دمشق – سلوى زكزك
يبدو لافتاً هذا العام شكل التعامل مع الثامن من آذار، مباركات قبل يومين، ورود حمراء وزنابق وزهرة المرغريت البيضاء والتي تعتبر رمزاً للعيد تتناقلها أصابع المباركين والمباركات بهذا اليوم، الذي تحول لمناسبة إشكالية رغم تقادم الاحتفال بها رسمياً وشخصياً ونسوياً.
كتب أحدهم تهنئة خاصة بأمه، عابراً من باب الجندر، وكتب (أمي تؤنث القماش كله بثوبها الطويل والمزركش، وآخر كتب أن المرأة تعيش صراعاً ما بين رغبتها بالحب وما بين رغبتها بأن تكون شريكة نديّة للرجل، وأحدهم كتب (المرأة روح وعقل إنسانيين في قلب يسع العالم).
إذن ثمة تغير عميق بالتعامل مع يوم المرأة العالمي، خوض جديد بأمواج مختلفة من مياه لم تعد راكدة، المهنئون الرجال أكثر عدداً من المهنئات النساء، وتداخل للبعد العاطفي مع العقلاني، والغالبية تركز على الأدوار الجديدة التي انخرطت النساء ضمنها، لتقلب الصفحة الجامدة والتي تصنّف المرأة كأم أو كزوجة أو كشقيقة، أي صورة نمطية تحرم النساء من الحيوية والمشاركة الفعلية والمجدية.
ثقافتنا الاجتماعية والدينية تقدس الأمهات والأمومة، ويحتفل الأبناء والبنات بأماتهن/م بمشاركة الأزواج والأخوة والآباء أحياناً، اللافت أن يوم المرأة بات مميزاً، احتفالياً، لكنه يوم للنساء قبل الأمومة وبعدها، للوحيدات والعازبات وخاصة للنساء المشاكسات اللواتي احتفلن منذ زمن بهذا اليوم وقلن ّ بصوت عال: إنه يومنا الخاص !!
التونسيات دعون ليوم خاص في هذا العام، سيتقفن عن القيام بأعمال المنزل ويتخلين عن دورهن الرعائي الحصري اتجاه العائلة والأبناء، لا تنكراً للأمومة والعاطفة والالتزام، بل للفت النظر عن حجم الأعباء الملتصقة بالنساء حصرياً، وعن كلفتها الباهظة حين تتوقف النساء عن القيام بها.
لابد من الإشارة إلى أن النساء السوريات المبادرات للاحتفال بيوم المرأة العالمي لم تصطدمن بجدران رافضة لاحتفالاتهن ، بل سعى بعض الأصدقاء أو رجال العائلة لمؤازرة النساء بالاحتفال، احتفال انخرط به الأبناء بإحضار ورود للنساء المهتمات في هذا العيد وإن كانت أمهاتهن أو جداتهن أو رفيقات الأم في العمل النسوي، نعم الورود هي الشريك الأزلي للاحتفال بهذا العيد، وهذا مظهر يمنحه القوة والتميز، لأنه مظهر احتفالي غير مكلف، وغير قابل للمبالغة أو للتندر بقيمة الهدايا الباهظة التي يقدمها الرجال للنساء في مناسبات أخرى، مناسبات تقليدية باتت عبئا على الأشخاص وعلى المجتمعات برمتها.
عشية اليوم العالمي للمرأة تقول إحداهن: (لا شيء أكثر إنسانية من تربي الأولاد على احترام النساء.) هل تصلح هذه المقولة لتحميل اليوم العالمي للمرأة قيم أخلاقية جديدة في هذا العالم المجنون غير الأخلاقي؟
السمة العامة للاحتفال بيوم المرأة العالمي هو تتويجه لتضحيات النساء من أجل مكاسبهن وحقوقهن المهدورة، إذن هو مناسبة واقعية وليست رمزية أو عاطفية لرد الجميل أو للاحتفال بالمقدسات وتكريسها، هو دعوة متجددة ومستمرة من أجل الفوز بالكثير من المميزات والمكاسب التي تحتاجها النساء ليصبحن متساويات وشريكات للرجال في عالم تأكل الحروب مقدرات وحيوات أبناء الأرض، حروب عسكرية واقتصادية وقانونية تبجل الأقوى وتسلط أذاه على مقدرات وحيوات الأضعف، فتعصف بكل الإمكانيات التي قد تجعل العالم أكثر أمناً وسلماً وعطاءً وازدهاراً ..
المؤسسات والجمعيات النسوية تعتبر الثامن من آذار يوماً للتقييم والمراجعة، كما للتأكيد على مطالب جديدة تستحقها النساء وبات الوقت حاسماً نحو إعلاء الصوت حيالها، تنتظر نساء العالم قوانين أكثر عدالة، وقف نهائي وإن بشكل تدرجي لكافة أشكال العنف الموجه ضد النساء بسبب كونهن نساء وبسبب أدوارهن الاجتماعية المغيبة. بإرادة ذكورية وبتوافق تسلطي ما بين سلطة غيبية وسلطة إقصائية ترمي لتعطيل نصف المجتمع وإلصاق الأدوار الخانعة والمستسلمة وغير الفاعلة حصريا بالنساء، كي تسهل التجارة بهن، تجارة الأعضاء وتجارة الأجساد حين يجبرن على ممارسة الدعارة أو يرضين بأن يكن حريما في المخادع.
لم يسأل أحدهم النساء يوما عما يدور في أذهانهن، رسموا لهن مصائر هلامية وهشة وقالوا لهن هي أقداركن وليس لكن إلا الاستسلام والسكوت.
اللافت أيضا هو الوجه الأممي لتثمين الاحتفال بيوم المرأة العالمي، والإصرار على إعلاء الصوت وتبيان الحاجة الماسة للنهوض بالنساء، عبر معاهدات جديدة أو عبر قوانين أممية ملزمة لوقف الاتجار بالنساء والعبث بمصائرهن وتغييب قواهن الحية وإمكاناتهن الفاعلة، على الرغم من أن بعض الاتفاقيات والقوانين ليست إلا حبراً على ورق في ظل وجود حكومات تتنصل من تنفيذ أية اتفاقية أو قرار ولو وقعت عليها، وهذا يدفعنا للقول بضرورة وجود آليات متابعة ومراقبة تلزم كل المتخلفين عن الالتزام بما وقعوا والتزموا به.
لا يمر الثامن من آذار دون أن يستذكر رفاق ورفيقات النضال والدرب الطويل الرفيقات المناضلات من أجل الحرية والكرامة والمساواة، نعم يوم المرأة العالمي هو يوم لتثبيت النضال ومتابعة العمل من أجل كرامة النساء كإنسان مكتمل الحقوق والواجبات، شريكة وحبيبة، مناضلة وحالمة، عاطفية وقادرة من أن تصنع من عاطفتها إصرار، رافضة للظلم وراقصة على أنغام الأمل بمستقبل أكثر عدلا وأكثر إنسانية.
لا تكتفي النساء بيوم عطلة بيومهن تقدمه الحكومات كرشوة استعراضية فقط، بل تطالب بحقها بمنح جنسيتها لأبنائها كما الرجل، تطالب بالعدالة في الأجور وفي الضرائب، بحق الحياة وبحق العبور بسلام وثقة نحو المستقبل.
يغالي بعض الرجال وبعض النساء أيضا برغبتهم القوية برؤيتهم لعالم تحكمه النساء فقط كي تنجو البشرية من ظلمها وقسوتها الأزلية، ويغالي رجال الدين محتمين بقوانين تمييزية في دعواتهم لإقصاء النساء وحبسهن في البيوت، لكن الإنسانية لا تتجزأ ولا تعلي من قيمة كائن على حساب قيمة شريكه، من أجل مستقبل إنساني مشرق، لن يتوقف نضال النساء وشركائهن من الرجال من أجل العدالة، ومن أجل المشاركة كل حسب مقدرته ولكل حسب حاجته، كل امرأة ورجل مدعوان لصياغة حزمة مطالب والسعي للعمل معا من أجل عالم أفضل.
يوم المرأة العالمي هو مناسبة كونية للتذكير بالمظالم والخروقات الحكومية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية حيال النساء وحيال الفئات الأكثر ضعفا، التذكير، معبر للقوة والتعاون والثقة بالمستقبل، شركاء لا رعايا، شركاء لا ظالم ولا مظلوم، لا متحكم ولا متحكم بها، ورود الحياة النضرة لنساء الأرض، وللشركاء الرجال.
خاص شبكة المرأة السورية