سحر حويجة
“فرناز خسروني” فتاة من أكراد إيران، أقدمت على الانتحار دفاعاً عن نفسها، في مواجهة اعتداء وحشي، تعرضت له من قبل أحد رجال الأمن في إيران. حادثة أثارت الرأي العام العالمي والعربي، وكان لها وقع الصاعقة على الشعب الكردي في إيران، حيث انتفضت مدن ومناطق كردية ضد سلطة الملالي في إيران، مطالبة بمحاكمة الجاني، وردت السلطات الإيرانية بعنف سقط نتيجته شهداء وجرحى.
الشعب الكردي في إيران مثله مثل بقية مكونات الشعب الإيراني، يعاني من تعسف النظام واضطهاده الذي يمارس العنف ضده بمختلف أشكاله، حيث تنتهك حقوقه، بالقمع والقتل والافقار والذل وكل صنوف الاضطهاد والتمييز والتهميش. ولم تكن قضية الاعتداء على فتاة، ومحاولة اغتصابها، سوى جريمة رمزية تلخص الاعتداء والاغتصاب لحقوق شعب بالكامل، وكان دفاع هذه الفتاة عن نفسها، حافزاً للشعب للدفاع عن نفسه، مهما كانت النتيجة، في تحد واضح لآلة القمع الإيرانية.
فرناز لم تكن إلا رمزاً ودليلاً وإشارة لطريق صعب يجب اجتيازه في سبيل الحرية، لا تختلف عن رمزية أبو العزيزي في تونس، ولا عن رمزية اعتقال وتعذيب طلاب درعا، ورمزية استشهاد الطفل حمزة الخطيب. جرائم أثارت غضب الشعوب، وكانت شرارة لأحداث كبيرة شكلت انعطافاً، سيشهد لها تاريخ هذه الدول، تجلى بصورة وعي الذات، والدفاع عن الحق، ومواجهة الجلادين. قصص تختصر وتكثف، حكاية هذه الشعوب التي تنتهك حقوقها وحرماتها كل يوم، وعبر عقود من السنين، حكايات شائعة أشعلت النيران من تحت الرماد.
نعم إن القضية ليست قضية اغتصاب فتاة وانتحارها. لأن حوادث الاغتصاب قد تحدث كل يوم وتمر بسلام ،ودون ضجة. جرم الاغتصاب كجريمة جنائية عادية يُعرف وفق القانون السوري، بدلالة المادة 489 عقوبات : هو الإقدام على إكراه امرأة ليست زوجة الجاني على الجماع بالعنف أو التهديد في ظروف الإكراه المادي أو المعنوي. أما إذا ثبت بأن فعل الإكراه قد وقع بعد إبرام عقد زواج صحيح وثابت بينهما أو يمكن إثباته، عندئذ تنتفي جريمة الاغتصاب ويسأل الفاعل فقط عن أفعال العنف والإيذاء التي ترافق فعل الجماع وفق أحكام المادة 540 عقوبات سوري . في هذا التعريف وهذه المادة نجد تبريراً من قبل المشرع لجرم الاغتصاب المرتكب من قبل الزوج بحق زوجته. وتبريراً للعنف ضد المرأة، يعتبر هذا القانون من القوانين التمييزية ضد المرأة، كان أجدر بالمشرع على الأقل اعتبار الاغتصاب من قبل الزوج سبباً للتفريق لصالح المرأة إذا أرادت، دون أن تخسر أو تنتقص من حقوقها شيئاً نتيجة التفريق .
إذن الاغتصاب هو أحد أشكال العنف المتعددة الذي يمارس ضد المرأة، حيث لا يمر يوماً في الأحوال العادية إلا وتتعرض فيه نساء للاعتداء الجنسي، باستغلال ضعف المرأة الجسدي، أو وضع المرأة الاجتماعي نتيجة الفقر، التسول، التشرد، غالباً ما تقع ضحيتها قاصراً، وحتى الزوجة يمكن أن تتعرض للاغتصاب من قبل زوجها لكن القانون السوري يبرر هذا الفعل و لا يرتب عليه عقوبة. بل نجد على العكس ولأسباب اجتماعية، حفاظاً على سمعة المرأة ، قد يتم التكتم على جرائم الاغتصاب، تصل درجة تزويج الفتاة من مغتصبها، وكأن جرماً لم يكن، هذه أحد أسباب تخفيف عقوبة الاغتصاب وفق نص المادة 508 عقوبات سوري. تشمل وقف الملاحقة أو تعليق تنفيذ العقوبة إذا تم عقد زواج صحيح بين الجاني والمجني عليها، زواج ينظر له المشرع السوري على أنه تعويض للمجني عليها عما يلحقها من أضرار معنوية ونفسية وأدبية من جهة ومن جهة أخرى وسيلة للتكفير عن خطأ الفاعل. تثير هذه المادة جدلاً كبيراً حول مشروعية هذا الزواج الذي يعتبر وسيلة لنجاة المجرم وعقوبة للمرأة تجبر يموجبه المرأة مكرهة على عقد زواج يفتقد إلى ادنى ثقة و احترام مع انعدام الإرادة وحرية الاختيار، مادة تحابي الجاني وتفتح الطريق لخلاصه من العقوبة، في هذا ظلم كبير وإكراه للمرأة خاصة عندما تجبر من قبل الأهل بداعي السترة.
وهكذا نجد أن المرأة تتعرض أهم حقوقها وحريتها الشخصية وسلطتها على جسدها وعقلها وعواطفها، للانتهاك، وذلك تحت ضغط عادات بالية تلبية لسيادة ووحشية رجل وشذوذه، بدلاً من مواجهته ومحاكمته ، وتعرية وفضح هذا السلوك المشين . الاغتصاب في ظروف الجرب والثورة: يعتبر الاغتصاب أحد الوسائل في الحرب التي تعتمدها الأطراف المتقاتلة، سواء كانت حرباً داخلية أم خارجية، حتى أن التاريخ شاهد على الاستخدام الواسع لجريمة الاغتصاب أثناء الحرب كوسيلة لإضعاف العدو، لأنه الأرخص تكلفة من جميع أسلحة الحرب الأخرى حتى من الطلقات. يستخدم الاغتصاب وسيلة لحصار المقاتلين، وإثارة الخوف في نفوسهم، وإذلالهم وإهانتهم. لتأثيره الكبير على معنويات المقاتلين فالمرأة المغتصبة إما أخته أو زوجته، أو حتى أمه. وهي إشارة النصر على العدو.
وفي ظروف الانتفاضة ، والحراك الثوري، الذي يواجه بالعنف والقمع، تعمد السلطات إلى استخدام الاغتصاب لمنع النساء من المشاركة في الأعمال الثورية كما حصل في مصر، وسوريا ،وباقي دول الربيع العربي. وسيلة ضغط على الأهالي لمنع النساء من الخروج من المنزل ، والإساءة للنساء الثائرات. المرأة السورية تعرضت لجريمة الاغتصاب في ظروف الحراك الثوري السلمي، حيث تعرضت الآلاف منهن لهذه الجريمة على يد من يدعي تطبيق القانون، وقد تم استخدامه في سياق الاعتقال والاستجواب في أقبية النظام، كما تعرضت النساء للاغتصاب في المناطق المحررة التي تم السيطرة عليها من قبل النظام، وقد تعرضت المرأة أيضاً للاغتصاب على يد القوى المتشددة إما انتقاماً أو ثأراً، تحت اسم السبايا و خطف النساء، كل ذلك دعا آلاف السوريات إلى الهروب واللجوء خوفاً من الاغتصاب أو هرباً من المغتصبين بعد ارتكاب الجريمة بحقهن.
في النهاية شكلت جريمة اغتصاب فتاة من أكراد إيران، سبباً مباشراً لانتفاضة شعب، وكانت انتفاضة شعب آخر سبباً لآلاف حالات الاغتصاب. ويبقى الاغتصاب أبشع أنواع العنف ضد المرأة، يرتكب على أيدي أحط الرجال تسيرهم ساديتهم وغرائزهم البهيمية لفرض نظاماً للحكم يقوم في أساسه على الظلم واغتصاب حقوق المحكومين.
خاص “شبكة المرأة السورية”