خديجة بلوش
لم يكن الحراك النسائي في المغرب إلا وليد الضغط والتهميش الذي تعيشه المرأة ويمارس ضدها من كل الجهات، المرأة التي لم يحفظ لها التاريخ كل مراحل نضالها ضد المستعمر، وضد الحيف والفقر، المرأة التي انتفضت لتكتسح سوق العمل منذ أربعينيات القرن الماضي، لتعيل أفراد أسرتها في غياب قسري للرجل، بموت أو اعتقال، أو غياب اختياري يكون غالباً بغاية تكوين أسرة أخرى، تاركاً الأولى للضياع والتشرد. كل ذلك جعل منها قوة إنتاجية لا يستهان بها، وجعلها تفكر فيما سيأتي وتستجمع شتاتها، وتكوّن جمعيات للدفاع عن حقوقها وحقوق بنات جنسها والسعي الجاد لتغيير بعض القوانين، التي ما فتئت تحرمها من أبسط حقوقها.
صدر قانون الأحوال الشخصية بموجب 5 ظهائر*، أولها في تشرين الثاني/نوفمبر 1957 وآخرها في نيسان/أبريل 1958• سبقها إلى الوجود مرسوم 19 آب/ أغسطس 1957، الذي تكونت بموجبه لجنة لدراسة مشروع مدونة الأحوال الشخصية، إضافة إلى مذكرة إيضاحية قدمتها وزارة العدل التي كان على رأسها آنذاك الأستاذ “عبد الكريم بن جلون”، واعتمدت في اقتراحاتها على العلوم الحديثة، مثل: علم الاجتماع وعلم النفس وعدد من الإحصائيات الميدانية، لتعزيز خلاصاتها بضرورة توخّي العدل والإنصاف، ورفع الضرر عن المرأة المغربية، وضمان استقرار الأسرة.
ولأن هذه المدونة خرجت في ظرف قياسي، فهي لم تكن بحجم تطلعات المرأة المغربية ولم تنصفها، بل كانت توثيقاً آخر لسلسلة من الانتهاكات فيما يخص الزواج والطلاق.
عام 1962، تم تأسيس اتحاد نسائي خرج في مسيرة ضخمة في أول أيار/ماي لنفس السنة، رُفعت فيها شعارات المطالبة بالمساواة على لافتات سارت وراءها أعداد هائلة من النساء، بمختلف مشاربهن وانتماءاتهن الاجتماعية والاقتصادية وفئاتهن العمرية.
لكن الظروف السياسية التي عاشها المغرب منذ عام 1965، والتي ازدادت قساوة وحدّة على مدى العشر سنوات اللاحقة، حالت دون تطور هذه الحركة التي عرفت جموداً كبيراً في مجال النضال النسائي المطلبي، رغم تفاقم مشاكل الأسرة المغربية ومعاناة النساء، بسبب الطلاق الأحادي، وإشكالية تزويج الفتيات، ومشاكل الطرد من بيت الزوجية، وتشرد العديد من الأطفال. فصارت شوارع المدن الكبرى خاصة، تعج ببأعداد كبيرة من أطفال الطلاق المشردين، المتسولين والمتخلى عنهم، فضلاً عن الكثير من المشاكل التي تسببت بها من جهة أخرى الأزمة الاقتصادية التي تخنق واقع الأسر الفقيرة، وكذا نصوص مدونة الأحوال الشخصية، التي اتضح أن هناك شرخاً عميقاً بين إيديولوجيتها القائمة على التمييز والحيف، وبين الواقع الذي أصبح بحاجة إلى قانون يسايره، ويجيب عن إشكالاته ومعضلاته إجابات تلامس حقيقته.
خلال فترة الثمانينات، جعلت الحركة النسائية ملف مدونة الأحوال الشخصية على واجهة الأحداث، رغم ما كان يشوبها من نقاشات حول ضرورة تجاوز معوقاتها وتطوير إمكانياتها. في هذه المرحلة تضافرت جهود مكونات الحركة النسائية السياسية منها والممثلة في جمعيات، في صياغة ملفات مطلبية التقت كلها حول أهم النقاط التي اعتبرت بمثابة حد أدنى، وهي :
- إشراك المرأة في تغيير قانون الأحوال الشخصية.
- جعل الطلاق بيد القضاء.
- رفع الولاية عن المرأة فيما يتعلق بزواجها.
- منع تعدد الزوجات.
- مسألة النفقة والحضانة.
مع رفع شعار “التغيير الجذري”، أو أحياناً “المراجعة الشاملة لمدونة الأحوال الشخصية” من طرف الجميع.
ومما يحسب لصالح المرأة في القرن الحالي، هو إقرار مدونة الأسرة، التي أحدث انقلاباً كبيراً وتغييراً ملحوظاً، فالمدونة قانون وضعه برلمان المغرب في 2004، وأقره الملك محمد السادس، وقد جاءت المدونة لحماية المرأة وضمان حقوق الطفل والأسرة، وتمت المصادقة عليها سنة 2006. لكن رغم كل هذا، لم يتم الحد من ظاهرة تزويج القاصرات، لأنه حسب
ما أشارت إليه وزارة العدل في تقريرها حول النوع الاجتماعي، بخصوص تراجع معدل تعدد الزوجات، الذي انتقل من 0.35% من مجمل عقود الزواج المسجلة سنة 2011 إلى 0.26% سنة 2012، و0.25% سنة 2013، وهو ما يمثل 787عقداً سنة 2013 مقابل 806 عقود سنة 2012.
ورغم تولي الوزارة عناية خاصة بتزويج القاصرات، وتتبعه عن كثب من خلال تنظيم ورشات عمل، والحرص على تطبيق المقتضيات القانونية، إلا أنه مازال يشهد ارتفاعاً من سنة لأخرى.
ينص القانون المغربي على أن سن 18 هو سن الأهلية للزواج، تماشياً مع الاتفاقيات الدولية، لكنه في الوقت نفسه فتح نافذة للاستثناءات، تسمح بتزويج القاصر، لكن بشروط وضوابط.
وتجيز المادة 20 من مدونة الأسرة تزويج القاصرات بإذن من القاضي، إذ تنص على أنه “يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، بقرار معلَّل، يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لوالد القاصر أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. كما أن الفصل 475، كان بمثابة فجوة ينفذ منها المغتصبون، تتيح لهم الزواج بضحاياهم، للإفلات من عقوبة السجن، كنوع من التراضي بين أهل الفتاة ومن أجرم بحق طفولتها. لكن إقدام إحدى الضحايا على الانتحار بعد تزويجها قسراً من مغتصبها، جعل الرأي العام والجمعيات النسائية والحقوقية، تطالب بإلغاء هذا الفصل وإحقاق العدالة على المغتصبين لردعهم. لكن رغم كل هذه المراحل المهمة، ماتزال هناك معارك أخرى يجب خوضها، وقوانين أخرى يجب تغييرها، منها: الحد من ظاهرة العنف ضد النساء، وتعدد الزوجات، ووضع مواد سهلة لتمكين المطلقات والأرامل من حقوقهن كاملة.
من بين النساء المغربيات الفاعلات والساعيات إلى رفع الحيف وتغيير بعض القوانين، مما يتيح للمرأة التمتع بحقوقها في الأسرة والمجتمع والوطن “بسيمة الحقاوي” وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، من خلال مشروع أعدته بالتعاون مع وزارة العدل والحريات، لمحاربة التحرش الجنسي. هذا القانون سيعاقب كل من ثبت بحقه هذا الفعل غير السوي، بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين شهرين وعامين، وغرامات مالية تصل إلى 3 آلاف درهم مغربي، وفترة سجن قد تصل إلى أربع سنوات لمن ثبت أنه مارس التحرش ضد زميلة في العمل، أو ضد أحد الأصول.
*الظهير الشريف أو الظهير الملكي: هو مرسوم يقوم ملك المغرب بإصداره، بصفته سلطة عليا وممثلاً أسمى للأمة.