كتبت المقال : غفران ومريم / مشروع قيادة نسائية لأجل سكن لائق وآمن.. شمال غرب سوريا
“باركيلي يا أمي اشتريت دار منيحة عقد مصرياتي، واليوم بدنا ننام فيها ونخلص من الشنشطة و نبعد عن القصف و عجقة المخيمات.”
هذا ما كان يظنه أحمد عندما كان يحكي لأمه عن مدى فرحته ببيته الجديد الذي ابتاعه في البلدة الحدودية التي نزح إليها منذ قرابة الـ 4 سنوات مع أهله هرباً من القصف. “أحمد ش” نازح من ريف إدلب الجنوبي استقر منذ مدة طويلة في مدينة حارم الشمالية الحدودية مع الأراضي التركية، وقضى فيها طيلة أيامه مشتتاً بين المخيمات والبيوت المستأجرة بحثاً عن سكناً آمن و مستقر.
تقول “أم أحمد” و عيونها تغرغر بالدمع :”لم يخطر ببالي مطلقاً و أبداً أن أستيقظ في الصباح و لا أرى وجهه الملائكي يصبح عليّ و يقبل يدي و يسألني الدعاء، ظننت أننا في هذه البلدة قد وجدنا الأمان و الاستقرار ولم نعد نسمع أصوات القصف والطيران، ولكن هل كان بالحسبان أن نتعرض لكارثة لم يشهد لها التاريخ من قبل”.
و تتابع أم أحمد شارحة ماحدث ليلة الزلزال :” كعادته في المساء ودعنا وأخذ رضى والده وقبل يديّ وطلب منا الدعاء له ولمنزله الجديد الذي سيبيت فيه ليلته الأولى مع عائلته، وقال لنا جملة ربما كان يعرف بشكل ما أن هذه آخر ليلة سيرانا بها، حيث قال سأشتاق لكم بعد أن أصبح لي منزل مستقل”. تضيف أم أحمد :” شعرت لحظتها بالخوف بيني و بين نفسي، لماذا قال أحمد هذه الجملة، هل يا ترى لن يعد ليزورنا كما كان يفعل كل صباح، لما قالها خصيصاً في هذه الليلة؟!!”.
فعلاً كانت تلك الليلة الأخيرة التي رأى أحمد فيها والدته، كانت ليلة السادس من شباط عام 2023 هذه الليلة التي يعرفها كل العالم و يعرفها السوريون بشكل خاص، فتلك الليلة تركت في أرشيف ذاكرتهم أوجاع و مآسي لن تمحى أثارها لعقود طويلة، هي ليلة زلزال سوريا و تركيا الذي ضرب منطقة الحدود السورية التركية بشكل أكبر من باقي المناطق، ما أدى لتدمير مدن بأكملها كمدينة مرعش في تركيا و مدينة جنديرس في سوريا.
تحكي أم أحمد عن تلك الليلة :”بين الحلم والحقيقة لم يعد عقلي يستوعب ما الذي يحدث، ما هذا الاهتزاز العنيف الذي يأخذنا يميناً ويسارًا! استغرق الأمر أقل من دقيقة حتى أدركت أنه زلزال، و لكن لا أعرف مالذي أخذ بقلبي و عقلي إلى أحمد ابني، لم افكر في نفسي ولا حتى في أولادي الباقين، هرعت إلى خارج الغرفة وخرج كل من في المنزل وكأنه يوم القيامة إلى الشارع والأمطار كانت شديدة الغزارة و الرياح لا تهدأ ومازالت الأرض تهتز تحتنا”.
تتابع أم أحمد :”أمامنا بناء مؤلف من ثلاث طوابق رأيته كيف تهدم وكأن هذا كله حلم، لم أعد أتذكر شي، كل ما أذكره أننا بقينا في الشارع حتى الصباح، وهنا بدأت تتكشف المأساة و تظهر لنا الكارثة بكل ما تعنيه الكلمة، وبدأت أرسل أولادي وأطفال الجيران ليعرفوا الأخبار عن ولدي أحمد”.
أم أحمد لم تعد قادرة على متابعة الحديث عن الأحداث التي تتالت عليها في ذلك اليوم و تركناها تبكي ولدها الذي فقدته و كل عائلته المكونة من 4 أطفال وأمهم. أم أحمد هي مثال مصغر لمئات الحالات التي فقدت عوائل بأكملها لم يبقَ لها أي أثر أو ذكر.
وبحسب ما صرحت به أكثر من جهة مدنية وحكومية أن الدمار الذي لحق بالمدن الحدودية هو بسبب وقوعها على خط الصدع الزلزالي في المنطقة، أما بالنسبة لحجم الدمار في المباني فإنه يعود لسوء تنفيذ هذه المباني وعدم الإلتزام بالمعايير الهندسية الواجب إتباعها خصوصاً في الأبنية الطابقية، وهذا ماحدث لعائلة أحمد بحسب ما أعلمنا به أخوه الأكبر محمد حيث قال:” تدمر كل الحي الذي كان أحمد قد اشترى فيه منزله، و بحسب ما علمناه من لجان الهندسة التي زارت المكان أن سبب التدمير هو سوء التنفيذ وعدم تطبيق المعايير الهندسية لهذه الأبنية، أيّ الاستهتار بهذه التعليمات دفع ثمنه أخي و آلاف الضحايا الذين كانوا يظنون أنفسهم قد وجدوا مسكناً آمنًا”.
والجدير بالذكر أن سوريا كان عدد ضحايا الزلزال فيها قد وصل إلى ما يقرب عشرة آلاف، بحسب الإحصاءات الرسمية، تركزت الأعداد في مدينة جنديرس في ريف عفرين والتي بحسب الجهات الحكومية هناك أن المدينة مدمرة بنسبة 95% وبحاجة لإعادة إعمار عاجل.