سعت الكثير من العائلات بعد توقف المدارس لتأمين انترنت قوي ومفتوح. هذا بالنسبة للعوائل التي لديها إمكانيات مادية جيدة كون الأمر مكلف نوعاً ما فهو يتطلب وجود معدات مثل رواتر وأكبال واشتراك شهري وتقدر التكلفة الشهرية ب ١٠ آلاف ليرة سورية وسطياً.

من جهتهم يجهد المعلمون لمحاولة تلقين طلابهم المعلومات عبر وسيلة التعليم عن بعد.

المعلم لؤي علاوي (٤٠عاماً) يقول: “أحضر الدروس يومياً كما لو أنني أداوم بشكل نظامي في المدرسة، ثم أبدأ بشرحها للطلاب بتصوير مقطع فيديو كل درس على حدة، والتزم بالمقرر كل يوم بنسبة درس لكل الطلاب من مادة الرياضيات لمدة ساعة كاملة، وكذلك يفعل معلمو بقية المواد، نحاول تعويض الطلاب ولو بجزء يسير من المعلومات التي فاتتهم وتفوتهم وكلنا أمل أن نستطيع إيصال الفكرة بشكلها الواضح”، مشيراً إلى أنه حريص على متابعة الدروس مع الطلاب والإجابة على استفساراتهم والعمل معهم في حل جميع المشكلات التي تواجههم.

من جهة أخرى لا يخلو التعليم عن بعد من السلبيات الصحية التي ممكن أن تحدث نتيجة جلوس المعلمين والطلاب أمام شاشات الهواتف لمدة طويلة وهو ما يسبب إرهاقاً للعيون وألماً في الرأس، ولذا ينصح الطبيب أحمد المنصور(٣٠ عاماً) أن يتم حضور الدروس عن طريق اللابتوبات إن توفرت أو هواتف بشاشات كبيرة، ويفضل إبعاد الهواتف مسافة عن الطلاب أثناء الحضور وأن لا يبقى ملازماً للجوال طوال اليوم وضرورة أن تضع الأم برنامجاً لأولادها بحيث يحضرون الدروس دون أن يقضوا ساعات طويلة على الجوال مما قد يؤثر سلباً على بصرهم.

وذكر تقرير لليونسكو أن: “انتشار الفيروس سجل رقماً قياسياً للأطفال والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة، وحتى تاريخ ١٢ مارس أعلن ٦١ بلداً في أفريقيا وآسيا وأوربا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية عن إغلاق المدارس والجامعات أو قام بتنفيذ الإغلاق إذ أغلق ٣٩ بلداً المدارس في جميع أنحائه مما يؤثر على أكثر من ٤٢١ مليون طفل وشاب”.

في خضم الأحداث المأساوية التي يعيشها طلاب إدلب وريفها من حرب ونزوح وفقر وكورونا يبقى التعليم عن بعد الأمل الوحيد لهم بمتابعة حلمهم الدراسي وتعويض ما فاتهم متحدين بذلك كل الظروف.

خاص بـ”شركة المرأة السورية”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »