آلاء عوض
المُثير للاستغراب في جندرة اللجنة الدستورية، وتضمين النساء فيها بنسبة 30 بالمئة، هو أن العديد من الأسماء النسائية الواردة في القوائم (المُعارضات وعن المجتمع المدني) غريبة وبعيدة عن السوريين والسوريات ولم يسبق للمجتمع المحلي السوري أن سمع بهن أو بإنجازاتهن ونشاطهن السياسي خلال الثورة، وحتى بعد أن تم إقرارهن لهذا المنصب لم يبدر من أيّ واحدة منهن محاولة للتعريف بنفسها، إيضاح مسؤولياتها، أو تقديم القليل من المعلومات حول أدوارها النسائية للسوريات اللواتي لا يفقهن بالسياسة. ألم يكن حريّاً بهن كخطوة استباقية لبناء الثقة توعية/ إطلاع السوريات على برنامج عملهن وهو فصل رئيس من مغزى الجندر في السياسة وصوغ الدساتير.
المقدمة هنا لا تهدف للتقليل من شأن أيّ سيدة سورية اختيرت لتكون جزءاً من مستقبل سوريا ودستورها الجديد، إن أثمرت العملية السياسية، فالنساء المنتدبات وفقَ بيانات نشرتها صحف سورية، جميعهن من الفئة المتعلمة، بل إن معظمهن حائزات على شهادات عليا (دكتوراه أو ماجستير)، وإنما هو حق مشروع لنا -كسوريات- لمعرفة الفئة النسائية الموكلة بصياغة دستور عانينا ما عانينا من ظلمه وتهميشه لقضايا النساء.
وكما كل مؤسسات المعارضة الإغاثية والإعلامية والمجتمعية فإن غياب المعايير في عملية الاختيار والتعيين تطغى على سير عملها. ولو افترضنا أن نساء اللجنة الدستورية انتقين وفقاً لمعايير خاصة ولم يسري عليهن النهج ذاته فمن حقنا أيضاً كنساء سوريات وكمجتمع ككل معرفة هذه المعايير، من وضعها، ومن قرر أنها الأفضل/ الأكثر صلاحية.
اللجنة الدستورية التي استغرق تشكيلها أكثر من عام، ومهمتها وضع دستور جديد بالتزامن مع عملية تحول ديمقراطية لسوريا، واجهت انتقادات شعبية كثيرة قبل إعلان الأسماء لأسباب مرتبطة بصلب عملها، وبعد إعلان الأسماء لعلّة أن قسماً لا بأس به من أعضاء وفد المعارضة (النساء والرجال) لم يكونوا يوماً مؤيدين أصيلين للثورة، فيما يُحسب بعضهم الآخر على تيارات سياسية ستتمسك قطعاً بنهج (القرآن المصدر الأول للتشريع) وهنا نعود للنقطة صفر بالنسبة لحقوق المرأة التي هدرها نظام البعث مستتراً وراء هذا النص وما يحمله من تأويلات، فيما تضمنت قائمة الأمم المتحدة أغلبية مؤيدة للنظام بصراحة.
وبعيداً عن الخوض كثيراً في المهام القانونية المنوط باللجنة صياغتها كون معظم الأعضاء ليسوا من فئة ضليعة بالشؤون الدستورية والحقوقية وهي ثغرة أخرى تؤخذ على القائمين بعملية الاصطفاء والمعايير الموضوعة، فإن التساؤل المتواضع وربما السطحي للسوريات اللواتي يترقبن اكتمال عملية سياسية من شأنها أن تضع حدّاً لمظالم بناتهن وحفيداتهن في المستقبل يكون: هل كل المنتدبات ملمات بمشكلات النساء السوريات، قادرات حقاً على تمثيلهن، والخوض في تفصيلات ومداخيل قانونية أرهقتهن وكانت سبباً رئيسياً في تعاستهن وفشلهن قبل اندلاع الثورة وبعدها، سيما أن عدداً منهن تلقين تعليمهن العالي في جامعات أجنبية. وهو تساؤل بريء لا يرمي التقليل من دراية أي امرأة عضو في اللجنة كما أسلفنا، وإنما نوع من حشرية المعرفة المشروع.
تدرك المرأة السورية اليوم أن الرجل ليس خصمها، وتدرك أيضاً أنها بعد إقصائها لعقود عن السياسة والمجتمع بفعل النظام القمعي ليست مؤهلة لقيادة عملية سياسية مربكة وغير ناضجة ومستهجنة شعبياً، وتعرف حق المعرفة أن خصمها الحقيقي هو التجهيل والاستبداد الذي غيّبها يوماً عن السياسة قسراً ويعود اليوم ليقحمها في صفوفها الأولى لضرورة تواجد النساء وجندرة اللجان.
كل رجل يحترم مسوغات اندلاع الثورة ويفهم طبيعة الأنظمة الديمقراطية قادر على تمثيل المرأة وفهم مشكلاتها الحقيقة كالمرأة نفسها، وبالتالي المطالبة بحقوقها المستباحة وحرياتها المسلوبة، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء فإن كل امرأة على مستوى من الإدراك والإحاطة بواقع الرجل مؤهلة لفهم مشكلاته التي هي جزء لا يتجزأ من مشكلات المرأة والمجتمع.
في حال تمكنت اللجنة الدستورية من صياغة دستور جديد وليس كما يتمنى النظام إقرار بعض التعديلات على دستور عام 2012، سنكون بحاجة لجهد وأصوات كل الأعضاء الميالين للثورة نساءً ورجالاً لترجيح كفة الديمقراطية في الدستور ولن يكون ذلك إلا بإنصاف النساء ورسم معالم واضحة لمزاولة حقوقهن. لكن للأسف إلى الآن يثبت الشارع السوري المعارض أنه يحاكي بأبويته النظام، وكما احتكر الأخير السياسة والحراك المدني والاجتماعي فإن المعارضة تمارس نفس الاحتكار متعلّلة بأسباب واهية، وهذه التركيبة من الصعب أن تفهم مطالب السوريين/ السوريات الكبيرة والمحقّة.
خاص بشبكة امرأة السورية