درعا – سارة الحوراني
لطالما اعتبرت الأرقام الأكثر مصداقية من بين جميع ما يكتب، سواء كان للتاريخ أو التوثيق، لكن في يومنا هذا، عصر الأرقام والمعلوماتية، غدت الأرقام الخاصة بالسوريين مجرد أرقام عابرة على حواسيب الأنظمة والحكومات والمنظمات العالمية، وخاصة تلك المعنية بحقوق الإنسان وتوثيق الجرائم. فمثلاً مهد الثورة درعا البلد والأحياء المجاورة لها طريق السد ومخيم درعا استهدفت خلال شهري تموز وحزيران بـ333 برميلاً وحاوية متفجرة وأكثر من 120 غارة جوية على مساحة لا تزيد عن 5 كيلو متر مربع، بحسب احصائية الناشطين بالمدينة.
وخلال الفترة ذاتها ارتقى، جراء قصف قوات النظام السوري لتلك الأحياء، 111 شهيداً من بينهم 15سيدة و 26 طفلاً، وفقاً لمكتب توثيق الشهداء في مدينة درعا. إذا هي حرب إبادة للحجر والشجر والبشر، خاصة لمن يعيش فيها، فخلال ذهابي إلى مكان عملي في درعا البلد أجول ببصري في المنازل، التي باتت ملاذاً للغربان والحشرات، بعد أن نالت حصتها من القصف، حيث تركت أسلحة النظام بصمتها الواضحة على جدرانها، ومنازل باتت أثراً بعد عين اختفت عن الوجود وتحولت إلى أكوام من الركام المختلط بأثاث الأهل وبقايا صور أصحابها، لكنهم باتوا اليوم إما تحت التراب أو في خيام النزوح الداخلي أو جدران اللجوء الخارجي. ومنهم من ركب البحر هرباً من برميل متفجر أو صاروخ فراغي، لكن البحر ابتلعه وغابت جثته في غياهب الظلمات، ولعلها باتت طعاماً للأسماك، فيما لا يزال ذويه يترصدون أي خبر عنه حتى لو كان وهما وكذباً.
وحسب مصادر من الدفاع المدني السوري والمجالس المحلية، فقد بلغت نسبة الدمار في درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا 100%. ليست المنازل والمحال التجارية فقط، بل دمرت البينة التحتية بشكل شبه كامل، فشبكة المياه تضررت بنسبة كبيرة، حيث يعاني الأهالي من انقطاع المياه منذ أكثر من 35 يوماً، في حين لجئوا إلى مياه الآبار الزراعية لتأمين حاجتهم اليومية من مياه الشرب، وبأسعار أرهقت كاهلهم ،المرهق أصلاً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. فصهريج المياه يكلف الأسرة مبلغ 5 ألاف ليرة سورية كل عشرة أيام، فيما تسللت الأمراض إلى أجسادهم المنهكة وانتشرت أمراض الاسهالات وارتفاع الحرارة والإقياء لدى الأهالي، نتيجة لتلوث المياه وعدم صلاحيتها للشرب إلا بعد معالجة وهذا يتعذر في ظروف الحرب وانعدام الأمان. فقد وصلت عدد الحالات المصابة بالاسهالات، حسب إحصائيات وحدة الرصد والإنذار المبكر عن الأوبئة في محافظة درعا، إلى أكثر من 4 آلاف حالة ومن بينها أسر بأكملها.
وليس الماء وحده ما يفتقده الأهالي فالكهرباء أيضا باتت غير متوفرة منذ أكثر من 40 يوماً جراء استهداف خطوط التوتر العالي والمولدات الرئيسية بالطيران الحربي والمروحي، وتزامن ذلك مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، ما جعل الكثير من الأهالي يلتزمون منازلهم وخيامهم والبحث عن وسائل للحصول على مياه باردة، لتنشط تجارة الثلج وبأسعار باهظة جراء اعتماد أصحابها على مولدات ضخمة، بالإضافة للارتفاع في أسعار الوقود كالغاز والبنزين والمازوت؛ جراء تحكم تجار السوق السوداء بالكميات المطروحة في الأسواق، حيث وصلت جرة الغاز إلى 8 آلاف ليرة سوريا وسعر لتر البنزين إلى 600 ليرة سورية والمازوت إلى 460 ليرة سورية. إذا فالأرقام تفرض نفسها على الأهالي بقوة، أرقام الضحايا وأرقام الجرحى والنازحين والمهجرين و و و و لكنها لا تعني العالم بشيء فالمقتول بنظرهم إرهابي وجب التخلص منه بيد مرتزقة مأجورين يتعطشون للدماء منتشين بأنين الضحايا.
خاص “شبكة المرأة السورية”