ترجمة وإعداد: سما الأحمد
يعيش حوالي 3,6 مليون لاجئ سوري في تركيا، بعد فرارهم من الحرب في وطنهم بحثاً عن الأمان. وتم نقل الكثير من السوريين إلى المخيمات، لذلك تجدهم منتشرين في جميع أنحاء المدن التركية، حيث يعملون ويعيشون.
وتعتبر “غازي عنتاب” أقرب مدينة تركية إلى سوريا، فهي تبعد حوالي ساعة واحدة بالسيارة، حيث يعيش ويدرس السوريون في الجامعة المحلية، ويعملون في شركات محلية، بعضهم فقراء وآخرون أثرياء.
لكن الأزمة الاقتصادية التي ضربت تركيا في عام 2018، أثرت على وضع السوريين في تركيا، فازدادت مشاعر الكراهية تجاههم، وتحولوا إلى كبش فداء بسبب ارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
وتعتبر فئة الشباب هي الحلقة الأضعف بين اللاجئين، فقد أخرجهم أهاليهم من سوريا على أمل أن ينتهي الصراع قريباً ويفضي الأمر إلى الحرية. لكن السنوات مضت وهم يكبرون في المنفى ويعيشون في مأزق كبير بسبب عدم الانتماء إلى أي مكان، وعدم معرفة الخطوات التي عليهم اتخاذها من أجل المستقبل. وقد تم تقدير حوالي (2,2) مليون لاجئ سوري في سن العمل يعيشون بالفعل في تركيا.
المؤلم في الأمر وجود جيل كامل يكافح من أجل العثور على موطئ قدم في عالم ليس له، شباب عاشوا حياتهم تحت الحصار، ثم شقوا طريقهم إلى المنفى إلى الأبد، يطاردهم شوقهم إلى وطن لا يمكنهم العودة إليه، ويجب عليهم أن يواصلوا حياتهم في تحدٍ خفي لحرب جردتهم من شبابهم.
نقطة الصفر
من أولئك الشباب “محمد حسن”، 19 عاماً، الذي يعمل لساعات طويلة في مصنع للغزل والنسيج، حيث قام العشرات من الشبان بتجميع آلات الخياطة، وفي نهاية الشهر يرسل معظم راتبه إلى أسرته في سوريا. كان يعيش وعائلته تحت حكم تنظيم الدولة (داعش) المتطرف، عندما بدأ هجوم بقيادة الولايات المتحدة ضد الجماعة الإرهابية في عام 2016. فر محمد وأقاربه من قريتهم في شمال سوريا إلى مخيم للنازحين داخل البلاد. بعد مرور عام، وبسبب قلة الأموال والفرص القليلة، عرّض محمد نفسه للخطر عندما تسلل إلى تركيا لإيجاد عمل لدعم أسرته التي ما زالت في المخيم. راتب محمد الحالي نحو 270 دولاراً في الشهر، يرسل معظمها إلى أهله.
يقول محمد: “لا يوجد وقت أو مال للتسلية”. كل مساء، وبعد يوم عمل مدته 11 ساعة، يعود إلى المنزل المكون من طابق واحد الذي يشاركه فيه أربعة من أبناء عمه. هناك، وضعوا مراتب رقيقة على أرضية الغرفة التي ينامون فيها، يدخنون سجائر خفيفة، ويتصفحون الإنترنت على هواتفهم المحمولة لمدة 20 دقيقة، قبل طهي عشاء بسيط من البيض المخفوق وشرائح البندورة والخبز مع الشاي.
لا يملك معظم الشباب السوريين خياراً سوى العمل الموسمي في المزارع، أو في المصانع مثل التي يعمل فيها محمد، مع العلم أن أجورهم أقل بكثير من الأتراك. حياتهم هي حالة من عدم الاستقرار المستمر، ومن يملك بعض المدخرات لا يمكنه العودة إلى دياره، ولا يمكنه أن يقرر ما إذا كان سيستمر في العيش في تركيا أو يجرب حظه في الذهاب إلى منفى آخر. بعد أسابيع قليلة ترك محمد عمله في مصنع الغزل والنسيج، لأنه لم يعد هناك طلب على منتجاتهم، التي تُباع في سوريا، مع احتدام الهجوم العسكري على إدلب. لقد تخلى هو وأبناء عمه عن منزلهم، وانتقل للعيش مع أصدقائه ليعود إلى نقطة الصفر في التفكير بخياراته.
هوية ضائعة
“ميرا جراح” هي الأصغر من بين أربعة أطفال، كانت تبلغ من العمر 14 عاماً فقط عندما تركت أسرتها حلب وانتقلت للعيش في غازي عنتاب، ورغم أن الفترة الأولى من حياتها في تركيا كانت صعبة، إلا أنها لا ترغب في العودة إلى سوريا أبداً.
تتراوح حياة ميرا بين الدراسة والتسوق وقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، حيث تعيش حياة الشباب الأثرياء إلى حد ما. هي الآن في سنتها الأخيرة في جامعة غازي عنتاب، حيث نصف الطلاب من السوريين، وهي تدرس للحصول على شهادة في السينما والتلفزيون، وتتحدث بطلاقة اللغات العربية والإنكليزية والتركية، خلافاً لوالدتها التي وجدت صعوبة في تعلم التركية. تقول ميرا: “لقد نشأت هنا، حيث تشكلت شخصيتي، أنا لا أنتمي إلى الثقافة التركية أو السورية، لكنني أعيش هنا الآن”.
قطيعة عائلية
تقول نادرة كزموز ضاحكة: “يوم زفافنا كان فظيعاً، لقد تزوجنا في هذا المبنى بدون كهرباء، بالقرب من خط المواجهة لأن القصف أقل”. انتقلت نادرة وزوجها إلى غازي عنتاب بحثاً عن الأمان، لكنهما للأسف انفصلا عن باقي أفراد عائلتهما.
كان زوج نادرة منتجاً رُشح لجائزة الأوسكار، لكن كان على الزوجين الانتقال إلى غازي عنتاب بحثاً عن الأمان دون بقية أفراد أسرتهما، الذين لم يتمكنوا من العبور إلى تركيا قبل أن تغلق أنقرة حدودها مع سوريا، لذا لم يتمكن والدا نادرة من رؤية ابنها إسلام. عندما كانت نادرة في سوريا، كانت تدرس هندسة التكنولوجيا الحيوية، لكنها سجلت الآن في برنامج السينما في جامعة غازي عنتاب.
تعتبر الحياة بالنسبة إلى نادرة وزوجها، وملايين السوريين الآخرين في تركيا، عبارة عن صراع قوي على الأصعدة المادية والنفسية والعاطفية. فقد ولّد الانفصال عن الوطن الكثير من الألم الذي لا يطاق لهؤلاء الشباب البالغين، ألم خلّف ندوباً عقلية وجسدية وإحساساً بعدم اليقين تجاه المستقبل.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
المصدر:
https://www.theatlantic.com/international/archive/2020/03/syria-idlib-turkey-exile-gaziantep/607576/