هبة العلي
لعل الأمومة أجمل ما أعطي للنساء، وهي وظيفةٌ بيولوجية على قدر كونها غريزةً أنثوية، غالباً ما تظهر في سن مبكرة لدى احتضان الطفلةِ دميتَها، والاهتمام والاعتناء بها، على نحو يجعلها تبدو كأمٍّ صغيرةٍ, ثم تكبر ويكبر معها شعور الأمومة، لتغدو أحد أهم أحلامها، وعلى أساسه تخطط لحياتها المستقبلية، بحيث إذا خيرت بين أمومتها وأشياء اُخَر؛ آثرت أمومتها، وهذا ما يبرر تحملها أصعب الظروف الاجتماعية والنفسية؛ من أجل أطفالها ولإبقائهم تحت رعايتها، حتى بعد انفصالها أو بعد وفاة زوجها أو هجره إياها.
هذا الحلم الجميل قد يتحول كابوساً، عندما لا تكون المرأة قادرةً على الإنجاب، ولعله أقسى ما قد يواجهها، فتظهر -في نظر المجتمع-وكأنها عاقة أو ناقصة، ومن ثم تنعت بـ “عاقر”! وكثيراً ما يرفض الطرف الآخر تقبل الفكرة فيسارع الزوج لمعاقبتها على ذنب لم تقترفه، إما بالطلاق أو بالزواج عليها من أخرى جالباً لها “ضرة”.
ويربط مجتمعنا قيمة المرأة بالإنجاب، فإذا لم تستطع أن تحقق حلم زوجها وأهله بإنجابها طفلاً، عليها أن تتحمل النتائج السلبية والضغوط النفسية، تروي فريال قصتها ومأساتها، لعدم قدرتها على الإنجاب لتسبق دموعها كلماتها فتقول: “أنا مؤمنة ومسلّمة تماماً بمشيئة الله رغم أن ذلك أحرق قلبي واستنزف كل مشاعري، ولكن لم يشفع لي أمام زوجي وأهله وخاصة والدته (عمتي)، والتي لم تمتنع عن الكلام اللاذع الجارح رغم كل ما قدمته من محاولات علاج وعمليات جراحية ومحاولات حقن باءت جميعها بالفشل” و تتابع: “أنفقت كل مصاغي الذهبي ومدخراتي من راتبي الشهري واستنفذ ذلك كل مشاعري وقواي الجسدية والنفسية” وتضيف: “رغم أني أفنيت صحتي ونقودي إلا أن ذلك لم يشفع لي، فأصبحت الحلقة الأضعف في محيط عائلة زوجي، خاصة أني أعيش في بيت العائلة مع إخوته وزوجاتهم، وكثيراً ما أتعرض للتنمر والسخرية من أكبرهم لأصغرهم، مرة أنعت بالأرض الجرداء، وأخرى بالشجرة التي لا تثمر”
وتتوسع فريال في شرح تفاصيل معاناتها لتضيف: “كان علي القيام بأعمال المنزل كافة بذريعة ألّا أطفال لدي ولامسوؤلية، ولم يمنع ذلك الجميع من توجيه ألسنتهم السليطة تجاهي، وأقل كلمة تقال لي (لو بتستاهلي كان الله أعطاكِ!)، أو إذا تنصلت من عمل المنزل تكون الكلمات على هيئة سموم كقول البعض : “خايفة الجنين يتشوه”
وعن أكثر ما افتقدته تستطرد فريال فتقول : “لم ألق يداً تربت على يدي أو تحسسني بالأمان، أو تقدر ما أمر به من ظروف نفسية، وكأنني إنسانة بدون مشاعر، لم أحظَ بذلك الشخص الذي حاول أن يخفف آلامي أو يساندني أو حتى يشعرني بالأمان، حتى أهلي لم يكونوا كذلك خاصة أنني حاولت الانفصال إلا أنني قوبلت بالمعارضة من والدي لعدم تقبلهم وجود بنت مطلقة في بيتهم”
تتابع: ” تنامت كراهيتي تجاه أهل زوجي بعد الضغط عليهم لتزويجه من أخرى، وترافق هذا مع ضغط أصدقائه فصار مدفوعاً لاحتضان أي طفل يلقاه لينتهي الأمر بنعتي بالعاقر في النهاية”
وتتساءل” هل كنت لأعامله بذات الطريقة وأنعته بذات الألفاظ لو كان هو العقيم، مؤكد كنت لأسانده و أقف معه، أيا يكن فالمهم أن أحلامي الوردية في بناء أسرة، فشلت طالما أني بنظر الجميع امرأة غير مكتملة لدرجة أن زوجي يدخل و يخرج من المنزل ولا يتذكر أني موجودة!”
وتختم بقولها “حاولت مراراً أن أخرج من دوامة الاحساس بالذنب وأن أحيا كالأخريات لكني لم أستطع، بل على العكس بت منطوية ومستسلمة وغير قادرة على العمل حتى مع إهمال زوجي لي مادياَ، أنا اليوم مجرد رقم في هذا لعالم!”
أما ليلى المرأة الأربعينية والتي تدلع وتغنج نفسها باسم ليلي تقول: “مررت بأنواع الآلام كافة، وتحملت مسامعي الكثير من كلمات السخرية، وتلك المصطلحات التي لم يجعل الله لها من سلطان، تجرعت كل ذلك في البداية إلى أن تجاوز حده في قلبي وعقلي فنفرته وجعلت من كل ما يؤذيني من كلمات وإهانات محركاً ومحفزاً لي لأثبت للجميع أنني أستطيع عمل شيء في هذا العالم، وأن أكون مؤثرة في محيطي” وتضيف ليلى أو ليلي “صحيح أن الأمومة هي أسمى أهداف المرأة؛ إلا أن كثيرات فشلن كأمهات، حتى أن بعضهن غير قادرات على احتضان أبنائهن أو التوافق معهم كعائلة متحابة”
وتكمل ليلى قصتها فتقول “صحيح ينقصني الأبناء لكنني مكتملة الإنسانية، وكوني كذلك فلا أحتاج للأبناء لتثبيت وجودي في هذه الحياة؛ فجميعنا راحلون والإنسان لا يحتاج لإنسان يثبت ذكره ويخلده، إنما يحتاج لعمله الشخصي وما يقدمه لنفسه ولمجتمعه، وهذا ما أبقى ذكر كثير من الأدباء والمفكرين باق إلى يومنا دون حاجة لابن أو ابنة” وعن نهاية قصة زواجها تشرح “أنهيت زواجي لأبدأ حياتي الجديدة، حيث منعني كبريائي من مشاركة زوجي مع امرأة أخرى، فانفصلت وكان ثمن ذلك ضياع حقوقي”.
كانت معاناتي هي آخر ما يهتم به الآخرون، اهتموا لأمر واحد هو أنني سأكون مطلقة، لم أهتم وحصلت على الطلاق لتبدأ رحلة جديدة مع الهمز واللمز كوني معتادة من قبل لم أهتم لذلك كثيراً، وحول شعوري بالتحرر مشاعر الحزن إلى محبة، فاحتضنت أطفال أخوتي وأخواتي، وتعلقت بهم وتعلقوا بي، وأصبحت لهم أماً ثانية، إلا أن ذلك لم يَرُق لأمهاتهم، فبحثت عن بديل أفرغ فيه عواطفي وأسند به نفسي ولا يرتبط بأحد فقررت العمل” وتروي ليلى تحولات حياتها بسعادة مضيفة” وبحثت طويلا حتى وجدت ما أريد في روضة أطفال, وعملت مع فئة الحضانة, استمتعت بعملي كثيرا وأحببته, لقد حول عملي الجديد مشاعر الأمومة الضائعة والمبهمة إلى مشاعر حقيقية تنبض بعشق الأم لأطفالها والاهتمام به ومراقبتهم، ولم يسلم نجاحي وقربي من الأطفال أيضاً من الانتقادات، وكثيرا كان يقال لي أنني أعوض نقصي في عملي، لكن لم تعد تلك الكلمات لها وقعها وألمها، فانا اليوم وجدت نفسي حيث أريد وأبدع، حيث تجد محبتي أثراً وصدى في تلك القلوب الصغيرة والوجوه البريئة، أنا اليوم وبعد خمسة عشر عاماً من العمل أتجه للقيام بمشروع حياتي الصغير بافتتاح روضة خاصة تحمل اسمي أو اسم ماما ليلى”.
تقول ليلى على المرأة أن تحب نفسها وان تقوى بذاتها لذاتها وتوجه إمكاناتها من أجل بناء نفسها أولاً ثم الاهتمام بمن حولها من ابن أو زوج وأهل، وعلى المرأة أن تكون سنداً للمرأة لأن كل شيء في مجتمعنا قد يكون عائقاً أمام المرأة وعلى النماذج النسائية الناجحة أن يكن هذا السند وأن يقمن بدورهن كما ينبغي خاصة ممن يعملن في مجال الاعلام والتوعية وذلك بنشر محاضرات قصص روايات حلقات تتماشى مع تفكير المرأة في كافة مستوياتها التعليمية والثقافية فتعلمها بحقوقها وتعزز ثقتها بنفسها وأن تكون سندا لها في تحدي الضغوطات النفسية والمجتمعية وأن يتم التأكيد على انسانية المرأة واهمية دورها الانساني والتصدي لكل ما من شأنه أن يقلل من ذلك وخاصة ما تبثه وسائل الاعلام خلال بعض مسلسلاتها من انتهاك لحقوق المرأة واستعبادها وجعلها رهن إشارة الرجل فاليوم المرأة بحاجة المرأة بحاجة تلك الآراء السديدة الناجحة التي تقوى بها النساء الضعيفات.