سلوى زكزك
نغلف الغيرة العمياء بالحب، نتبادل قصص الغيرة ومواقف الرجال العنيفة والأذى الناجم عن هذا العنف وكأننا نتشوق لنكون التاليات! لماذا تمحو الفتيات قائمة طويلة من الأصدقاء بعد الخطبة؟ لماذا ترضى النساء بإزالة كلمة السر عن جوالها وترضى بأن يكون وصول زوجها إلى جوالها ممكنا على عكسه تماما؟ يجري وبكل تواطؤ تعميم العنف وكأنه ليس عنفا، وكأنه مذاقا شخصيا في اختيار العطر الخاص أو الوجبة المفضلة.
ينبغي على النساء أولا تغيير نظرتهن إلى أنفسهن، خصوصيتهن، أنماط العلاقة مع المحيط الأقرب إليهن، أخوة وأخوات، أب وأم وأبناء وزوج وأهل الزوج.
تحاول لمياء التقرب من أهل زوجها، تكثف دعوتهم إلى الغداء في منزلها، وفي كل دعوة تشير وتلمّح بصورة واضحة لكنها غير مباشرة إلى زوجة أخ زوجها، تظهرها وكأنها مقصرة دوما في حق أهل الزوج، إنها ليست غيرة شخصية فقط، بل دعوة لكسر المتانة الخصوصية التي بنتها زوجة الأخ مع كل محيطها، خصوصيتها أولا في عائلتها الصغرى وخصوصيتها مع خصوصية عائلتها الصغرى في مواجهة سيل واسع من الرغبة بتدمير هذه الخصوصية.
تصف لمياء ما تفعله بأنه حرص بالغ على رابطة الدم وعلى الترابط العائلي، تبدو وكأنها تقدم دروسا في الأخلاق المتبعة والقيم التقليدية التي تضغط على صدور النساء وتضيّق فسحة العيش في عوالمهن الضيقة أصلا.
قد يقول قائل إن لمياء خير مثال على إيذاء النساء للنساء وأنهن تاريخيا عدوات بعضهن البعض! لكن الحقيقة أن لمياء عاجزة عن التمتع بخصوصيتها بسبب تبعية زوجها لأهله، وبسبب عدم تمكنها اقتصاديا لتساهم في إدارة حياتها الجديدة ولتتخلص من سطوة الزوج لأنه المنفق الوحيد على العائلة.
تبدو العثرات كبيرة وكثيرة أمام التمتع بالخصوصية و، والكل يشارك في وضع العوائق أما تمتع النساء في إدارة حيواتهن كما يردن، يشترط الأزواج مهام محددة أمام الزوجات للموافقة مثلا على شراء حاجيات خاصة لهن، للمشاركة في رحلة نسائية مع الصديقات أو القريبات،
يتدخل أهل الزوج في أزياء زوجات الأبناء لدرجة أن إحدى النساء تضطر لارتداء الحجاب عند زيارة أهل زوجها في مدينة أخرى، وتجبر أم أحد الأزواج ابنها على عدم زيارة اهل زوجته وتهدده بالغضب عليه أو بحرمانه من رضاها! أي عنف خفي يدار بالخفاء وكأنه خلطة سحرية لكنها سرية وغير معلنة ومزينة بقيم خادعة مثل البر بالأهل والالتزام بواجبات العطاء لصلة الرحم مع أن الزوج يكون عاجز فعليا عن أداء نفس الواجبات تجاه زوجته وعائلته الصغيرة.
ضاقت صفاء ذرعا باستنكاف زوجها عن إبداء رأيه في قضايا تفصيلية يومية ضمن العائلة، مثل نوع طبخة اليوم، لون الستائر، اختيار حقائب الأبناء المدرسية، واجهته ذات مرة، اعترف بتقصيره وقال إنه بالفعل معجب ومكتف بشكل تعامل زوجته مع تلك التفاصيل. اعترف علنا أنه شخص معتاد على السلبية ولم يختبر التشاركية يوما لأن تربيته العائلية حرمته منها بسبب تسلط والديه ومن ثم تسلط أخاه الأكبر بعد وفاة والده، لكن كل ذلك لم يرض صفاء، تحتاج يدا مساندة، رأيا مختلفا، ذوقا متغيرا، وعندما اشتكت لصديقاتها حسدتها بعضهن معتبرات أن تلك البنية المستنكفة تؤمن راحة أكبر للزوجات، تعاطفت معها صديقة واحدة، لكنها في نفس الوقت كل ما كان بوسعها فعله هو طبطبة ناعمة للتهدئة ودعوة للرضى المستكين كي لا تخرب عيشتها أو بيتها كما تقول الغالبية.
غالبا ما تكون الخلطة السرية للعنف خارج نطاق أي أذى جسدي أو عنف مباشر، إنها شكل من أشكال العنف العنيف لكنه صامت وأذاه غير معرّف ولا معلن أو موصوف، كالإهمال العاطفي، كالعلاقات الميكانيكية في العلاقة الحميمة وتحديد أيم أسبوعية محددة لها، حتى تحول يوم الخميس في المحصلة الجمعية إلى يوم الجنس العائلي العالمي!
تكره سنا يوم الخميس، له تحضيرات خاصة، غالبا ما تضطر لتغيب عن العمل يوم الخميس، عليها تأمين وجبة متقنة ولذيذة ومشبعة، وإتمام عملية استحمام الأطفال وترتيب المنزل والاعتناء بحالها بشكل شخصي لتقدم نفسها ليل كل خميس هدية ربانية مرضية وجذابة لزوجها العزيز، الذي رسم بقرار حاسم مجريات هذا اليوم من كل أسبوع حتى لو توفي والد سنا شخصيا! هكذا أبلغها الزوج العزيز بقراره غير القابل للتغيير أو التلون والتلاعب به.
تقول سنا: تبدو الأيام الباقية غير الخميس أياما للجفاء العاطفي، ترسم حدود العلاقة هنا بالواجبات اليومية، كل تواصل عاطفي ممنوع ومؤجل، وعلى جسدها وجملتها العصبية والنفسية التنكر لكل احتياجاتها، عليها التعلم جيدا والقيام بتكييف كل رغباتها ومشاعرها وتأجيلها إلى يوم الخميس وربطها كلها بقرارات الزوج الرزين والعاقل والعزيز جدا أيضا! لم لا؟ فهو الآمر الناهي وهو رب الأسرة ورب الرغبات والاحتياجات والمشاعر كلها.
تتعدد الخلطات السحرية للعنف المقنّع والأهم أنها سرية حكما، يتم الحديث عنها بعد طول معاناة ولأشخاص محددين، لأنها غالبا ما تلاقي ردودا مخيبة، ردودا ساخرة لدرجة أن البعض لا يراها عنفا من أصله.
تتجدد أشكال العنف المسكوت عنها ولا وسيلة لفضحها أو التبليغ عنها، يتم التعامل معها بأنها حالات نادرة وخاصة جدا، ولا تغدو شكاوى مترفة في بحر واسع من أشكال العنف التي تتسبب بأذى واضح وعنيف قد يصل حدود الموت أو التشويه أو العجز أو المنع من الحركة والتحرك.
الخلطات السحرية والسرية للعنف المسكوت عنها بصمات جديدة على جرائم عنيفة لم يشر لها حتى القانونيين ولا دعاة التخلص من العنف كوصمة عار على جبين الإنسانية
يبدو جليا أنه ينبغي على النساء إعلاء أصواتهن عاليا في مواجهة هذه الحالات التي يكون من آثارها كره النساء لنمط حيواتهن أو كرههن لشركائهم وأحيانا لأطفالهن، عدا عن ما تسببه من فصام عائلي وجفاء عاطفي والعيش في عوالم نفسية وجسدية وروحية متخبطة وقلقة وقيد الانفجار أو قيد الانكفاء عن العيش والتفاعل مع الحياة الإنسانية وتفاصيلها.، لا تثق بنفسها ولا ترى الآخر حتى لو كان الشريك الحميم أو القريب الأقرب شريكا في الحياة وفي الهم وفي السعادة أيضا.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”