عطاف عباسي
معالجة ظاهرة التغير المناخي وتحقيق التوازن اللازم لخفض تركيز الانبعاثات الدفينة في الجو، والحد من تدمير الموائل، لا بدَّ من تحطيم المحظورات بما يخصّ التعداد السكاني ووسائل منع الحمل. ونظراً لصعوبة مناقشة الآثار السلبية لنمو السكان المتزايد، فإن الفصل بين الجنس والإنجاب من شأنه الحدّ من وقوع كارثة مناخية. وبما أن البشرية فاقت القدرة الاستيعابية للأرض، لا بدّ من تنفيذ برامج تنظيم الأسرة التي يترتب عليها منافع كبيرة للمناخ، وتقديم استشارات منع الحمل في معركة الدول الفقيرة مع المناخ، وتحقيق انخفاض في معدل الخصوبة الذي قد يعوض بالكامل عن الآثار السلبية للتغير المناخي. دون أن يعني ذلك تطبيق سياسة الطفل الواحد أو التعقيم القسري.
تلقى سياسة تنظيم الأسرة دعماً واسعاً في المملكة المتحدة، حيث يتم تثقيف كل طفل في المدرسة بما يخص وسائل منع الحمل، كما يشارك كل من الرجال والنساء في النقاشات. تبلغ نسبة استخدام وسائل منع الحمل في المملكة المتحدة بين النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً 89 في المائة، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً بالمتوسط الأوروبي البالغ 69.2 في المائة. تقدم عيادات تنظيم الأسرة النصائح والمعلومات والوسائل التي تساعد على الفصل بين الجنس والإنجاب، وبالتالي فإن كل وسائل منع الحمل الموصوفة مجانية تماماً. مما أدى إلى انخفاض نسبة الخصوبة إلى 1.7 طفلاً لكل امرأة. هذا رقم يُحتفى به.
لكن هناك ازدياد سريع في عدد السكان في بقية أنحاء العالم، وحسب البيانات المتوفرة، وصل إلى ثلاثة أضعاف لدى بعض البلدان في جيل واحد. فقد بلغ معدل الخصوبة في إفريقيا 5.4، وفي بلدان أخرى 7.0.
بدون أي مواربة أوردت مقالة في دورية Lancet الطبية: “من عواقب ارتفاع معدل الخصوبة الكلي أزمة الهجرة، التي تؤثر بشكل رئيسي على بلدان إفريقيا في الصحراء الكبرى، وبشكل ملحوظ في بعض بلدان أمريكا الوسطى”.
نُشرت في الأمس القريب دراسة تحذر من وقوع كارثة مناخية “يجب أن يستقر النمو السكاني”. وقد صادق عليها 11000 عالماً، وتوضح الدراسة عبر البيانات الرسومية كيفية تأثير الزيادة المطرّدة في عدد السكان على كل شيء، بدءاً من الانبعاثات الدفينة في الجو إلى إزالة الغابات. مع ذلك لا يزال واضعي الدراسة يتجنبون مسألة ما يجب فعله حيال ذلك.
وفقاً لـ بي بي سي وفيما يتعلق بالأمم المتحدة فإن مسألة النمو السكاني “مسألة شديدة الاتّقاد”، حيث أن موضوع النمو السكاني أمر محظور في البلدان النامية والفقيرة. لذا لابدّ من تقديم استشارات منع الحمل في معركة هذه الدول مع المناخ، ودعم الوصول العالمي إلى وسائل منع الحمل التي تساعد الأفراد على الفصل بين الجنس والإنجاب.
لا ينبغي تجاهل ارتباط النمو السكاني السريع بالأثر البيئي وخاصة على الكائنات الحية، حيث بعض أنواع الذباب مهددة بالانقراض. في المملكة المتحدة، كان للوفرة والسكان عواقب بيئية هائلة. حيث يعيش هنا ما يقارب 67 مليون شخصاً، أو 279 شخصاً لكل كيلومتر مربع؛ مما يعني مزيداً من البصمات الكربونية في الغلاف الجوي. لقد قضينا على كل مخلوق بري حي أكبر من الثعلب.
الاهتمام بوسائل منع الحمل يعني الاهتمام بالتنوع البيولوجي والغابات البكر ومخلوقات المحيط. إن مجرد التوقف عن استخدام القش البلاستيكي لا يعني تخفيف الأثر البشري على البيئة.
الاهتمام الجدي بالناس، وبمعدل وفيات الأطفال، ومعدل الوفيات أثناء الولادة، وحصول النساء على التعليم، يعني الاهتمام بوسائل منع الحمل. هذا لا يتعلق بمحاولة الدول الغربية فرض آراءها حول حجم الأسرة على الثقافات الأخرى، فتنظيم الأسرة لا يعني تحسين النسل ولا التعقيم القسري.
إن تلبية احتياجات النساء والمجتمعات كافة من وسائل منع الحمل بشكل تام من شأنها أن تتيح اتخاذ الخيارات الإنجابية المناسبة.
إن معدل استخدام وسائل منع الحمل الحديثة للنساء من الفئة العمرية 15-49 عاماً يصل إلى 9٪ في بعض البلدان الإفريقية.
يجب أن تكون حبوب منع الحمل التي تحتوي على هرمون البروجسترون متاحة للشراء بدون وصفة طبية في كل مكان. إنه أمرٌ غير مُطرد كليةً وآمن تماماً. إن اعتبار استخدام أي وسيلة لمنع الحمل أكثر أماناً دائماً من الحمل، واحدة من أخطر التجارب التي سيواجهها معظم الناس على الإطلاق.
لذلك لابدّ من الخوض في الحديث عن وسائل منع الحمل، وإنقاذ العالم، وإنقاذ البيئة، وحفظ التنوع البيولوجي، والحدّ من البؤس البشري. وإيجاد طرق أكثر فاعلية لضمان حصول جميع البلدان على نفس وسائل منع الحمل.
يجب استئصال وسائل منع الحمل العالمية من قائمة المحرمات. يجب على جميع دول العالم أن تواجه الأضرار التي يُلحقها البشر بأعدادهم المتزايدة باستمرار. لا يكمن الحل في الهجرة إلى النجوم والكواكب الأخرى كما الحال لدى مؤلفي الخيال العلمي – لكن من خلال التأكد من أن كل شخص يمكنه الوصول إلى وسائل منع الحمل، ولا ضير من استخدام بعض الحلول التقليدية لتنظيم الأسرة للتصدي لتغير المناخ ولتخفيف الأثر البشري على البيئة.